مقالات

الكاتبة ايناس البدران: هناك تدجين اجتماعي يمارس على المراة والرجل…

الكاتبة ايناس البدران: هناك تدجين اجتماعي يمارس على المراة والرجل

يقال ان الرجل اكثر عمومية في الكتابة بينما المرأة اكثر قدرة على جمع التفاصيل. إن الهدف من الادب النسوي هو اثبات حضور المرأة ادبيا في مجتمعها اذ قد تكون مغيبة فيه, باعتبار انها وحدها القادرة على التعبير عن شؤونها الخاصة. قد يكون ما تكتبه المرأة من أدب وعطاء انساني لا يرتبط بجنسها على الاطلاق, فقد وجدت الخنساء جنبا الى جنب مع الشعراء الرجال, فلم يكن هناك شعر رجالي وشعر نسائي. لذا كثير من الادباء يرفض هذه التسمية ويفضل بدلها تسمية الادب الانساني.
وعلى هامش الاحتفال بتوزيع جوائز الدورة السادسة لمسابقة نازك الملائكة في الشعر والقصة والدراسات النقدية, طرحت تساؤلاتي امام السيدة ايناس البدران رئيسة منتدى نازك الملائكة في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.
*قلت لها افتقدت الدراسات النقدية في هذه الدورة, فحجبت الجائزة, هل استعصى النقد على المرأة؟
– قالت ان المتغيرات الفكرية والاجتماعية دفعت النساء لخوض غمار تجربة الادب بعد ان كادت تخلو الساحة منهن. فالمرأة لا تقل كفاءة في اي مجال من المجالات, وتفوقت ونبغت وقدمت عطاءات متميزة وبالتأكيد فهي في الادب والنقد الادبي لا تقل كفاءة عن النقاد. في هذه المسابقة لم توجد دراسات نقدية ضمن الشروط التي وضعت, وهذا راي اللجنة المشرفة, فهناك لجنة تحكيمية تكونت من اربعة اساتذة واستاذة, بعضهم متخصص في النقد الادبي تحديدا, ربما لاحظوا قلة المواد الواردة او عدم صلاحيتها فحجبت الجائزة وهذا من حق اللجنة, إذ كان المعيار في اختيار لجنة التحكيم هو الكفاءة. في الدورة السابقة وهذه الدورة خصصت الدراسات النقدية حصرا لأعمال نازك الملائكة الادبية, في الدورة السابعة ان شاء الله نسعى الى توسيع المشاركة الى اعمال اخرى فضلا عن اعمال الاديبة الرائدة نازك الملائكة, نحن نتمنى ان تكون هناك دراسات نقدية تشمل اعمال كل الاديبات العراقيات والعربيات والعراقيات في المهجر, وقد انتشرت اديباتنا في كل بقاع الارض لتكون العلاقة معهن تفاعلية تواصلية بعد ان تطورت ادوات التواصل ما يمكننا من الوصول الى ابعد نقطة في ثوان وهذه سهلت علينا العمل.
*ما ذا عن تجنيس الادب وتصنيفه الى نسوي وغير نسوي؟
– يؤلمني التصور باننا في منتدى نازك الملائكة نعزل الادب النسوي عن غيره, اؤكد على جزئية ومسالة جدا مهمة ان الادب هو الادب والابداع هو الابداع, المهم وجود بذرة الابداع, ثم صقلها سواء كان المبدع رجلا او امرأة ويقدم الشيء الجميل. مصطلح الادب النسوي ظهر سبعينيات القرن الماضي لسبب بسيط, المرأة عانت عقود من الوأد النفسي والتعتيم والضغوط والاضطهاد وكانت تكتب باسم رجل وصوت رجل. ثم بدأت في سبعينيات القرن الماضي في العالم كله تعبر باسمها هي, بصوتها هي بعد ان كانت تتخفى بأسماء رجال, فالمسالة ان هذا المصطلح ظهر للتأكيد على مسالة اساسية هي ان صوت المرأة بدا يظهر لأول مرة وبدأت تعبر عن نفسها بصدق وشجاعة, فقضية الادب النسوي يعتقد البعض انه عزل او فصل او انتقاص وهذا بعيد عن الواقع .
*هل يمكن الاستغناء عن هذا المصطلح ؟
-يمكن لأنه يعبر عن اضاءات ظهرت لخلخلة الثقافة الذكورية التي ظلت لسنين تتراكم, كما يقال ان شخصا يتكلم ويصدق نفسه, لم يكن الرجل يسمع صوت المرأة ويتناولها بطريقة سطحية جدا ويعدها شيئا يدور في فلكه, دون التغلغل في مشاعرها وعقلها خصوصا المشاعر التي لم يجربها الرجل مثل الامومة, الطفولة, كيف ترى العالم, المشاعر الانثوية الاخرى كالعمة والخالة, المرأة ليست كالرجل وهذه مسالة انتهينا منها, بايولوجيا مختلفة عنه لكنها انسانيا لا تختلف عنه في شيء, لكن هناك تدجين اجتماعي يمارس على كليهما, البنت مثلا لا يجوز لها الغضب او رفع الصوت, لا يجوز لها التعبير عن الراي, هذا تدجين, بمرور الزمن يحولها الى كائن سلبي انطوائي خائف خجول وتسوّر باللاءات, وحتى الرجل يتعرض الى هذا التدجين ولكن بصورة اخف, وبمرور الزمن ترسخت عقلية الخنوع والخضوع والتآمر على النساء الاخريات لا نها تعتبرهن منافسات لها, وليس عيبا ان يكون وراء المرأة الناجحة رجل كالأب او الزوج او الاخ كما ان وراء كل رجل عظيم امرأة, فكل انسان يحتاج الى من يحتضنه ويشجعه ويحبه ويرعاه ويعطيه الثقة في نفسه, ولكن جعل شريحة كاملة من المجتمع كل وظيفتها في الحياة ان تلد وتربي وتنظف اعتبرها جريمة .
*ماذا تودين من المرأة ؟
– بعد أن تقلدت المرأة ادق واهم المراكز وتميزت وحصلت على اعلى الشهادات وبكافة الاختصاصات, بودنا ان تكون اكثر فاعلية في صنع القرار. وزيرة المرأة السيدة ابتهال اجتمعت بنا كسيدات متميزات في مجال الصحافة والادب وبثت لنا همومها وابسطها فريق عملها الذي لا يتجاوز (17) شخصا, ووزارتها بدون حقيبة وزارية اي بدون ميزانية للأنفاق على خطط التنمية للمرأة. نحن بحاجة الى تفعيل دور هذه الوزارة وعدم تركها شكلية.
*هل لديها خطط ؟
– لا اعرف ولكن من خلال حديثها وجدناها امرأة طموحة لكن بدون دعم مالي وبدون وجود فريق عمل متخصص وكفوء. لا يهم عدد النساء بقدر ما يهمنا النوعية الفاعلة والمثقفة, ويهمنا شعور الرجل بأهمية المرأة لا نه بدون هذا لا ينهض المجتمع ولا تتحقق التنمية ولا يمكن تحقيق شيء ونصف المجتمع مشلول ومقهور وجاهل وامي. والام هي القاعدة التي ينطلق منها الابن, والام هي التي تغذي منظومته الفكرية, فكيف اذا كانت مظلومة ومكسورة وجاهلة بحقوقها. نحن نناضل من اجل اشياء تعد بديهيات في مجتمعات أخرى. الرجل الواعي الكريم المثقف الذي عنده قلم, عنده فكر, عنده صوت, عنده قوة من اي نوع يقف الى جانب المرأة والمرأة تدرك هذه المسائل واهميتها وعليها ان تعرف ما لها وما عليها فهي لحد الان تعلم ما عليها ولكن لا تعرف ما لها وهي تنوء بالأعباء الملقاة على عاتقها وحتى لو كان هناك حقوق يتم التعتيم عليها وهي جاهلة بها, لا نريد تمثيل شكلي للمرأة في اي مكان بل تمثيل حقيقي وحتى في مجال الادب لا نريد المرأة ان تشترك بقصة او قصيدة هشة ضعيفة.
*في بحثها عن الهوية, ما هي المراحل التي مرت بها المرأة؟
-لاحظي المرأة منذ عصور ما قبل التاريخ كانت لها مكانة من نوع ما تصل الى درجة التقديس بحيث انها كانت رمزا لبعض الالهة. لقد انبهر الرجل بعملية الخلق التي تمارسها المرأة. في جسدها الجميل هذا تستمر عملية الخلق فتصبح رمزا للجمال, للحب, للفن وايضا كانت هناك كاهنات يمارسن الطب وسيدات بلاط يكتبن الشعر. لكن مع ظهور المصالح الاقتصادية والاطماع والكر والفر بدأت تتحول المرأة الى تابع, شيء يقتنيه الرجل في حين ان كل الديانات وخاصة الاسلامية, القوانين الاسلامية وليست الوضعية, تعد المرأة كائنا بشريا له حقوق وعليه واجبات مع اختلاف الوظيفة البيولوجية. البعض ممن لم تنضج تجربتهن الابداعية من الاديبات تتعكز على انوثتها, وقد تبرز المرأة دون الحاجة الى احد عندما تحرر عقلها وتتجاوز الحدود المصطنعة وتضع يدها بيد المرأة الواعية المثقفة وتضع يدها بيد الرجل الكريم الشريف المثقف صدقيني سنستطيع ان نحقق قفزة ونحرق مسافات مثل تجربة اليابان, ولكن طالما نحن كل شخص منكفئ على ذاته ويعتبر الاخر خصم ومنافس ومتامر, وبنظرية المؤامرة هذه كلنا سنتعب. عندنا لا توجد صناعة النجم الموجودة في كل العالم , هناك عندما تنبغ الشخصية وتلمع يدعموها ويوظفوها بشكل يفيد ويخدم, يسعى للإيجابية ويرفع اسم البلد عاليا, أما نحن وكأن كل واحد منا بيده معول لتهشيم الاخر وهو في الحقيقة يسيئ الى نفسه. يقول خضير ميري عن ظاهرة في مصر “ان الموهبة حتى لو كانت بسيطة يحتضنوها ويلمعوها” لان عندهم عمق حضاري واصالة ووعي وشعب مثقف, في حين صار عندنا قطع حضاري. في الوسط الادبي سمعت كلاما جميلا من الزملاء هم يريدون المرأة تتحرك وتتقدم ويتساءلون ما هذا الخنوع والخضوع الغريب ويفرحون اذا قدمنا شيء ايجابي ووقفنا على اقدامنا وعملنا بشجاعة وثقة, المرأة لا يعوزها الا ثقتها في نفسها. لماذا تخاف لماذا تتردد الشيء الصحيح لا بد ان يظهر مثل النبتة العنيدة. أخيرا انقل لكم وجهة نظر الكاتبة الانكليزية دوريس ليسنغ “على المرأة ان تكف عن الاحتماء تحت جناحي الرجل, وتستخدم اجنحتها للتحليق. المرأة ليست ضحية للرجل بل كلاهما رفيقان في مواجهة غبن المجتمع وقوانينه.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى