صحة ونصائحمقالات

معركة مرض كورونا ولقاحاته … بين العلم والمؤامرة الدولية

#الشبكة_مباشر_لندن _ د. عبدالسلام العاني عضو جمعية أمراض الدم البريطانية

في نهاية العام 2019 وتحديداً في 31 كانون اول (Dec. 31, 2019) تفاجأ العالم بأسره بزيارة ضيف ثقيل بل -ان صحّ التعبير- عدو شرس لا تراه العين المجردة ولا المجاهر (microscope) المعتادة متسبباً بإصابة الأنسان بمرض غريب انطلق من مدينة ووهان الصينية (Wuhan/China).

هذا المرض يتسبب بمن ينزل به بنوع غير معهود من الالتهاب الرئوي الحاد موديا بحياة الكثيرين منذ بداية انطلاقته فيها، مما أدى الى إجراءات صارمة من حكومة جمهورية الصين الشعبية والتي تتضمن تقييد الحركة وإعلان حالة من الطوارئ. تحولت هذه المدينة التأريخية والتجارية الى مدينة اشباح خاوية من سكانها والتي يقطنها ما يزيد على 11 مليون شخص. لم يطل الوقت حتى تم تشخيص المسبب بهذا المرض بانه فايروس جديد لم يسبق تشخيصه من قبل، ذلك وهو فايروس الكورونا المستجد (SARS-CoV-2)وتم تشخيص المرض وتسميته بمرض الكورونا المستجد (2019 novel coronavirus) ثم أصبح اسمه العلمي مرض كورونا (COVID-19). إِنتشر خلال فترة قصيرة في كثير من دول العالم مما دفع بمنظمة الصحة العالمية (WHO) الى اعلان الجائحة (pandemic) بعد ذلك بوقت قصير في 11 آذار (March 11, 2020).

هذا الفايروس المستجد من عائلة فايروس كورونا المعروفة والمتسببة بجائحة الانفلونزا الإسبانية الشهيرة (Spanish Influenza Pandemic) في بدية القرن العشرين (1918-1919) والتي أودت بحياة ما يزيد عن 50 مليون شخص والتي يعتقد ان إصابة شبيهة لها كانت سبب جائحتين حصلت في القرن التاسع عشر (عامي 1847 و1889).

الموجة الأخرى للإصابة بهذه العائلة من الفايروس كانت في العام 2003 بانتشار وباء سارس (SARS)، وبعدها انفلونزا الطيور Avian Influenza A, H5N1)) في الأعوام 2004 و 2005، ثم متلازمة كورونا الشرق الأوسط (MERS-CoV) في العام 2007 واخرها وليس اخيرها قبل مرض كورونا وهو مرض الإيبولا (Ebola) في افريقيا في الأعوام بين 2014 و 2016.وهذا يوضح لنا ان هذه العائلة لها تاريخ طويل في شدة وشراسة هجومها وما تسببه من اضرار وتهديد لحياة البشر.

تم استنفار العالم بأسره من أجل اتخاذ الإجراءات المطلوبة لمحاربة هذا الوباء الفتّاك الذي لم تواجه البشرية مثله في العصر الحديث. إِتحدّ العالم بكل إمكانياته -والتي لم تحدث من قبل في تأريخ البشرية المعاصر- العلمية والاقتصادية وحتى السياسية منها لإيجاد سبيل لإيقاف انتشاره او التخلص منه. ففي المجال العلمي حدثت ثورة غير مسبوقة في عالم البحوث والدراسات العلمية المنشورة حيث وصل عدد البحوث المنشورة في هذا المجال الى ما يقرب من نصف مليون بحث. اما في موضوع الصراع الاقتصادي والسياسي فهذا ليس ضمن مجال مقالنا هذا. ومع كل هذه الإجراءات فقد وصل عدد المصابين -لغاية كتابة هذا المقال- الى ما يقرب من 200 مليون إصابة وما يزيد عن 4 ملايين وفاة.

من هنا نستطيع ان نتصور حجم الكارثة التي حلت على البشرية في لحظات. ففي المجال العلمي والطبي انقسم العاملين في هذا المجال الى عدة اقسام; فمنهم من انشغل في انقاذ حياة المرضى الذين لم يعرفوا لمرضهم من علاج شافي، وقسم آخر سارع في اجراء البحوث التجريبية أو السريرية من أجل إيجاد علاج ناجع لهذا المرض الى هذه اللحظة ولا زال المئات منها تحت التجارب.

في الجانب الآخر واصل البعض للعمل من اجل إيجاد لقاح يستطيع إيقاف الإصابة بالمرض او تقليل شدته.

في القسم الأول استطاع الجيش الأبيض من أطباء وكوادر صحية وفنية ومساندة تقديم اقصى الجهود ودفع الكثير منهم حياته ثمناً لذلك (رحمهم الله)، فضلاً عن مشاكلهم الاجتماعية بسبب الضغط الحاصل عليهم وعلى عوائلهم. واما الذين تفرغوا للقسمين الآخرين فلم يقل جهدهم عما قدمه القسم الأول.

كانت محصلة هذه الجهود ان الخيار الوحيد المتاح -حالياً- لتجنب الإصابات الجديدة والحد من انتشار المرض هو بالذهاب للقاح (التطعيم). لحد هذه اللحظة فقد حصلت الموافقات الرسمية الطارئة (بسبب ضيق الوقت وسرعة انتشار المرض وتهديده للحياة في شتى انحاء المعمورة) لاستعمال 8 أنواع منها و 11 أخرى باستعمال محدود في حين لا زال بحدود 98 نوعاً منها تحت المراحل التجريبية المختلفة. بلغ عدد جرعات اللقاح المستعملة -لحد الآن- من كل الأنواع بحدود 3.73 مليار جرعة ووصل عدد الملقحين كجرعة أولى بحدود المليارين (26.6% من سكان العالم) والملقحين بجرعتين بحدود المليار شخص (13.2% من سكان العالم).

ان ما يقلق العالم الآن هو قلة استعمال اللقاح في الدول ذات الدخل المنخفض والذي لم تتجاوز نسبة التلقيح فيها الـ 1.1%.

نشطت حملات كثيرة في التشكيك باللقاحات وجدواها او الأضرار المترتبة عليها، وتصدر المشهد بعض الأطباء ومتخصصون في العلوم الأخرى، وراء ذلك أسباب تتفاوت بين قلة في العلم الرصين او مناهضة للقاحات بشكل عام. ولا يخفى على الكثير منكم ان هناك تجمعات عالمية تسمى حركة مناهضة اللقاح (Anti-Vaccine Movement)، فهي تقف بوجه كل أنواع اللقاحات وليست الخاص بكورونا حصراً. والمشكلة تفاقمت في موضوع هذا المرض وتبعاته بسبب توفر وسائل لم تكن متوفرة بهذا الشكل سابقاً أمثال وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات الانترنت وصعوبة الرقابة.

من هنا دخلت الأفكار التي تتبنى فكرة “المؤامرة” سواء في موضوع نشوء المرض اصلاً او تبنّي استعمال اللقاح.

الخلاصة:
ان هذا السرد لتسلسل الأحداث يساعدنا في استعمال النظرة الفاحصة المتجردة وبطريقة علمية منصفة يحط بنا الى الاستنتاج بان الموضوع برمته هو حدث لا يمكن ايعازه لموضوع المؤامرة العالمية حصراً، فليس من الأنصاف ان يكون النظر بهذه الطريقة المجتزئة، ونزيد الحياة إرباكاً فوق الذي هي فيه وازدياد الحمل الاقتصادي والضرر الكبير الذي لحق بالناس إضافة لازدياد اعداد الوفيات بسببه.

المصادر:
1- منظمة الصحة العالمية (WHO):https://covid19.who.int/table.
2- المركز الأمريكي للامراضالأنتقالية والوقائية (CDC): https://covid.cdc.gov/covid-data-tracker/#datatracker-home.
3-المركز الأوروبيللسيطرة على الامراض وانتقالها (ECDC): https://www.ecdc.europa.eu/en/covid-19/latest-evidence.
4- بياناتنا العالمية (Our World in Data): https://ourworldindata.org/coronavirus-data.

د. عبدالسلام العاني
استشاري امراض الدم / العراق
عضو جمعية أمراض الدم البريطانية (BSH)
الكلية الملكية لعلماء الأمراض (RCPath)
الجمعية الدولية لتجلط الدم والتخثر (ISTH)

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا لشبكتكم الموقرة لنشره مع تمنياتي بان يكون نافعاً للجميع. تحياتي

  2. جزاك الله خيرا د عبدالسلام لنشر هكذا موضوع. تثقيف الناس بالمعلومات الصحيحة كهذا المنشور هو السبيل الامثل لتغيير قناعات الناس تجاه فهم الامراض و طرق منعها باستعمال اللقاحات ان كان ممكنا.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى