مقالات

مختصر تاريخ العراق الحديث … كما رأيته.. الفصل الثالث عهد الأخوين عبد السلام و عبد الرحمن عارف – الجزء-7

#الشبكة_مباشر_لاهاي_الكاتب أدهم إبراهيم

الرئيس عبد السلام عارف من القوميين العرب، ذو صبغةٍ إسلامية ،وكان من المؤيدين للرئيس جمال عبد الناصر، ويدعو إلى الوحدة العربية الفورية، إلا أنه عندما أصبح رئيسًا للجمهورية، لوحظ تردده في إنجاز ما كان يؤمن به، وهذا ما أثار حفيظة القوميين العرب في العراق.

ولعل من أهم إنجازات عبد السلام عارف محاولة حل المشلكة الكردية العالقة، وقد عقد عدة اجتماعات مع الملا مصطفى البرزاني لإيجاد حل شامل للقضية الكردية سلميًّا. وبتاريخ 10 شباط/ فبراير 1964 تم الاتفاق على إيقاف القتال، ومواصلة الحوار مع القيادة الكردية من أجل تأمين الحكم الذاتي للشعب الكردي في وقتٍ لاحق ،ورغم ذلك فإن المشكلة الكردية بقيت عالقة دون حل.
عملت السلطة في العراق منذ عام 1963 على تطبيق النهج الاشتراكي، وقد بادر عبد السلام عارف بعد نجاح حركته ضد حزب البعث إلى تأميم مجموعة كبيرة من المشاريع الصناعية عام 1964، إضافة إلى تأميم المصارف للإمساك بزمام إدارة مختلف النشاطات الاقتصادية والصناعية والتجارية في القطر من خلال تطبيق النظام الاشتراكي في البلد، وقد كان الخبير الاقتصادي الدكتور خير الدين حسيب عراب هذا التأميم، ومن أشد المتحمسين له، وقد كان بالفعل قاعدة اقتصادية مهمة للدولة تم تطويره لاحقًا.
وتنفيذًا لذلك صدر قانون رقم 100 بتأميم جميع البنوك والمصارف غير الحكومية العاملة في العراق، بما فيها فروع المصارف الأجنبية، وفي نفس اليوم صدر قانون رقم 99 بتأميم الشركات الأهلية العراقية، ومنها:
شركة الإسمنت العراقية.
شركة إسمنت الرافدين.
شركة إسمنت الفرات.
شركة الإسمنت المتحدة.
شركة الصناعات العقارية.
شركة المواد البنائية العراقية.
شركة الأسبست العراقية.
شركة الغزل والنسيج العراقية.
شركة فتاح باشا للغزل.
شركة السجاد العراقية.
شركة صناعة الجوت العراقية.
شركة استخراج الزيوت النباتية.
شركة منتوجات بذور القطن.
شركة الرافدين لصناعة المنظفات.
معمل صابون ومنظفات كافل حسين.
شركة دخان الرافدين.
شركة دخان عبود.
شركة الدخان الأهلية.
شركة صناعة الجلود الوطنية.
شركة باتا العراقية.
شركة طحن حبوب الشمال.
شركة تجارة وطحن الحبوب العراقية.
شركة المطاحن الفنية.
شركة معامل طحين الدامرجي.
شركة الرافدين للطحن والتجارة.
شركة الكبريت المتحدة.
شركة اتحاد مصانع الورق.
شركة المخازن العراقية.
الشركة الإفريقية العراقية.

وبقي مشروع الوحدة العربية حبرًا على ورق.

  حركة عارف عبد الرزاق الانقلابية
من خلال سلوك وتصرفات عبد السلام عارف، أصبح لدى كل القوميين العرب قناعة بأنه كان يتحدث عن القومية العربية والوحدة العربية، لكنه لا يسعى لتحقيقها لرغبته في البقاء في السلطة وعدم التنازل عنها لأي سببٍ كان، ومن هذا المنطلق قام الزعيم الطيار عارف عبد الرزاق في 16 -15 أيلول 1965 بحركةٍ انقلابية ضد الرئيس عبد السلام عارف، وقد كان رئيسًا للوزراء، وهو كأي قومي عربي أدرك أن عبد السلام عارف وقف بالضد من كل المساعي لتحقيق الوحدة مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر، فانتهز فرصة سفره إلى المغرب لحضور القمة العربية وخطط مع بعض الضباط القوميين لتنحيته والعمل على تحقيق حلم الوحدة، وكان عارف عبد الرزاق في نفس الوقت رئيسًا للوزراء، ووزير الدفاع، وقائد القوة الجوية، فبدا له الأمر سهلًا، ومع كل ذلك فشلت محاولة الانقلاب.
يعود السبب في فشله إلى سعيد صليبي آمر موقع بغداد، الذي علم بنية عارف عبد الرزاق تنحية عبد السلام عارف، فأسرع إلى إنذار الوحدات العسكرية الموالية لرئيس الجمهورية بمقاومة أي محاولةٍ انقلابية، فأصدر عارف عبد الرزاق أمرًا بتأجيل العملية الانقلابية ،وهكذا سيطر سعيد صليبي على الموقف.
وفي صباح اليوم التالي هرب عارف عبد الرزاق مع بعض الضباط إلى القاهرة على متن طائرة عسكرية، وعلم عبد السلام عارف بالعملية الانقلابية، فقطع زيارته للدار البيضاء وعاد إلى بغداد، ويقال إن عارف عبد الرزاق قد تحدث مع رفاقه في المنفى قائلًا إنه كان يعتقد أن من لديه القوة يحقق هدفه بسهولة، لكن تبين أن الأمر بحاجةٍ إلى كارت أخضر من جهاتٍ خارجية!

  مقتل عبد السلام عارف
في 13 نيسان 1966 قام عبد السلام عارف رئيس الجمهورية بزيارة محافظة البصرة بطائرة هليكوبتر مع عددٍ من الوزراء والمسؤولين، إلا أن الطائرة سقطت في ظروفٍ غامضة، رغم الإعلان عن سقوطها نتيجة عاصفة! ونتيجة لسقوطها تُوفي عبد السلام عارف مع جميع مرافقيه في هذه الرحلة.
وتولى رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز إدارة الدولة، وحاول تنصيب نفسه رئيسًا للجمهورية، إلا أنه لاقى معارضة شديدة من أوساطٍ محلية كثيرة، واستندوا إلى الدستور الذي نص على: «لا يجوز لرئيس الوزراء تسنم منصب رئيس الجمهورية عند شغوره لأي سببٍ كان»، ثم حدثت خلافات شديدة بين وزير الدفاع عبد العزيز العقيلي، ورئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز في أحقية أي منهما بخلافة عبد السلام عارف.
وفي 16 نيسان 1966 تم اختيار عبد الرحمن عارف رئيسًا للجمهورية لكونه الأخ الشقيق لعبد السلام عارف دفعًا للمواجهة المحتملة بين الشخصيتين، وقد استطاع عبد الرحمن عارف المحافظة على استقرار الوضع، وحافظ على السلام الاجتماعي في البلد، وتعتبر فترة حكمه من السنوات الديمقراطية القليلة في تاريخ العراق بعد ثورة أو انقلاب 14 تموز 1958.

  محاولة عارف عبد الرزاق الانقلابية الثانية
قاد الزعيم الطيار عارف عبد الرزاق في منتصف حزيران عام 1966 حركة انقلابية ثانية ضد عبد الرحمن عارف، بعد فشله في الأولى ضد عبد السلام عارف كما أسلفنا سابقًا، وقد تم إحباط هذه المحاولة أيضًا في مطار الموصل، وكذلك قرب محطة الإذاعة في الصالحية، رغم قيام طيارين من أنصاره بقصف بعض المواقع العسكرية.
تم القبض عليه مع بعض أنصاره، إلا أن عبد الرحمن عارف المسالم أطلق سراحهم بعد تعهدهم بعدم التآمر مرة ثانية، وسافروا إلى خارج العراق ثانية.

  الجاسوس منير روفا
بعد قيام الاتحاد السوفيتي بتصنيع طائرة ميج 21 أسرع من الصوت ،سعت أمريكا لمعرفة سر هذه الطائرة، وقد حاولت إسرائيل تسريب معلومات عن هذه الطائرة بعدة وسائل، إلا أنها تفشل في كل مرة.
فتقرر تجنيد طيار عراقي ليقوم باختطاف الطائرة الميج، والهبوط بها في مطار تل أبيب، فتم ترشيح عدة طيارين للقيام بهذه المهمة ولكنهم رفضوا، وقد تم اغتيال أحدهم برميه من القطار في فرنسا خوفًا منه، فجرى اختيار منير روفا الطيار المتدرب، الذي كان يسعى للهجرة إلى أمريكا.
وفي يوم 16 آب/ أغسطس عام 1966م صعد منير روفا إلى الطائرة للتدريب، فأقلع بالطائرة إلى تل أبيب مباشرةً، وقد كانت فضيحة عالمية! وهناك من حاول تبرأته فقيل إن الموساد اختطف عائلته وأجبروه على القيام بالعملية!

  انتخابات الاتحادات والجمعيات عام 1967
في فترة حكم عبد الرحمن عارف

في عام 1967 جرت انتخابات لمجالس اتحادات ونقابات المجتمع المدني في العراق، فحصل جناح حزب البعث اليساري والحزب الشيوعي العراقي على أغلبية الأصوات في نقابة المعلمين واتحاد الطلبة، ويبدو أن الأمر قد فاجأ السلطات، فقررت إلغاء تلك الانتخابات، ورغم ذلك استمر النشاط الطلابي في كفاحه.
وفي أيلول 1967 أعلن الإضراب الطلابي في كليات جامعة بغداد، وعلى الأخص التربية والحقوق والزراعة، ثم عم الإضراب بقية الكليات، وعقدت اجتماعات طلابية كبيرة معادية للحكومة، وبأوامر من رئيس الوزراء طاهر يحيى اقتحمت قوات الأمن بعض الكليات ،مما أدى إلى سقوط أعدادٍ من الطلبة جرحى نتيجة ذلك.
ويبدو أن هذه الحوادث هي التي تسببت، أو سرعت انقلاب أو ثورة 17 تموز 1968 التي قادها حزب البعث مع عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود.

