مقالات

التعليم العالي في العراق بين الواقع السيء والمستقبل المجهول والدور المنشود

#الشبكة_مباشر_لندن_د.أياد السامرائي

لا يوجد خلاف بين المختصين وعموم الناس، على ان التعليم العالي في العراق، قد تراجع كثيراً، وهو تراجع بدأ ـ في تقديري ـ منذ فرض الحصار على العراق، ولكنه تسارع بعد عام ٢٠٠٣وصولاً إلى الواقع الراهن.
ويعود ذلك التراجع الى جملة نقاط بينها مستشار الوزارة الدكتور صلاح النعيمي في ندوة افتراضية عقدت حديثاً ويمكن اجمالها بالآتي:
1. المنظومة السياسية التي ازداد تدخلها في منظومة التعليم العالي.
2. العدد الكبير لخريجي الاعدادية سنوياً وبدرجات عالية مما يشير الى تساهل وزارة التربية في مستوى الامتحانات الوزارية، وغالب الخريجين يريدون اكمال الدراسة الجامعية .
3. تجاوز عدد المقبولين في الجامعات لطاقاتها الاستيعابية وبما يعادل الضعف.
4. القانون رقم ٢٠ لعام ٢٠٢٠، والذي اتى مناقضاً لكل الاعتبارات الاكاديمية الرصينة.
5. الدرجات التي تضاف على المعدل لشرائح من الطلاب لاعتبارات خاصة لا علاقة لها بالمستوى العلمي للطلبة.
6. كثرة الجامعات الاهلية دون توفر المستويات الاكاديمية المناسبة.
7. قانون التقاعد الموحد الذي احال الاساتذة القدامى من حملة الشهادات العلمية الرصينة من الجامعات العالمية البارزة الى التقاعد.
كل هذه العيوب لم تقابلها مقترحات كافية، لأنها تصطدم بواقع انها من افرازات المنظومة السياسية التي تريد ان تسخر التعليم العالي لخدمة مصالحها الخاصة.
ومن اجل الوصول الى نتائج حاسمة، وعلى الرغم من صعوبة اقناع المنظومة السياسية برفع يد التدخل عن التعليم العالي، اود أن ادلوا برأي في هذه المشكلة مبتدأ بتحديد ما هي اهداف التعليم العالي في العراق، وبالشكل الاتي:
اولاً: تغذية الدولة سواء في القطاع العام او الخاص بحاجته من التخصصات الاكاديمية، وهذا يقتضي ان تكون هناك دراسة تحدد ما هي الحاجات وما هي التخصصات المطلوبة، وبالتالي يجري التخطيط على الاقل ضمن اطار الجامعات الحكومية لتلبية هذه الحاجة.
ثانيا: تغذية الجامعات العراقية بأصحاب الشهادات العليا، على ان تكون هناك سياسة لإيفاد المتفوقين الى جامعات عالمية لتحصيل الشهادات ما بعد الدكتوراه اذا كان الخريج من جامعة عراقية.
ثالثاً: يمارس التعليم العالي دوره في تعميق الثقافة العامة في كافة مجالاتها وتوسعتها، ومن هنا تأتي اهمية التوسع في الدراسات الانسانية ودراسات اخرى لا بهدف الحصول على الوظائف ولكن بهدف نشر الثقافة في المجتمع.
بموازاة ذلك، ستكون هناك حاجة لمعاهد متخصصة للتخصصات العلمية العالية تقوم بتوفير هذه الخبرة والمعرفة وعبر دراسات متخصصة تنقل فيها آخر تطورات التكنولوجيا في العالم ويخضع الدخول اليها لترشيح المؤسسات والى اختبارات تجرى للمتقدمين.
الواقع الحالي يقول عندنا فائض من حملة الشهادات الاكاديمية لكنهم متوسطو الكفاءة مقارنة بأقرانهم في دول اخرى، وهذا قد لا نستطيع تجاوزه ولكن يجب ان يوازيه وجود نخب عالية الكفاءة من المؤهلين لذلك والمستعدين لبذل الجهد والتعب للوصول إلى هذه المستوى .
من جانب اخر، ولكي لا تبقى الافكار حبيسة الأمنيات لعدم وجود من يتبناها، لا بد ان يبادر الاساتذة الحريصون على مستويات التعليم العالي والارتقاء بها الى اخذ دورهم واجتماعهم من خلال النقابات والمنظمات المختصة لتمارس دوراً ضاغطاً من خلالها وتسمع صوتها، فلا يكفي بقاء الاصوات منفردة الاداء عبر المقالات او المشاركة في الندوات، وسنحتاج الى صوت جمعي ينطق بقوة ويترك تأثيره في المجتمع وعلى الطبقة السياسية، فنحن نجد كيف ان النقابات الفاعلة تعطي قوة يصعب تجاوزها بحكم القانون.
ويبقى هناك امر اخر يخفف التأثير السياسي على التعليم العالي، وهو تشكيل مجلس اعلى للجامعات تناط به غالب صلاحيات وزارة التعليم العالي، والتي ربما يتم الغاؤها لاحقاً.
ويتكون المجلس من خمسة عشر عضواً من رؤساء افضل خمسة عشر جامعة في مستواها التقييمي من بين الجامعات العراقية، ويتم اختيارهم كل خمسة سنوات بناءً على معايير تقييمية دولية للجامعات، ويتمتع المجلس باستقلالية كاستقلالية مجلس القضاء الاعلى، ويتولى هذا المجلس ضمن مهامه رسم سياسة التعليم العالي وتنفيذها وربما استناداً الى الخطط التنموية التي تعتمدها الدولة واعتماد مبدأ انتخاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات من بين من تتوفر فيه المعايير المطلوبة.
واخيراً، نحن لا نستطيع ان نعول على ان المنظومة السياسية القائمة سوف تصلح نفسها ومن ثم تصلح التعليم العالي فذلك حلم لا يبدو انه سيتحقق قريباً، فلا بد من تجاوز ذلك من خلال جهد يبذله الاكاديميون انفسهم، فهم أبناء هذه المؤسسات والحريصون على مستقبلها.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى