مقالات

مختصر تاريخ العراق الحديث … كما رأيته “الحرس القومي و إنقلاب 18 تشرين 1963 ” – الجزء-6

#الشبكة_مباشر_لاهاي_الكاتب أدهم إبراهيم

  الحرس القومي
صبيحة يوم الانقلاب الذي قاده حزب البعث على نظام عبد الكريم قاسم، أي في 8 شباط/فبراير 1963 تم إنشاء الحرس القومي، وهو ميليشيا حزبية تهدف إلى حماية النظام الجديد، وقد شوهد أفراد الحرس القومي في اليوم التالي يتجولون في أرجاء مدينة بغداد وهم يحملون رشاشات بورسعيد (وهي رشاشة ستن مصنوعة في مصر)، ويضعون أشرطة خضراء على صدورهم .
وقد تم فتح مقرات الحرس القومي في كل الوحدات الإدارية في محافظات العراق، وكانت تسمى الوية.

تولى الحرس القومي مهمة اعتقال ومطاردة الشيوعيين في كل مكان، وكان الغرض من ذلك تصفية الحزب الشیوعي وكوادره، وقد مارس الحرس القومي أعمال الاعتقال والتعذيب، كما كانت تفعل المقاومة الشعبية في حكم عبد الكريم قاسم تجاه البعثيين والقوميين ،وشهدت النوادي الرياضية والمدارس وحتى بعض دوائر الدولة أعمال تعذيب وحشية لكل أنصار الحزب الشيوعي، وكذلك لما كان يُطلق عليهم القاسميون نسبةً إلى عبد الكريم قاسم، وقد تم توثيق جرائم الحرس القومي في الكتاب الموسوم «المنحرفون» الذي صدر في أعقاب انقلاب عبد السلام عارف ضد الحكم البعثي الأول.
إن الممارسات الدموية للحرس القومي قد أدت إلى استياء جمهور واسع من المواطنين، إضافة إلى أفراد القوات المسلحة والشرطة المحلية ،وقد استخدم العنف المفرط تجاه المعارضين، وكانت تجربة منافية للإنسانية وسيئة بكل المقاييس.
استمر الحرس القومي بنشاطاته المذكورة حتى انقلاب عبد السلام عارف في 18 تشرين ثاني/ نوفمبر 1963.

  حركة حسن سريع في 3 تموز 1963 وقطار الموت

حسن سريع نائب عريف حاول القيام بانقلاب شيوعي على حكم البعث الجديد في معسكر الرشيد، وذلك يوم 3 تموز 1963 في معسكر الرشيد، وقد قام مع جماعته باعتقال عدد من قيادي حزب البعث، وكان من خطته إطلاق سراح الضباط الشيوعيين المعتقلين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد، ولكن العملية فشلت واقتيد حسن سريع إلى السجن، ثم حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه الحكم.
بعد فشل محاولة الانقلاب هذه انتبه قادة الحزب إلى خطورة بقاء السجناء الشيوعيين في سجن رقم 1، فتقرر نقلهم إلى سجن نقرة السلمان في صحراء السماوة بقطارٍ لحمل البضائع بعرباتٍ حديدية مغلقة.
غادر القطار الذي سُميَ قطار الموت في شهر تموز القائظ من عام 1963، حاملًا أكثر من 500 سجين سياسي شيوعي وقاسمي في عرباتٍ مقفلة، وكانت رحلة مميتة، خصوصًا مع اشتداد حرارة الشمس ،والعربات أصبحت كالفرن الساخن، ولكن سائق القطار سار بسرعة غير عادية حتى يصل في أقرب وقت، ولما وصل استطاع أهل السماوة إنقاذهم بعد أن رشوهم بالماء، ثم جاءت النساء لتوزع الملح والطعام عليهم، بعدها استكملوا طريقهم إلى سجن نقرة السلمان، فكان عملًا انتقاميًّا منافيًا لكل القيم الإنسانية.

  انقسام القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم
ظهرت بوادر الخلافات بين رئيس الجمهورية عبد السلام عارف وبعض أعضاء القيادة القطرية للحزب، وخصوصًا علي صالح السعدي الذي دعى إلى إقالة رئيس الجمهورية وتشكيل مجلس رئاسة بدلًا منه ،حيث كان عبد السلام عارف من الضباط القوميين غير البعثيين.

وفي شهر حزيران/ يونيو 1963 ظهرت أسباب أخرى للخلافات داخل القيادة القطرية للحزب حول الممارسات التي يقوم بها الحرس القومي ،التي تسببت في نفور المواطنين من الحزب، واتفق على حل الحرس القومي إذا لم يتوقف عن الأعمال العدوانية تجاه المواطنين.

وفي مطلع شهر تشرين ثاني من عام 1963 شهدت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم خلافات أخرى تسببت في انقسام حاد بين جناح علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية، وهو يمثل الاتجاه اليساري للحزب، وجماعة حازم جواد، وطالب شبيب أعضاء القيادة ،ويمثلون الفكر التقليدي لمؤسس الحزب ميشيل عفلق، الذي سمي فيما بعد بالجناح اليميني .

وقد انتصر الجناح اليميني ونفي علي صالح السعدي إلى أسبانيا، وتم فصله من الحزب فعاد للسكن في دمشق، ثم تشكلت قيادة قطرية جديدة بقيادة أحمد حسن البكر.

في الفترة من 13 إلى 18/ تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 سادت فوضى داخل قيادات الحزب، وحاول الحرس القومي التدخل العسكري لضرب خصومه، فعقد اجتماع في بغداد ضم قيادة فرع بغداد، وقيادة الحرس القومي، فتقرر إبعاد عبد السلام عارف وتشكيل مجلس رئاسة.

في صباح يوم 13/ 11/ 1963 قام الطيار منذر الونداوي بقصف القصر الجمهوري، مما أثار حفيظة بعض القادة العسكريين والحزبيين ،وبات ينذر بالاقتتال الداخلي، وهذا ما دعا القيادة القومية متمثلة بميشيل عفلق وأمين الحافظ الحضور على عجل إلى بغداد لحسم الخلافات والانقسام الداخلي.

  انقلاب 18 تشرين/ نوفمبر 1963
كل الاجتماعات والقرارات لم تتوصل إلى حلٍ مُرضٍ للأطراف المتنازعة داخل الحزب، وخصوصًا موضوع حل الحرس القومي، حتى تحرك عبد السلام عارف رئيس الجمهورية مع بعض القيادات القومية والعسكرية لإبعاد حزب البعث عن السلطة في انقلاب 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، فتم اعتقال القيادات البعثية بما فيهم ميشيل عفلق ،وأمين الحافظ المتواجدين في بغداد، وجرى تسفيرهما إلى سوريا.
وقامت الطائرات الحربية بقصف قيادة الحرس القومي في الأعظمية ،وتقدمت الدبابات والسيارات المدرعة، فاستولت على كل المراكز المهمة في بغداد والموصل وكركوك، حيث قاوم الحرس القومي وبعض أنصار الحزب، وتم القضاء على كل البؤر المعارضة واعتقال المتسببين بالفوضى وأعمال العنف وقيادات المقاومين للانقلاب، ثم أذاع عبد السلام عارف مرسومًا بإعفاء أحمد حسن البكر من منصبه وإقصاء كل الوزراء البعثيين من الحكم.
وبذلك انطوت الصفحة الأولى من حكم حزب البعث، وحل التيار القومي العربي محله.

تعليق على الفصل الثاني
المؤتمر القومي السادس لحزب البعث
في الفترة من 5 إلى 23 تشرين الأول 1963 انعقد المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي بدمشق، بعد أن تسلم حزب البعث السلطة في بلدين عربيين هما العراق وسوريا، ونتيجة التغييرات السياسية العربية والدولية، ونتيجة انتشار الفكر الاشتراكي في أوساط الطلائع الشبابية، فقد تبنى الحزب في مؤتمره هذا الأيديولوجية العلمية والثورية في إطارٍ قوميّ، دون أن يتخلى الحزب عن مبادئه الأساسية التي تأسس بموجبها، وبالأخص القومية والاشتراكية.
يعد هذا المؤتمر بمنطلقاته النظرية الاشتراكية خطوة متقدمة في تاريخ الحزب، وخروجًا عن الأطر التقليدية لقياداته، وقد اتضحت معالمه في حركة 23 شباط/ فبراير 1966 في سوريا التي أطاحت بتلك القيادات، وعلى رأسها ميشيل عفلق الذي يمثل التيار التقليدي اليميني للحزب، وبذلك دخل حزب البعث مرحلة جديدة في مسيرته في القطر السوري. أما في العراق فقد تمكنت القيادة التقليدية اليمينية للحزب من الوصول إلى السلطة في حركة 17 تموز/ يوليو 1968، بقيادة أحمد حسن البكر، ومن ثمَّ صدام حسين.

  لجنة تنظيم القطر
نتيجة لإزاحة الحزب من السلطة في العراق بانقلاب عبد السلامعارف، فقد تعرض العديد من كوادره وقياداته للاعتقال والملاحقة ،فبادرت بعض كوادر الحزب بتشكيل قيادة مؤقتة للحزب في العراق سميت بلجنة تنظيم القطر، وقد ضمت قيادات وكوادر الجناح اليساري للحزب، وتمسكت بالمنطلقات النظرية للمؤتمر السادس لحزب البعث ،فقامت بنشاطات مهمة لإعادة التنظيم الحزبي وتوحيد الصفوف، إلا أن الجناح اليميني قد اختلف معها وشكل قيادة قطرية مؤقتة، واعتبرت لجنة تنظيم القطر غير شرعية، إلا أنها ظلت مستمرة بتنظيماتها التي تفوقت بأعداد الحزبيين على تنظيمات القيادة القطرية المؤقتة، وبقي كلا التنظيمين مختلفين ومستمرين بالعمل الحزبي كل بجماهيره، حتى الانقلاب البعثي الثاني في 17 – 30 تموز عام 1968، حيث اعتقلت القيادة اليسارية للحزب في قصر النهاية التابع للمخابرات، وتعرضت للتعذيب حتى تم حلها بالقوة.

  تبلور الانشقاق البعثي
في 23 شباط 1966 تم تنفيذ انقلاب عسكري في سوريا على حكم الرئيس أمين الحافظ من قبل بعض الضباط البعثيين، يتقدمهم صلاح جديد وحافظ الأسد، تم بموجبه إقصاء الجناح اليميني للحزب المتمثل بالقيادة القومية، وعلى رأسها ميشيل عفلق، فتشكلت قيادة قطرية مؤقتة ضمت الاتجاه اليساري للحزب، ثم عين نور الدين الأتاسي رئيسًا للجمهورية، والدكتور يوسف زعين رئيسًا للوزراء، وهكذا شهد حزب البعث أكبر انقسام في تاريخه، ترك أثره على مجمل أحداث العراق وسوريا لسنواتٍ عديدة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى