الروابط الأسرية “مفهوم الحرية و أثرها في ديمومة الحب بين الزوجين”
#الشبكة_مباشر_إستكهولم_بقلم : د. سناء الخزرجي

من الجدير بالبحث والنقاش أن دافعية الإنجاز تتمحور حول فهم الفرد لحريته التي يمتلكها، كما أن قدراته تتجلى بوضوح أكبر عندما يترجم هذا الفهم لسلوك مُبدع. أن يفقد الإنسان حريته، معناه تعرضّه إلى العديد من الاضطرابات النفسية كحالات القلق والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات التي قد تؤدي في أسوء نتائجها إلى الإنتحار. ولكن من جهة أخرى يجب ان تكون للحرية حدود لا يتجاوزها الفرد، فحريته تنتهي عند بدء حرية الآخرين وبما لا يسبب الضرر للمجتمع.
وقد منح الله تعالى الانسان حرية الاختيار، إذ قال تعالى في سورة الكهف الآية 29 “وقلِ الحقُ من ربِكُم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفُر انا اعتدنا للظلمين نارا أحاط بهم سرادقها وأن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا”. اما الأسرة فقد تكون مقيدة وإن كانت تعيش في مجتمع متحرر -كما في بلاد المهجر- وهنا تكمن المشكلة، إذ تضع هذه القيود حواجز كبيرة بين الزوجين وأبنائهم.
هل تختلف حرية المرأة عن حرية الرجل؟
يؤكد المتخصصون وكذلك منظمات حقوق الإنسان على أهمية المساواة في الحقوق بين إنسان وآخر بصرف النظر عن نوعه. ولكن لو تأملنا الوجه الآخر أو الخاص لحقوق المراة بما ينسجم ويتناغم مع إختلافها البايولوجي والعاطفي عن الرجل لأدركنا أن الواقع الإجتماعي يقرأ موقفا آخر أكثر تشنّجاً، لا سيما وأن هناك من يختلط عليه الاختلاف بين الأنثى والذكر بالخلقة أو الاختلاف كثقافة إجتماعية مكتسبة. ومن هنا أرى ضرورة الاعتراف بأن الاختلاف البايولوجي هو للحكمة الوظيفية، على سبيل المثال أن الرحم لولادة الابناء، الحيض لصحة الرحم وتهيئته ليكون بيئة مناسبة للجنين ولانجاب الاطفال، الفيض العاطفي لاحتواء الأبناء وإدارة المجتمع بحس من الرحمة. اذن لابد من الإبتعاد عن ثقافة الإنتقاص من الهيئة التي خلق الله المراة عليها، وما يتبع ذلك من شعور المرأة بالتدني أي بأنها الادنى مرتبة في المجتمع.
الحب!
الحب كما يفسّره علم النفس بأنه عاطفة قوية ومتشابكة من المشاعر الإنسانية كالإنتماء والحماية والدفء واحترام الآخر وتقديره. كما أن إشباع الحاجة إلى الحب يرتبط بشكل مباشر وقوي باستقرار الصحة النفسية، العقلية والجسدية للإنسان، إذ يساعد هذا الإشباع على خفض الشعور بالقلق والاحباط والاكتئاب. ويعد الشعور الناتج عن الحب طاقة إيجابية تؤدي إلى مشاعر الرضا والسعادة، ومن شأنهما زيادة المناعة في الجسم.
أما علم الإجتماع فيرى أن الحب سلوك اجتماعي لفرد ينتمي إلى جماعة يتفاعل معها، فيتأثر بها ويؤثر فيها. وهذا السلوك لا يعدو كونه ظاهرة اجتماعية يرتبط فيها الحب بالعلاقة الزوجية، ولها وظيفة اجتماعية مرتبطة بعوامل النسب والوراثة والبيئة والعائلة وصلة الأرحام واستمرار العلاقة بين الأجيال المتعاقبة.
نستنتج مما سبق أن الحب عبارة عن خبرة إنسانية متفردة، تعالج ألم الوحدة والخواء العاطفي. أما عن الحب بعد الزواج فهناك مغالطة يقع فيها البعض عندما يعتقد بأن الحب يخبو أو يضعف بعد الزواج، بينما العكس هو الصحيح لأنه يتحول إلى حالة عاطفية مستقرة وحب لا يفتر. هذا بالطبع يتوقف على مدى وعي ونضج الزوجين، والدليل على قولنا هذا ان السعادة والاستقرار في العلاقة الزوجية يعد الأساس في بناء العائلة كونها خلية المجتمع ان صحت صح المجتمع وان فسدت فسد. وهذا هو النظام الذي قامت عليه البشرية فقد خلق الله تعالى الكون كله في نظام قائم على الدقة والتوازن، فهل يعقل أن يترك العائلة وهي أساس الموارد البشرية ومنبع الخير في المجتمع بدون نظام أو يتركها متأرجحة في علاقة غير مستقرة؟!.
