مقالات

صدمة المستقبل مع الدكتور كاظم المقدادي

# الشبكة_مباشر-اسطنبول

من القرية (الكونية ) التي بشر بها خبير الاعلام الكندي ماكلوهان ، الى القرية ( الكورونية) التي اهتز لها العالم ، بعد انطلاقها من مدينة ووهان ..
ياله من تاريخ مذهل ، ومهمل ، ومتوثب ، ومتقلب .. وهو يسارع الخطى ، نحو مستقبل لا يتكهن به احد ، ولا يتنبأ به احد .

مرت علينا اقل من ستين سنة على القرية الكونية ، فاذا نحن امام حالة كورونية ، غيرت من مفاهيم الاتصال .. بعد ان حولت الصيدلاني الى بقال ، والطبيب الى بسطال .. ومازالت تسري مثل سحابة كثيفة ، حجبت عنا عوالم القيم والجمال واللون .. واعادتنا الى عالم يتصارع فيه الكون .

قرية ماكلوهان .. تطورت ، وغيرت العقول والاصول ، والعلاقات والقوانين والحقول ، وصرنا نعيش .. وكأن بيدنا مصباح علاء الدين .. ( شبيك لبيك ) نتصل بعزيز لنا ، في اقصى العالم ، ونخبره بفضائل التشريب .. ثم نتطاول وبصوت عال ، على اعظم رئيس ، ونحن نحتسي شراب الزبيب .
بلا جدل ، ولا جدال .. لقد عشنا بعشق وغرام ، مع عصر التفاعل والانسجام .. وقريبا سننتقل الى مرحلة التأمل الباطني والوئام .. وسنغادر تطبيق الرقميات ، والمسح ، والبصمة ، والصور والحسيات .. وستتغير لعبة التخفي ، والاستعارة والتشفي .. ويكفي ان تبحلق في شاشتك الالكترونية ، ومجرد ان تفكر بالطبيخ .. ياتيك حمودي بالطبيخ والزولية .. وسوف لن تتوقف امام تدفق الاخبار وتتألم ، ولا امام عواجل الرصاص التي لا ترحم .. لانك ستدور حول الارض ، الاف المرات في اليوم الواحد .. وستمكث مخبولا بعجائب الكون الواعد.

حتى هذا الزحام الذي يؤذيك ، ويسلب طاقتك وتفكيرك .. ستتخلص منه ، لانك ستتنقل وسط سيارات طائرة ، تملأ الاجواء ، وتجعلك في العلياء .
الحق يقال .. ان عصر القرية الكونية.. خلق لنا تواصل ومنجزات .. وافراحا ومعجزات .. وجمعنا في قرية المسرات .. الكل يفرح مع الكل .. والكل يحزن للكل .. ومواعين العنبر تنتقل بين البيوت ، والتكافل الاجتماعي موجود ، والخير ، ممتد وممدود ، والتواصل الاجتماعي ليس له حدود .

الى ان حلت الجائحة .. ومادراك ما الجائحة ، تهاجم من تشاء ، وتميت من تشاء .. غيرت التواصل الى تباعد ، وامسينا رهن البيوت والقبور ، ورعب الوباء الذي لا يعرف المستور . ثم صدرت قرارات اساطنة القرية الكورونية :
امكثوا في بيوتكم ايها الرعية .. فاجتاحت الارض ريبة و بلاء ، وانهارت القيم بسخاء ، وفجأة .. صرنا نعيش زمن الكمامة والشجون .. فتكممنا ، وصمتنا ، وحالت بيننا جميع اللغات ، الا لغة العيون .

مليارات الكمامات .. نزلت مرة واحدة الى العنابر والصيدليات ، وبدات تجارة جديدة غطت على تجارة البهار والمخدرات ، لم يعهدها طريق الحرير في سابق الاوقات ..بعدها بدات حروب اللقاحات ، وما ادراك ما اللقاحات .. صار ت سياسة بدلا من ان تكون علما ، وتجارة بدلا من ان تكون درسا .. فاذا بنا امام نشرة اخبار بلغة كورونية ، وبضاعة كورنية ، و قبور كورونية .. ولم يبق لنا سوى ان نكتب وصية كورونية .

وسنعود يوما الى ذكرياتنا .. والى قرانا ومدننا القديمة ، بحثا عن الاصدقاء والاحباب ، وسنطرق كل الابواب ، ونبحث عن المقاهي والازقة .. فاذا بنا وسط ( مجموعات آلية ) تستنكر وجودنا ، وتحاول طردنا.. ونعود مجبرين الى قرانا الكونية ، خوفا من جائحة الذكاء البينية ..

#  د كاظم المقدادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى