مقالات

الاقتصاد العراقي : عندما تتبخر المليارات بين ليلة وضُحاها

#الشبكة_مباشر_بروكسل_د.علي خضر

تنويه: في هذه المقالة، تم جمع المعلومات من إحصائيات مؤسسات الأمم المتحدة وهي عديدة ومن بيانات وزارة الاقتصاد والمالية والإنعاش الفرنسية ومن مؤسسة ستاتيستا العالمية. وقد تم مقارنة الأرقام المختلفة مع المعلومات التي أعلنتها الدول الشريكة للعراق. أما أرقام الإنفاق الداخلي فقسما منها تقديرية وقد تم الإشارة إليها. ومن الضروري الانتباه بأن الأرقام والإحصائيات التالية لا تتطرق إلى الناتج الإجمالي المحلي للعراق وهو حسب إحصائيات الأمم المتحدة 234.094.042,93 دولار الذي يمثل القيمة السوقية لكل السلع والخدمات المعترف بها لسنة 2019. الأرقام والإحصائيات أدناه تتطرق فقط إلى العوائد من الصادرات والإنفاق على الاستيرادات. ونستخدم إحصائيات 2019 وليس 2020 لأن إحصائيات وأرقام الأخيرة لم تعلن والجميع يعرف كيف قدمت الحكومة ميزانيتها بوقت متأخر جدا والتي لا علاقة لها بأية أرقام صحيحة. ومن الضروري الإشارة إلى أن إحصائيات التجارة بين العراق وإيران غير معروفة ومنذ عدة سنوات لأسباب سياسية ولا توجد أي معلومات رسمية عنها. مع العلم أن إيران هي شريك تجاري رئيسي للعراق.
في عام 2019 ، بلغت صادرات العراق 91.0 مليار دولار. 96.5٪ من هذه الصادرات هي من النفط الخام. وهذا اقل من صادراته لسنة 2018 والتي بلغت 97،5 مليار دولار. وسبب الانخفاض في 2019 يعود إلى انخفاض سعر برميل النفط الذي كان 65،6 دولار في سنة 2018 وأصبح 61،5 دولار في سنة 2019. عملاء العراق الرئيسيون هم الصين والهند وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وإيطاليا. وتمثل هذه البلدان الخمسة وحدها 75٪ من صادرات العراق من الوقود المعدني في عام 2019. وتحتل فرنسا المرتبة 11 في الواردات من حيث واردات الوقود المعدني بقيمة 1 مليار دولار أمريكي. وقد اشترت الصين من العراق ما قيمته 24 مليار دولار والهند ما قيمته 22 مليار دولار.
ومن الجدير بالذكر فأن العراق كان ثالث مصدر عالمي للنفط الخام في عام 2019 حيث تم تصدير 200.8 مليون طن، خلف المملكة العربية السعودية (358.4) وروسيا (286.1) وقبل كندا (197.0) والإمارات العربية المتحدة (139.4).
أما استيرادات العراق (باستثناء إيران حيث لا توجد أية معلومات منشورة رسميا عن ذلك) فقد بلغت في سنة 2019 ما قيمته 49.8 مليار دولار وهذا مبلغ كبير مقارنة بعوائد صادراته. المبلغ يمثل 55% من إجمالية العوائد. والسبب في ذلك هو القاعدة الإنتاجية للاقتصاد العراقي فأنها ضعيفة جدا مما تدفع العراق إلى أن يستورد جميع احتياجاته تقريبًا. وبالرغم من زيادة حجم صادرات النفط الخام من 3.498 مليون برميل في اليوم في عام 2018 إلى 3.538 مليون برميل في اليوم في عام 2019 لم تستطع هذه الزيادة أن تعوض عن انخفاض العوائد. المصدرون الرئيسيون للعراق في عام 2019 هم الإمارات العربية المتحدة والصين وتركيا. فقد صدرت الإمارات العربية ما قيمته 27.6 مليار والصين ما قيمته 19 مليار وتركيا ما قيمته 18 مليار وتحتل فرنسا المرتبة 17 بين المصدرين للعراق بحصة سوقية تبلغ 1% فقط.