العلاقة الزوجية علاقة مشاركة وإلتزام عاطفي وأخلاقي، فمفهوم الحرية قبل الزواج يختلف عنه بعد الزواج وكذلك مفهوم الحب يتغير عندما يتحول الى مودّة ورحمة. فهي إذن علاقة تكاملية في العاطفة (الوظيفة النفسية) والدور الاجتماعي وليست صراع أو ساحة حرب. وكل ما سبق يعتمد على الصدق والوضوح والذكاء في الحوار كسلوك أو أسلوب للإتفاق المسبق خلال مرحلة الخطوبة الذي سوف تقوم عليها العلاقة وفق قناعات الشريكين.
ان الاتفاق على مبادئ العلاقة الزوجية -وليس التفاصيل اليومية المتفرعة عنها- سيكون بمثابة منهج يعود اليه الشريكين كلما اختلفوا في التفاصيل. والقصد ان الحياة تتغير والعلاقات تنضج شئنا أم أبينا، كما ان الأزمات لا شك ستضع هذه العلاقة في الميزان. فأما أن تصبح أكثر قوة أو ربما ستخبو وتضعف.
ويمكننا أن نعمل مقاربة معرفية ونفسية بين بدء العلاقة الزوجية كمرحلة أولية وبين مرحلة الطفولة المبكرة، وما يليها كمرحلة أو (كأزمة كما يسميها اريكسون في نظريته النفسية). لأنها أي العلاقة الزوجية كالطفل تحتاج الى رعاية وجهد، حذر، إحتواء وصبر لتتجاوز هذه “الأزمة” بنجاح ولتكتسب قوة تعاند بها أزمات الحياة ورتابة الوقت القادم.
الرجل والمرأة هما نتاج ما اكتسباه من قيم أخلاقية ومعايير اجتماعية من أسرهم، فضعف الإنسجام بين ما يفهمه الزوجين عن الحرية. و إدراكهم القاصر لهذا المفهوم وانعكاسه على سلوكياتهم التي تبنى عليها العلاقة الزوجية، يعود الى خلل وتشوه في الادراك نتيجة للخبرة المعرفية الخاطئة. كما تتاثر العلاقة بنوع السلوك الصادر عن أحد الشريكين أو كلاهما نتيجة لتاثره بالعوامل الوراثية والمكتسبة في السلوك وعدم معالجة السلوكيات الخاطئة كالشك والإنفعال السريع فضلا عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة.
فضلا عن التطبيق الخاطئ لكثير من المفاهيم الدينية كمفهوم القوامة، النشوز وتعدد الزوجات وما يتعبها من توهم مساحة الحرية المتاحة للزوج في ممارسة العلاقات خارج إطار العلاقة الزوجية. فقد يبرر الزوج إستخدامه العنف المعنوي والمادي بحجة التأديب، بينما يتصف بالازدواجية فيما يتعلق بوضع الحدود في المعاشرة الزوجية (الامساك بمعروف) أو
(التسريح باحسان) إن كانت هناك استحالة في استمرار العلاقة الزوجية.
ويحضرني هنا قول العلامة التنويري السيد كمال الحيدري اذ يؤكد قائلا :”اذا تعارضت القيم الإنسانية مع الدينية فالتفضيل والغلبة للانسانية” وهذا يعني بأن الدين لا يتعارض أبداً مع القيم الانسانية.
الهدف هنا التركيزعلى مشاعر الحب، فإن كانت في مرحلة الذبول علينا أن نجعلها تنتعش قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. وعلى الزوجين أن يهتموا بكل التفاصل التي تجعل من علاقتهما أكثر قرباً وانسجاماً. ومن هنا ينبغي توضيح المعنى الصحيح لمجموعة من المصطلحات التي اختلطت بمفهوم الحب وهي الود، السكينة والرحمة. قوله تعالى: “ومن اياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” سورة الروم، الآية 21. وأجدني متفقة مع ما ذهب إليه المتخصصون في التربية وعلم النفس الديني ومن هؤلاء الدكتور محمد راتب النابلسي في مقارنته بين الحب والود، فالحب شعور داخلي أما الود فسلوك خارجي. وأضيف بأن مفهوم الحب مصطلح عام وشامل لكل أنواع الحب سواء للذوات او الموضوعات، ومن هنا نستطيع ان نفرق بين الشريك الذي يدرك ويتعامل مع شريكه كموضوع وبين الذي يدركه كذات. فالرجل الذي يتعايش مع المرأة بوصفها ذات لا يستطيع أن يستبدلها بامرأة اخرى لأنه يحبها كإنسان متفرد وروح مختلفة، بمعنى ان إدراكه يتجه نحو المرأة التي يحب وليس لموضوع الحب. وهذا هو الحب الناضج أو النبيل وأطلق عليه النوع الإيجابي والذي غالبا ما ننصح الفتاة ان تختار هذه الشخصية وهذا النوع من الحب. فالشخصية النرجسية على سبيل المثال تنظر الى الحب كرغبة جنسية وشغف بالتنقل بين انثى وأخرى، ومن ثم فهو لا يشعر بالاكتفاء بل ديدنه تعدد العلاقات مع أكثر من امرأة لأن تركيزه على الجسد والغريزة كموضوع للحب.
أما الود فسلوك أو إستجابة لمثير (الحب) كإعتياد الشريك على الكلام الجميل والتركيز على السمات الجيدة للشريك، وتقديم الهدايا ومراعاة مشاعره عند الاختلاف وتجنب القسوة وما ينتج عنها من لوم واستفزاز. ومن نتائج هذا “الود” الإستقرار النفسي والطمأنينة أو ما يطلق عليه “بالسكينة”. اما “الرحمة” فهي الصبر على الشدائد والتضحية من أجل الشريك عندما يتعرض لأزمة أو مرض أو غير ذلك. فالعلاقة الزوجية إذن قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، أما عدم الاحترام والإستخفاف بمشاعر الشريك والانتقاص منه أو إهانته واستفزازه فضلا عن إهماله أو خيانته فكل ماسبق يؤدي إلى موت الحب وفشل العلاقة الزوجية.
من المشكلات الأخرى التي تجعل الحياة الزوجية رتيبة هو الملل والتركيز على الشريك طوال الوقت، وعدم الانشغال بتطوير الذات: كالبحث عن موهبة وتطويرها أو ممارسة الاهتمامات. فالانسان (رجل او امرأة) تتغير أولوياته بعد الزواج، ومن هنا سترمي العلاقة الزوجية بضلالها على الأولاد. هنا أضيفت مسؤوليات جديدة وتنازلات شخصية من اجل الوظيفة الاكثر أهمية في حياة الجميع وهي الأمومة والأبوة، فالأولاد هم الجيل الذي سيبني المجتمع من خلال العائلة التي سيؤسسها في المستقبل.
وأخيراً، نقدّم هذه النصائح التي يمكن اعتمادها كمبادئ أساسية لديمومة مشاعر الحب ولنجاح العلاقة الزوجية:
1. اعتماد الحوار المشترك بين الزوجين على فترات منتظمة وجعله أسلوب حياة للزوجين.
2. احترام مساحة الحرية للزوجين للسفر أو ممارسة الاهتمامات.
3. الابتعاد عن الاسلوب المستفز والكلام الجارح، واستباق الصفات الايجابية لشريكك عندما يكون لديك عتاب أو نقد.
4. التجديد في العلاقة الزوجية والعلاقة الحميمة لمحاربة الروتين والرتابة.
5. لا تركزوا على جانب واحد في الحياة بل طوروا انفسكم وابحثوا عن ذواتكم الحقيقية، اكتشفوا مواهبكم ومارسوا اهتماماتكم.
6. تغيير طريقة الفهم والإدراك لكينونة المراة والرجل بعيدا عن المغالطات التي تجرنا للوراء، فالأم التي لا تشعر بالثقة أو السعادة لن تعطي كل مالديها من طاقة وإمكانات للابناء وهم الأغلى
عندها. كيف يتعلم الأبناء الثقة بالنفس بينما تفتقر الأم إليها, وكيف تعلمهم الإقدام “الشجاعة” والاستقلالية في اتخاذ القرار بينما. ومن هنا ستراعي المساواة في التربية، فلا تربي الفتاة على
الخجل لمجرد انها انثى بينما اخيها العكس. يجب ان يستبدل ذلك بتعلم الحياء لكلا الجنسين لأنها قيمة أخلاقية عالية بينما الخجل يعد عيب اجتماعي لتاثيراته السلبية في عملية التفاعل
الاجتماعي.
7. المشاركة الفعلية للزوج في كل شي يتعلق بالبيت والابناء وهذا ما يحدث في المجتمعات البديلة التي يهاجر اليها العرب، لان نمط الحياة هناك تفرض عليهم التعاون ولأن هذه الاعمال قيدها
المجتمع بالزوجة وتوارثناها. وكثير من الرجال الذين لم يفعلوا ذلك في اوطاننا فعلوه طواعية في بلد المهجر، وهذا سلوك جيد وراقي نتمنى أن يصل اليها مجتمعنا.