
جنابك.. هل رحلت..؟
يومان وانا في مأتم.. بعد ان فقدت ماتبقى من اشقائي .. لكني وفي اليوم الثالث عشت مأتما اخر .. وحيدا متعثرا بخطواتي ، سائرا في ازقة وشوارع الكرادة ، بعد ان عرفت بوفاة
صديقي طارق حرب .
زميلي “الكاريكاتيرست ” خضير الحميري .. لمحني من بعيد ، قفز من مقعده في المقهى وهرول من ورائي ، بعد ان هاله ثقل مشيتي ، وكثافة الحزن في خطوط وجهي .
قبل اقل من اسبوع .. كان طارق حرب جليسي بمقهى العلوان من دون موعد ، كأنه اراد ان يسجل الوداع الاخير .. وبدأنا بثرثرة اعلامية قانونية .. تراثية بغدادية .. بين الجد والهزل ، وبين الاحباط
والامل .. الى ان وصلنا الى ملحمة “الكتلة الاكبر” التي احلناها الى علم الابراج لصعوبة تفسيرها .. وتجادلنا بمعنى الاغلبية الوطنية والتوافقية ، و بورصة وجدل وعهر السياسة اليومية .. دخل
على الخط الممثل الكوميدي زهير محمد رشيد .. ليزيد الجلسة متعة وفكاهة ، ضحكة وسماحة ، ثم انتقل الحديث عن رئيس الوزراء “المنتظر ” في الاختبار و المختبر .. وعن قصة الجذب ، والتجاذب
، والكر والفر والتدافع بالمناكب .. بين الطواويس الايرانية ، والحمير الامريكية ، والبعران الخليجية .. الى ان اصابنا الملل ، فتركنا جحورها ، وغادرنا السياسة والسياسيين والناس اجمعين .
ثم ذكرته بسخرية الكاتب الفكه ، وحكاية الفيديوهات مع بعض الاعلاميات والمحاميات الجميلات .. التي اشتعلت بها المواقع والموانع واحاديث النخب ، ومن لا يعجبه العجب .
حاولوا النيل منك .. وهم يعرفون فطرتك التي فطرت عليها ، وصدق نواياك ، فلا ينال من( جنابك) احد .. وانت البريء الوديع الذي ترتسم براءة الاطفال في عينيه .
هناك مشهد حزين .. لا يفارقني ، دال على نبلك وعفويتك ، وطيبة قلبك .. يوم وصلنا الى نقابة الصحفيين في الصرافية لتشييع المرحوم شهاب التميمي .. غير اني افتقدتك فجأة ، وصرت ابحث
عنك .. فوجدتك منزويا .. وانت تبكي مثل الاطفال على المرحوم شهاب الذي اغتيل غيلة وجبنا وخسة ونذالة .
طارق حرب .. كان برنامجك على الدوام “قل / وقل “.. وليس قل / ولا تقل .. حتى صرت مكتبة قانونية متجولة ناطقة .. وخبرة دستورية متراكمة ، وبها اجتاح صوتك معظم الفضائيات مؤتلفة ومختلفة
، كنت لوحدك سلطة معرفية متفردة .. وكانت السلطات الاربع تسمعك وتراك وتتكلم عنك ، وتصغي اليك ، وتتطلع لحضورك .. حتى المايكرفون ، كان يستأنس بك ويطلب إذن الاستراحة ، وهو
يراقب اوتار حنجرتك ، وصوتك وحركات يديك ، وتلك المسبحة التي كانت تتراقص بين اناملك ، وعلى زخات معلوماتك وبياناتك .
هالني.. .. ما ذكرته لي عن ( داء النقرس) داء الملوك الذي اثقل خطاك ، وسرق النوم من عينك .
يا صديقي .. عشت ملكا للمعلومة القانونية ، والمعرفة الدستورية .. والموسوعة التراثية .. وهذا الموت المفاحيء ، سوف لم ولن ينل من غزارة حضورك واجتهادك .
لكنه الفراغ الذي تركته يا صديقي .. لا اظن ان هناك من يستطيع ان يشغله .. وهو بحق فراغ بمساحة وحجم المكتبات القانونية في العراق .
لترقد بسلام .. و وئام ..
& د كاظم المقدادي