  حرب 5 حزيران 1967

كل عشر سنوات تقريبًا تفتعل إسرائيل حربًا مع العرب، وبعد فشلها في تحقيق أهدافها بإسقاط نظام جمال عبد الناصر عام 1956 مع بريطانيا وفرنسا؛ افتعلت إسرائيل أزمة مع سوريا.
ففي بداية عام 1967 حدثت عدة اشتباكات متقطعة بالمدفعية بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي، مع تسلل قوات فلسطينية إلى داخل الجليل، ووحدات إسرائيلية إلى داخل الجولان، ثم أسقطت إسرائيل 6 طائرات سورية من طراز ميغ 21 داخل سوريا والأردن، وأسقطت سورياطائرات إسرائيلية.
اشتعلت الجبهة السورية مع إسرائيل بنيران المدفعية من الجانبين .تضامنت مصر مع سوريا، وحشدت قرب الحدود مع إسرائيل في سيناء قطعات عسكرية لمنع أي عدوان على سوريا.
قدّم مندوب سوريا في الأمم المتحدة شكوى إلى مجلس الأمن، قال فيها أن إسرائيل تعد عدوانًا عسكريًّا ضد بلاده، ثم أعلنت مصر حالة الطوارئ، وطلبت من الأمم المتحدة سحب قواتها المرابطة في سيناء ،كما أغلقت مضايق تيران أمام السفن الإسرائيلية، ونتيجةً لذلك دخلت قطعات من الجيش العراقي إلى كلٍّ من الأردن وسوريا، وأعلنت إسرائيل حالة الإنذار الأقصى في صفوف جيشها.
عملت الدول الكبرى على ضمان عدم قيام الدول العربية بالمبادئة ،واختيار الزمان والمكان المناسبين للهجوم على إسرائيل، وحاول الاتحاد السوفياتي مع أمريكا تهدئة الوضع دون جدوى، ويبدو أن الوضع مبيت لمباغتة العرب بحربٍ خاطفة. ففي صباح يوم 5 حزيران/ يونيو 1967 المشؤوم، شنت إسرائيل عدوانًا واسعًا على الجبهة المصرية ،فدمرت طائراته أغلب مدرجات المطارات العسكرية المصرية، وبذلك تم تحييد الطيران المصري، وأصبحت القطعات العسكرية المصرية في سيناء بلا غطاءٍ جويّ، فتصعبت المهمات القتالية للجيش المصري البطل، مما سهل للقوات الإسرائيلية احتلال شبه جزيرة سيناء والوصول إلى قناة السويس.
وعلى الجبهة السورية والأردنية تم استخدام الدروع بأسلوب الحربالخاطفة على غرار الجيش النازي في الحرب العالمية الثانية، فتم احتلال أراضٍ سورية، وعلى الأخص هضبة الجولان الإستراتيجية ،كما تم احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس التي كانت تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية.
وبعد ستة أيامٍ من الحرب أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 242 بإيقاف الحرب، ولكن إسرائيل رغم ذلك استمرت في التقدم حتى أنجزت مهمات احتلالها للأراضي العربية.
تحطمت معنويات الشعوب العربية فسميت بنكسة حزيران أو هزيمة حزيران، وسمتها إسرائيل بحرب الأيام الستة.

  أثر هزيمة حزيران على الشعب العراقي
في 9 حزيران/ يونيو 1967، أعلن جمال عبد الناصر تنحيه عن الرئاسة في مصر، وكلف زكريا محي الدين لرئاسة الدولة بدلًا عنه، وهو بذلك يعلن مسؤوليته الكاملة عن الأخطاء الخطيرة التي أدت إلى هزيمة حزيران التي سموها «نكسة»، فخرج الشعب المصري بالملايين يطالبه بالعدول عن الاستقالة، وفعلًا تراجع عنها في اليوم التالي، واتضح أن المسؤولية تقع على عاتق نائبه عبد الحكيم عامر بدرجة كبيرة لإهماله ولامبالاته، وما إن سمعت الجماهير العربية بذلك حتى خرجت بالتظاهر رافضة للاستقالة.
وفي وقتٍ لاحق خرجت مظاهرة ضخمة في بغداد قادها حزب البعث الجناح اليساري، ورفعت لافتات تُحمّل الحكومة العراقية مسؤولية التقصير والإهمال في هذه الحرب، فقامت قوات الأمن في منطقة السنك وشارع الرشيد بإطلاق النيران على المتظاهرين، وتسببتفي جرح العشرات منهم حتى استطاعت تفريقهم.
وفي اليوم التالي خرجت مظاهرة متواضعة لحزب البعث بجناحه التقليدي، وقادها أحمد حسن البكر، ولم يتم التعرض لها! مما أثار تساؤلات كثيرة أجيب عنها بأنهم استحصلوا على موافقة الحكومة! 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى