مقالات

الصراع الصيني – الأمريكي على العراق

#الشبكة_مباشر_باريس_د.علي خضر

لا يوجد أي شك بأن الصراع بين أكبر رأسماليتين في العالم، رأسمالية الحزب الواحد الصينية الاستبدادية والرأسمالية الأمريكية الاحتكارية يجد انعكاسات كبيرة له في العراق. فبعد أن نجحت الولايات المتحدة في شهر آذار/ مارس الماضي بإجبار الحكومة العراقية على إلغاء العقد بين شركة ZhenHua Oli الصينية وهي شركة تابعة لمؤسسة الدفاع الصينية Norinco و وزارة النفط العراقية والذي بموجبه يقوم العراق بتسليم 4 ملايين برميل شهريا ولمدة خمس سنوات للشركة الصينية، ظهرت الولايات المتحدة عاجزة عن منع صفقة الغاز الجديدة والتي وقعتها شركة سينوبك الصينية (China Petroleum & Chemical Corp ) في الشهر الماضي (نيسان/ أبريل) مع وزارة النفط العراقية. وتتضمن هذه الصفقة الجديدة اتفاقا مدته 25 عاما يمنح الشركة الصينية حصة 49٪ من إنتاج الغاز الطبيعي لحقول ناحية المنصورية مقابل بناء البنى التحتية وتطوير حقول الغاز في هذه الناحية. وتعتبر الصين هذه الاتفاقية هي جزء من مشروعها العالمي الكبير، مشروع طريق الحرير والذي يسمى مشروع الحزام والطريق والذي يهدف إلى الهيمنة على مصادر الطاقة والتي تشكل عنصرا مهما في إعادة تقسيم العالم وبما يخدم مصالحها.
ويأتي الإعلان الرسمي عن هذه الصفقة بأسابيع قليلة للصفقة التجارية والأمنية المتعددة الأوجه التي وقعتها الصين ولمدة 25 عامًا مع إيران التي تمتلك نفوذا سياسيا واقتصاديا كبيرا في العراق وسوريا ولبنان. وتجد صفقة الغاز الصينية العراقية لها انعكاسا كبيرا في روسيا. فالدولتان (الصين وروسيا) تعملان بطريقة منسقة وبتعاون كبير في المجالات الإستراتيجية الرئيسية لتوسيع محوريهما ونفوذهما في الشرق الأوسط. تكتيكهما لا يتوقف فقط على الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بل أيضا على التدخل عسكريا إذا تطلبت الحاجة كما يحدث في سوريا. فتتولى الصين زمام المبادرات الاقتصادية والتجارية وتقوم روسيا بأخذ المبادرات العسكرية. ويبدوا بأن هذه الصفقة جاءت نتيجة لضغوط سياسية من قبل القوى التابعة لإيران في العراق. وتصب هذه الصفقة أيضا في مصلحة إيران لكونها حليفة للصين ولروسيا. ومن الجدير بالإشارة فأن شركة توتال الفرنسية كانت قد وقعت ومنذ عدة سنوات اتفاقا مبدئيا مع الحكومة العراقية متعلقا بحقول الغاز إلا أن هذا الاتفاق لم يحرز أي تقدم بسبب الضغوط التي مارستها نفس القوى التابعة لإيران في العراق والتي كانت تعارض الاتفاق وتعارض إعطاءه لشركة فرنسية.
وتعتبر الولايات المتحدة أن تنفيذ مشاريع من هذا النوع يجب أن يكون من قبل شركات أمريكية أو من قبل شركات أوربية حليفة مثل شركة توتال الفرنسية. لكن السياسة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة الماضية انحصرت على تقليص دور إيران السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق. وهدفها كان هو تقليل اعتماد العراق على الغاز الإيراني الضروري لتشغيل شبكة الكهرباء في العراق.
ولناحية المنصورية أهمية خاصة بالنسبة لروسيا. إذ يقع حقل غاز المنصورية بالقرب من الحدود الإيرانية وإلى الشمال مباشرة من بغداد، في الطريق الذي يربط بين إيران وسوريا التي تسيطر عليها روسيا. إنه طريق إستراتيجي للحلفاء الثلاثة الصين وإيران وروسيا في تقوية نفوذهم الاقتصادي والعسكري في العراق، إنه الطريق الذي يقود وبمسافة قصيرة إلى الموانئ الإستراتيجية الرئيسية من بانياس إلى طرطوس حيث تتواجد القواعد العسكرية البحرية الروسية. ومن المتوقع أن تكون عدد من الشركات الروسية حاضرة في المشروع في أعمال تطوير حقول المنصورية، بالتعاون مع شركة سينوبك الصينية، خاصة في الجانب الفني والتجهيزات. هذا مع العلم بأن شركة Stroytransgaz الروسية كانت قد وقعت في أيلول / سبتمبر 2019 على عقد مبدئي مع وزارة النفط العراقية لتطوير حقل البلوك 17 الغير معروف سابقا الذي يقع في نفس الطريق لكن في الأراضي القاحلة في منطقة كان يسميها الجيش الأمريكي بالعمود الفقري لكونها منطقة كان يتحرك فيها تنظيم داعش.
ومن الجدير بالذكر فأن حقل المنصورية مع حقل عكاس وحقل السيبة في جنوب العراق بالقرب من الحدود الإيرانية، وكلها حقول غير مُستغلة، تشكل ثروة كبيرة جدا. يضاف إلى ذلك الغاز المتواجد بشكل مشترك مع حقول النفط. وتُشير التقديرات الرسمية إلى أن احتياطيات العراق المؤكدة من الغاز الطبيعي تصل إلى 1.5٪ من الاحتياط الإجمالي العالمي، مما يضع العراق في المرتبة الـ 13 بين أصحاب الاحتياطيات العالمية. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن العراق يستطيع أن يصدر حوالي 8.0 تريليون متر مكعب من الغاز في حالة استغلال الحقول بشكل صحيح.
إن الصين هي آخر دولة تريد أن تراها الولايات المتحدة في العراق. فالصين ليست فقط على وشك أن تتجاوز الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بل أنها حاليا أكبر اقتصاد في العالم من حيث تكافؤ القوى. ومشروعها، مشروع الحزام والطريق ويسمى أيضا بمشروع طريق الحرير يُراد منه نقل الصين من وضع الخصم التجاري والاقتصادي إلى بديل جيو- سياسي للولايات المتحدة هذا الذي سيؤدي حتما إلى تغيير جذري في طبيعة المواجهة بين النظامين الرأسماليين. إن الصراع الأمريكي الصيني من أجل الهيمنة أو على الأقل من أجل زيادة النفوذ في العراق هو أحد مفاتيح الهيمنة على الشرق الأوسط. وهنا يُفهم وبوضوح دور إيران، وميليشياتها، كحليفة رئيسية للمشاريع الصينية الروسية في العراق.
المصادر:
– موقع OIL PRICE العالمي، المصدر الأول لأخبار النفط والطاقة
– وزارة الاقتصاد والمالية والإنعاش الفرنسية Ministère de l’économie, des finances et de la relance
– المنظمة العالمية للتجارة Organisation Mondiale du Commerce (OMC)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى