لقد أراد حسين الإسلام وشهيده أبو عبد الله عليه السلام أن يحافظ على مسار الرسالة الإسلامية عندما كانت في بداية عهدها حين شعر عليه السلام إن هنالك خطر يحدق بها ويهدد وحدة معتنقيها من المسلمين وهي لا تزال في ريعان شبابها , فنهض بثورته العملاقة الجبارة رغم قلة ما لديه من أنصار ومقاتلين في مواجهة الآلاف من جنود وقادة الطرف الآخر الذي كان يسعى إلى مغريات السلطة وكراسيها حيث يسيل لها اللعاب.
إذاً كان أهم أسباب تلك الثورة الشهيدة بشهدائها الأبرار وعلى رأسهم أبا الشهداء الحسين عليه السلام هو لإصلاح حال امة جده محمد صلى الله عليه وسلم والحفاظ على الدين الإسلامي وسلامة مساره ووحدة أبنائه الذين لم يكونوا يعرفون أية تشظية أو تفرقة أو تشتيت في ذلك الوقت لا مذهبيا ولا طائفيا ولا عرقيا فكلهم مسلمون متوحدون ساعون إلى نصرة الله ورسوله ورفع راية الإسلام العظيمة خفاقة عالية على أوسع بقعة من ارض الله الواسعة لنشر التوحيد و العدل والإحسان والمحبة والسلام بين أبناء المعمورة, فهي إذاً ثورة عظيمة ذات أهداف كبيرة ونبيلة قدم خلالها سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة أبو عبد الله الحسين عليه السلام روحه الطاهرة الزكية النقية وأرواح أهله وأصحابه وأنصاره تلك الفئة القليلة بعددها الكبيرة بمكانتها ومواقفها وبطولاتها .
وبعد مرور ما يتجاوز أربعة عشر قرنا ضمت بين طياتها مئات السنين وعشرات العقود والقرون من عمر الزمن ومنذ ذلك التاريخ وتلك التضحية العظيمة باقية خالدة في ذاكرة المسلمين وبدلا من السير على مسار أهلها وأصحابها والحفاظ على ديننا ووحدته ونسعى لرفع رايته ونُعلي من شأنه كونه الدين عند الله , فبدلا من كل هذا وذاك صرنا نهرول ونتسابق لتنفيذ ما يريده أعداء هذا الدين الحنيف العظيم .
فمن الطبيعي والمنطقي أن تحاول أية جهة معادية السعي بكل الطرق والوسائل لإضعاف عدوها وتشيت مقومات قوته ووسائل الحماية التي يملكها وهكذا حاول أعداء الإسلام هدم هذا الصرح العظيم عن طريق زرع الفتن واجترار واسترجاع أحداث قديمة حقيقية أو مختلقة من ذاكرة التاريخ لتشتيت المسلمين وتمزيق وحدتهم من اجل إضعافهم والسيطرة عليهم ومن ثم إعلاء رايات أديان أخرى قد نسخها الإسلام منذ نزوله على صدر رسولنا الكريم محمد الصادق الأمين عليه وعلى اله وصحبه أفضل الصلاة والسلام وكعادتنا ولضعف حساباتنا وضيق تفكيرنا ومحدودية تقديرنا لما يريده هؤلاء الأعداء وقلة صبرنا وتحليلنا لفهم ما يسعون إليه , رحنا نصدق كل ما يبثونه وينشرونه بيننا من فتن واقتتال واحتراب بحيث صار لا يمر يوما من أيام المسلمين دون أن نسمع فيه عن مقتل المئات من المسلمين في بلاد الإسلام ولا يمضي يوما دون أن نرى هدم مدرسة أو مشفاً أو أية بناية خدمية أو إنتاجية فيها.
ترى هل راوَدنا ولو لمرة واحدة تساؤل بيننا وبين أنفسنا حول علاقة أجيالنا والاجيال التي سبقتها إلى زمن ليس بالقليل بكل ما حدث من أحداث في غائر التاريخ بغض النظر عن أن تكون صحيحة أو غير صحيحة فمن منا ومن تلك الأجيال كان قد حضر أو شارك في تلك الأحداث فان لم يكن لنا حضورا أو دورا فيها فلماذا نتقاتل بيننا حولها ويعاقب بعضنا البعض بسبب أحداثها التي لم نراها لا من قريب ولا بعيد ؟ هل إن اقتتالنا واحترابنا سيغير من نتائج تلك الأحداث ؟ …., فان لم نجد لا هذا ولا ذاك فيجب علينا أن نبحث عن الجهة المستفيدة من إثارة تلك الأحداث وماذا تريد من إثارتها , فمن غير المعقول والمنطقي أن نتقاتل على أحداث لم نحضرها ولم نشارك في إِحداثها وأَحداثها فالمرء يحاسب على فعل ارتكبه أو شارك فيه أو حرض عليه لا أن يعاقب على فعل ارتكبه غيره في زمن لم يعشه هو و لا آبائه ولا أجداده ولا أجداد أجداده فعلينا أن نتذكر قول الله جلت قدرته في كتابه الكريم ( تلك امة قد خلت لها ماكسبت وعليها ما اكتسبت) وكذلك قوله تعالى ( و لا تزروا وازرة وزر أخرى ) كي نحاول اللحاق بتلك الأمم التي وصلت إلى أبعد نقاط الفضاء وكواكبه ونجومه لاسعاد ابنائها وهي تحاول اشغالنا بالماضي وأحداثه التي لايمكن تغييرها مهما حاولنا الانشغال بها عن حاضرنا ومستقبلنا.