المقارنة بين الصادرات والاستيرادات تعطي فائضا تجاريًا قدره 41.2 مليار دولار أمريكي في عام 2019، وهو أقل بنسبة طفيفة مقارنة بعام 2018، حيث وصل الفائض إلى 43.8 مليار دولار أمريكي. إن انخفاض العوائد في 2019 بحوالي 6.5 مليار دولار مقارنة بعام 2018، كان أحد أسباب العجز النسبي في الميزانية الوطنية الذي ظهر واضحا في ميزانية 2020 على أثر الانخفاض الكبير لسعر النفط.
السؤال الذي يطرح نفسه هو أين ذهب الفائض التجاري لسنة 2019 وهو 41.2 مليار دولار؟
أرقام البنك المركزي العراقي ووزارة المالية ليست دقيقة، وتختلف عن إحصائيات مؤسسات الأمم المتحدة التي تعتمد ليس فقط على معلومات تم الحصول عليها من العراق بل أيضا على معلومات الدول الشريكة له، فهي تُقدر بأن تسعة مليارات من الدولارات تم استقطاعها من الفائض لدفع الرواتب والإنفاق العادي ولإقليم كردستان. هذا مع العلم بأن الرواتب والاستحقاقات المختلفة تزيد على الأربعين مليار دولار وقد تم دفعها ليس فقط من الفائض أو عوائد الصادرات بل أيضا من الضرائب المختلفة والقروض الحكومية من البنوك والأموال المُدورة في الداخل (مثلا عوائد شركات الكهرباء والماء الوطنية) وهذه المبالغ لا تدخل في حسابات الفائض الذي ذكرناه من عوائد الصادرات. وقد تم استقطاع خمسة مليارات دولار من الفائض لتسديد ديون الدولة العراقية. وزير المالية العراقي، علي علاوي، أعلن في شهر سبتمبر 2020 بأن ديون العراق تعادل 133.3 مليار دولار وذلك حسب تصريف الدينار في ذلك الوقت والذي كان 1183 دينار لكل دولار. بحسب إحصائيات مؤسسات الأمم المتحدة، فان استثمارات العراق لسنة 2019 كانت 3.2 مليار دولار. وهذا يعني أن إجمالي الإنفاق الحكومي من الفائض هو 17.2 مليار دولار. عندما نستقطع 17,2 مليار (وهو إجمالي الإنفاق والاستثمار) من 41.2 مليار يبقى لدى السلطة 24 مليار دولار. هذا المبلغ الهائل لا نجده ولا نجد أي لأثر له لا في الحسابات ولا في الناتج الإجمالي لسنة 2019 ولا في ميزانية 2020، هذا الذي كان السبب الرئيسي في العجز الكبير في دفع الرواتب والمُستحقات في سنة 2020. السؤال الذي يعيد طرح نفسه هو أين ذهبت الـ 24 مليار دولار؟
الجواب الوحيد على هذا السؤال هو أن قسما من المبلغ ذهب إلى جيوب الفاسدين والقسم الآخر ذهب إلى إيران حيث يرفض المسؤولون العراقيون الكشف عنه. وبكلمة مختصرة فقد تبخرت الـ 24 مليار دولار تحت أنظار الحكومة العراقية وبدون أن تقدم أي تبرير لذلك.
المصادر:
– بيانات مؤسسات الأمم المتحدة وهي عديدة، أذكر منها UN comtrade, La Banque Mondiale وغيرها
– وزارة الاقتصاد والمالية والإنعاش الفرنسية Ministère de l’économie, des finances et de la relance
– مؤسسة ستاتيستا Statista
– BP Statistical Review of World Energy 2020 | 69th edition

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى