الأُستاذ الدكتور عَـبْـد الـعَـزِيْـز الـدُّوْرِيّ: النشأة والتكوين
#الشبكة_مباشر_عمان_أ. د. قحطان عبد الرحمن الـدُّوْرِيّ
اسمه ونسبه:
هو عبد العزيز بن عبد الكريم بن طه بن حَـمَّـد الدوري مولداً، الـجُـبُـوْرِيّ نسباً.
ولادته ونشأته:
ولد سنة 1919م في بلدة (الدور)، وهي قرية صغيرة على ضفاف نهر دجلة من جانبه الشرقي، تقع شمال مدينة (بغداد)، وتبعد عنها بـ 155 كم، وتتوسط تقريباً بين مدينتي سامراء وتكريت( ).
والطريق إليها طريق خاص بها، بخلاف الطريق العام من جانب نهر دجلة الغربي المتصل بمدينة الموصل.
وبحكم وجود (الدور) في هذا المكان، ولعدم توفر أسباب الجذب إليها، ظلت منعزلة مقصورة على أهلها لم يختلط بها أحد، إلى وقت قريب جداً.
ورجالها معروفون بجَـلَـدهم وشدتهم، وكانوا يُـمَـوِّنـون بغداد وغيرها مما يجلبونه من شمال العراق وغيره من ميرة.
ومن الدور كان من رجال العراق المشهورين آنئذٍ:
في جانب السياسة والجيش: توفيق السويدي بن يوسف، الذي ولد سنة 1891م، وتَـقَـلَّـدَ مناصب كبيرة منها: رئيس الوزراء ثلاث مرات، ووزير المعارف، ورئيس مجلس النواب. وتوفي في بيروت سنة 1968م.
وحسين العلوان الذي كان أحد قادة الجيش العراقي إبان تشكيله سنة 1921م. وأخوه عبد الله العلوان.
وفي جانب الفقه والفتيا: الشيخ حسن النقي مفتي ديالى وخريسان، المتوفى سنة 1949م. وغيرهم.
وفي الدور عشائر خمس كلها عربية أصيلة.
أكبرها عشيرة (الـشُّـوَيْـخَـات)، وهي من عشيرة (الـجُـبُـوْر) العربية القحطانية.
وشيخ هذه العشيرة جدي لأُمي هو (الحاج أسعد بن طه بن حَـمَّـد)، المتوفى سنة 1949م، وكان رجلاً مهيباً معروفاً بحكمته وشجاعته، وبيده ديوان العشيرة.
ومعه إخوته: أولهم (عبد الكريم) الذي كان ساعده الأيمن في إدارة شؤون العشيرة.
والدكتور عبد العزيز هو ابن عبد الكريم.
وبيتهم وإيوانهم في الدور معروف، يؤمه الغادي والرائح.
نشأ الدكتور عبد العزيز في هذا البيت الكريم هو وأخوه الأكبر عبد المحسن الذي كان له دوره السياسي في العراق فيما بعد. ونشأ معه أترابه من أولاد أعمامه وهم كُـثْـر، منهم ابن عمه محمود بن أسعد الذي كان ضابطاً اسـتُـشـهِـدَ في فلسطين سنة 1948م، ودفن في مقبرة الشهداء العراقيين في جنين.
ولا شك في أن هذا البيت قد عَـلَّـمَـهُ الشيء الكثير من الآداب العالية، وحبّ الناس، فنشأ على ذلك منذ نعومة أظفاره.
وبقيت الدورُ – ملعبُ صباه – في ذاكرته طوال حياته، فكان يقول: هناك البيت الفلاني، وبيت فلان وفلان… كلما جرّ الحديث إليه.
بدأ الدكتور عبد العزيز دراسته في مدرسة الدور الابتدائية التي تأسست في سنة 1918م، وكانت تمنح شهادة الرابع الابتدائي، ويذهب الطلبة القادرون ليكملوا دراستهم في بغداد أو سامراء أو تكريت. منهم ابن عمه (عثمان عبد الرزاق) المولود في سنة 1923م، حيث أكمل دراسة الخامس والسادس الابتدائي في تكريت.
ثم انتقل الدكتور عبد العزيز إلى بغداد مع والديه وأخيه، وسكنوا في منطقة الـعَـلَاوِي في الكرخ في النصف الثاني من العشرينات. فأكمل دراسة الابتدائية، ثم دراسة الثانوية في ثانوية الكرخ للبنين.
ولا زلتُ أحتفظ له في مكتبتي بدفتر خرائط، كان قد رسمها في مادة الجغرافية، حين كان طالباً في الصف الثاني المتوسط (أي: الصف الثامن)، الذي تمـيَّـز بدقة الرسم وجمال ألوانه.
وكان متفوقاً على أقرانه، لذلك اختير ليكون مبعوثاً إلى إنجلترا.
ولم ينقطع هو ووالده وأهله عن الدور، بل كانوا على اتصال دائم. وفي سنة 1936م حفر على حائط بيتهم الكبير كلمته: (الوداع يا قريتي العزيزة) وكتب تحتها اسمه والسنة، وكأنه يعد نفسه للرحيل إلى البلاد البعيدة. وظلت هذه الكتابة شاهدةً وتُـجَـدَّد، إلى أن مُـسِـحَـت بيوت الدور القديمة كلها، فبدأ البنيان الحديث.
وبعدها أمضى سنة دراسية كانت تُـسَـمَّـى (المتريك)، درس فيها اللغة الإنجليزية، وهي كانت للطلبة المبعوثين إلى إنجلترا.
والتحقَ بعدها بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، ونال منها شهادة البكالوريوس بمرتبة الشرف سنة 1939-1940م.
ولنبوغه بالبحث وتميزه، أوصوا بإلحاقه ببرنامج الدكتوراه في جامعة لندن نفسها، وكان التحاقه سنة 1940م. ونشبت الحرب العالمية الثانية، وقُصفت لندن، فـحُـوِّلَ طلبة جامعة لندن إلى جامعة كمبرج التي تبعد عن لندن مسافة 96 كيلو متراً تقريباً.
ونال شهادة الدكتوراه سنة 1942م. قال: (كانت المدة القانونية لنيل الدكتوراه ثلاث سنوات، لكني نلتُ الشهادةَ قبل المدة القانونية).
وكان عنوان رسالته: (تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري)، وذكر في مقدمة طبعتها الثانية: (أنه كتبها خلال الأعوام 1940-1942م، وعـرّبت عام 1948م، ونشرت ببغداد دون تغيير).
وشكر في تصدير الرسالة: أُستاذه المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي المشرف على الرسالة، وشكر أيضاً الأُستاذين برنارد لويس، وجِب، لاقتراحاتهم المفيدة. وأَرَّخَ تصديره في كمبرج أيار / مايو 1942م.
وحين كان في لندن، دخل (جمعية الطلبة العرب) التي كانت تعمل لصالح العرب في بلاد الإنجليز.
وبعد حصوله على شهادة الدكتوراه، عاد إلى بغداد ليدرّس مادة التاريخ الإسلامي في دار المعلمين العالية (وهي كلية التربية الآن) من سنة 1943م إلى سنة 1948م.
وأُسند إليه منصب إداري في دار المعلمين العالية وهو (معاون العميد) الذي يُـسَـمَّـى بـ(وكيل الكلية) في بعض الجامعات.
ومع أن الجو في ذلك الحين مضطرب، والتيارات السياسية عنيفة، من ليبرالية إلى شيوعية إلى قومية إلى دينية، لكنه كان مسالماً متجنباً كل تلك التيارات، ومحتفظاً برأيه القومي العربي الإسلامي المعتدل.
وكان من الدعاة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية أكاديمية لإنماء البحث العلمي في العراق.
وأثمرت تلك الدعوات، فـأُنـشِـئَـت كلية الآداب والعلوم عام 1949م، وعهد إلى الدكتور عبد العزيز تأسيس هذه الكلية، وكانت بنايتها في منطقة (باب الـمُـعَـظَّـم) وسط بغداد. وتولى عمادتها من سنة 1949م إلى سنة 1958م.
وكـرّس جهوداً غير عادية في خدمتها، ودعا إلى التدريس فيها نخبة من كبار الأساتذة العرب والغربيين.
ونظراً لمستوى الكلية العالي، اعترفت جامعة لندن بشهادتها، وقَـبِـلَـتْ طـلـبَـتـهـا في الدراسات العليا من دون مطالبتهم بالسنة التحضيرية، وكان ذلك في سنة 1955م، وحين وصل قرار اعتراف جامعة لندن فرح به فرحاً كبيراً جداً.
وكانت الكلية شغله الشاغل، وكان يرى أنه يجد راحته الكاملة في مزاولة عمله الدؤوب فيها.
وكثيراً ما كنتُ أراه متابعاً أُمور الكلية في النهار والليل.
ثم انقسمت الكلية إلى كليتين: أحداهما كلية الآداب.
والثانية كلية العلوم في منطقة (رَأس الـحَـوَاش) في الأَعْـظَـمِـيَّـة قريباً من جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه.
وبقي عميداً للكليتين.
وكانت كلية الآداب والعلوم نواة جامعة بغداد.
وفي هذه الفترة أُنشئَ مجلس التعليم العالي برئاسة الأُستاذ الدكتور ناجي الأصيل وهو باحث ومؤرخ عراقي مرموق.
وتألف هذا المجلس من عمداء الكليات وبعض الأساتذة البارزين، وكان الدكتور عبد العزيز من أبرز أعضائه وأنشطهم.
ثم أصدرت الدولة قراراً بإنشاء جامعة بغداد قبل قيام ثورة 14 تموز 1958م.
وحين قامت الثورة، فُـصِـلَ الدكتور عبد العزيز بتهمة موالاته للعهد الملكي، مع أن علاقته بساسة ذلك العهد لم تكن إلَّا علاقة تقدير واحترام لنشاطه في العمل الجامعي العلمي.
لكنه أُعيد بعد ستة أشهر إلى ميدان عمله الجامعي.
ثم غادر الأُستاذ عبد العزيز إلى بيروت سنة 1959-1960م ليدرِّس في الجامعة الأمريكية فيها، وليتجنّب ما كان يعصف بالعراق في أيام الزعيم عبد الكريم قاسم، وخاصةً بعد ثورة عبد الوهاب الـشَّـوَّاف ومحاكمة رجالها في محكمة المهداوي، وما صاحبها من قتل وسحل واعتقالات على يد الشيوعيين.
وقضى في الجامعة الأمريكية ببيروت الفصل الدراسي الثاني.
ومع كل الظروف الصعبة لم يتغير له رأي في توجهاته العربية والوطنية.
ثم عاد إلى بغداد ومارس عمله الجامعي.
ورُشِّـحَ لمنصب رئاسة جامعة بغداد بأغلبية أصوات الأساتذة، لكن حالت دون ذلك أسباب سياسية في ذلك الجو المشحون أيام الزعيم عبد الكريم قاسم.
ثم اعتقل في معسكر الرشيد في سجن رقم (1)، وكان معه الأُستاذ الدكتور عبد الرزاق محيي الدين في غرفة السجن ذاتها.
وبقي في المعتقل بضعة أشهر إلى أن قامت ثورة 14 رمضان / 8 شباط 1963م، وتولى المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئاسة الجمهورية، فصدر قرار جمهوري بتعيين الدكتور عبد العزيز رئيساً لجامعة بغداد، ضمن بيانات الثورة.
واهتم بالدراسات العليا، فـفَـتَـحَ معهد الدراسات الإسلامية العليا الذي يمنح درجة الماجستير بتخصصات التاريخ والآثار والجغرافية سنة 1963م، وقال عميد المعهد أ. د. صالح أحمد العلي: (وكان الدكتور الدوري من أقوى أعمدة دراسة الماجستير فيه).
وفي السنة التالية فتح تخصص الشريعة الإسلامية بدورته الأُولى، وكنتُ أحد الطلبة فيه.
وبتأثير الصراعات السياسية آنئذٍ، استقال الدكتور عبد العزيز عن رئاسة الجامعة سنة 1966م.
لكنه أُعيد إلى رئاسة جامعة بغداد بعد فترة قصيرة، وكان ذلك سنة 1966م بعد تولي رئاسة الجمهورية عبد الرحمن محمد عارف.
وكان يطلب منه رئيس الوزراء طاهر يحيى أن يرشّح له أسماء وزراء لوزارته من أساتذة الجامعة المتخصصين.
وفي 17 تموز 1968م، وصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم، وأُبعد الدكتور عبد العزيز عن رئاسة الجامعة، لاتهامه أنه كان مع السلطة السابقة.
هذه الظروف المضطربة التي مـرّ بها العراق جعلت الدكتور عبد العزيز يفكر بجدية لمغادرة البلاد محتفظاً بهويته وآرائه وحريته.
فـقَـدَّمَ استقالته، وغادر العراق إلى بيروت، وعمل أُستاذاً زائراً في الجامعة الأمريكية ببيروت سنة 1968م.
ثم جاءته دعوة من الأُستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة رئيس الجامعة الأُردنية في حينها، – على ما ذكر في مقاله عنه – لزيارة الجامعة لمدة أُسبوع، فزارها، وقَـبِـلَ عرضها عليه بأن يكون أُستاذاً في قسم التاريخ بها. فذهب إلى بيروت وأنهى ارتباطاته، وعاد إلى عَـمَّـان أُستاذاً في الجامعة الأُردنية، وذلك في سنة 1969م.
وظل فيها أُستاذاً متميزاً بتدريسه وعطائه وتآليفه، معتزاً بها، مفضّلاً إياها على ما سواها من الجامعات الكثيرة من بلاد عربية وغربية التي عرضت عليه العمل فيها، منها على ما سمعـتُـه منه: جامعة هارفرد التي طلبته مرتين، وجامعات أُخرى.
وبقي على رأس عمله في الجامعة الأُردنية إلى أن توفّـاه الله تعالى، مع تجاوزه سن السبعين، تكريماً له وتقديراً لجهوده وخدماته.
والدكتور عبد العزيز كان يعتز بالأُردن، هذا البلد العربي الكريم، الذي قضى به واحداً وأربعين عاماً، بذل فيه عصارة فكره، وخلاصة تجاربه، وقضى فيه زهرة حياته، وشطر عمره الأخير، مع زملائه وطلابه الذين كان يعتز بهم جميعاً.
وكانت داره لا تخلو منهم، يزورونه ويأنس بهم، ويفتخر.
وحق له ذلك الاعتزاز، وأنا على هذا من الشاهدين.
فإن هذا البلد الطيب قد أوفاه حقه، وأعطاه حظه من التكريم.
ومع ذلك يبقى حنينه إلى بلده، فحين أجرى السيد سامي كليب لقاءً معه في بيته في عَـمَّـان في برنامج (زيارة خاصة) من قناة الجزيرة سنة 2007م سأله عن ما يشتاق إليه من العراق، فأجابه: (أشتاق إلى دجلة، وأشتاق إلى المحلة التي عشتُ فيها، وأشتاق إلى بعض المساجد الجميلة في بغداد، وأشتاق إلى أن أنام على سطح الدار بالليل). أي: كما كنا في الدور وبغداد.
كانت الكلية والجامعة قطعةً منه، لا يستطيع أن يفارقها، وحين بدا عليه التعب بعد وعكته الصحية الأخيرة، ظل مواظباً على الذهاب إلى الكلية، وكانت زوجته (أُمّ زيد) تقول له: لو تخلد إلى الراحة في البيت. فكان يجيبها بقوله: لو لم أذهب إلى الجامعة لم أجد الراحة.
وما جـئـتُـه إلى البيت أنا والأولاد إلَّا ويسألني عن الجامعة وعن تدريسي في الكلية، وعن طلابي وخاصةً طلاب الدراسات العليا، وعن أبحاثي وكتبي. ويسأل أولادي عن دراستهم وما وصلوا إليه في أبحاثهم.
ويفرح كثيراً بل يجد راحته في حديثي معه بذلك.
وكان مهتماً بالأدب، ويعجبه أُسلوب المنفلوطي وترجمته.
قال لي: كان معلمنا في الابتدائية يقرأ لنا في الصف من قصص المنفلوطي ويبكي. قال: فكنا صغاراً نضحك منه في الصف.
ولعل هذا الموقف قد لفت نظره بعد أن بدأ يفهم أُسلوب الأُدباء.
وكان دائم القراءة، فلم أدخل عليه يوماً إلَّا ومعه كتاب يقرأ به.
ومكتبته في بغداد كبيرة عامرة، ولما فارق بغداد كَـوَّنَ في عَـمَّـان مكتبة له كبيرة.
وهو قليل الكلام جداً، لا يكاد يفصح عما يريد. ويُجمع زملاؤه على ذلك. حتى أن كثيراً من أُموره لا يُـحَـدِّث أُسرته بها.
ولم يذكر أحداً بسوء، ولم يتعرض لأحد بأذى.
بل كان قسمٌ من حُـسَّـاده ومخالفيه بالرأي يحاولون إيذاءه، فلم يلتفت إليهم، مع قدرته وهو في منصبه أن يلحق بهم ما شاء من الأذى.
وكان إدارياً ناجحاً يُحـتـذَى به، تشهد له كلية الآداب والعلوم وجامعة بغداد وغيرها.
وكان مضيافاً كأبيه وأخيه وأعمامه الذين كان إيوانهم عامراً بالضيوف.
ولم يزاحم أحداً على مطالب الدنيا مهما علا شأنها.
وكان حريصاً على الدفاع عن عروبة الأُمة ودينها، حتى أن أحد الأساتذة من زملائه في بغداد أخبرني أنه حين كان في إنجلترا، أو حين يحضر المؤتمرات والندوات في الغرب، كان يتابع محاضرات المستشرقين ويرد عليهم الرد البليغ.
ومن اعتزازه بعربيته أنه لم يكن يمزج كلامه الاعتيادي بألفاظ إنجليزية، مع أنه كان يتقن الإنجليزية، لإكماله مرحلة البكالوريوس والدكتوراه في لندن.
وكان يهتم بقضايا الأُمة، ويتألم لما أصابها من نكبات. وفي معرض حديثي معه عن العراق، قال: العراق مرّ بظروف عصيبة في التاريخ، ونسيجه بأطيافه المتعددة المختلفة سبب تجاوزه تلك الأزمات الحادة وخروجه من محنته.
وكان من الموقعين على رسالة تضامن مع العراق وفلسطين سنة 2004م، لمواجهة تدخلات القوى الأجنبية في شؤون العراق الداخلية، ودعماً للقضية الفلسطينية.
وهو من دعاة الإصلاح ونشر مبادئ العدل في البلاد العربية ومواقفه الوطنية معروفة.
أشرف على عدد كبير جداً من رسائل الماجستير والدكتوراه وتخـرَّج على يده العدد الكبير من الأساتذة الذين صاروا متميزين في البلاد العربية وخارجها.
والجميع يحتفظ له بعظيم التقدير والإكبار.
وكان يُـعـنَـى كثيراً في محاضراته بالمصادر، ويكلف طلبته بأعمال ومراجعات للكتب، وكان إذا رأى منهم تكاسلاً غضب بشدة.
وكتبه تترجم أراءه وأفكاره، وتوضح منهجه في البحث، وطبعاتها عديدة، آخرها ما قام به الأُستاذ الدكتور خير الدين حسيب في مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، حين أصدر أعماله الكاملة، وظهر منها ثلاثة عشر جزءً، عدا تحقيقاته.
حاز على عضوية أشهر المؤسسات العلمية:
فهو عضو في المجمع العلمي العراقي من سنة 1963م.
وعضو شرف في مجمع اللغة العربية الأُردني.
وعضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) في الأُردن.
وعضو مراسل في مجمع اللغة العربية في دمشق، والقاهرة.
وعضو جمعية المستشرقين الألمان.
وعضو في المنظمة العربية للترجمة.
وشارك في الكثير من المؤتمرات العلمية العربية والدولية، وخاصةً تلك التي تحمل طابعاً قومياً إسلامياً إصلاحياً.
وحين تَـقَـدَّمَ الأُستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت إلى قسم التاريخ والآثار في الجامعة الأُردنية سنة 1972م باقتراح لعقد سلسلة من المؤتمرات تتناول تاريخ بلاد الشام خلال العصور العربية الإسلامية كما ذكر في مداخلته المنشورة في كتاب (عبد العزيز الدوري مكرماً أوراق وشهادات) ص68، تَـبَـنَّـت الجامعة ذلك الاقتراح، وعقد المؤتمر الدولي الأول في نيسان سنة 1974م، ومنذ ذلك التاريخ توالى انعقاد المؤتمر بالتناوب ما بين الجامعة الأُردنية وجامعة اليرموك من جهة، وجامعة دمشق من جهة أُخرى، وأصدرت لجنة تاريخ بلاد الشام في الجامعة الأُردنية 36 مجلداً.
وتولى الدكتور الدوري رئاسة لجنة تاريخ بلاد الشام حتى عام 2001م.
وعندما كُـلِّـفَ الأُستاذ الدكتور البخيت سنة 1993م بإنشاء جامعة آل البيت في الأُردن، كان الدكتور الدوري عضواً في مجلس أُمنائها، وصاحب دور كبير في تحديد أهدافها وتوصيف مواد متطلبات الجامعة المعبرة عن المذاهب الإسلامية الثمانية.
وذكر أن معظم تشريعات الجامعات الأُردنية على مستوى نظم أعضاء هيئة التدريس والدراسات العليا والبحث العلمي هي من وضع وصياغة الدكتور الدوري.
والمعروف أن الجامعات التي قامت في دول الخليج أخذت بقوانين الجامعات الأُردنية وأنظمتها، وبالتالي فأثر الدكتور الدوري واضح في الارتقاء بمستوى الدراسات العليا في جامعات الدول العربية أيضاً.
وساهم في العديد من المشاريع البحثية لمؤسسات أكاديمية عدّة، منها مشروع الفهارس التحليلية للاقتصاد الإسلامي (مكتبة صالح كامل) الذي تبنته مؤسسة آل البيت منذ عام 1986م، وتولى د. الدوري الإشراف على هذا المشروع فأولاه جل اهتمامه، لعلمه أن الكثير من كتب التراث تحوي معلومات اقتصادية لا يعرفها إلَّا المختص، فأرادها في متناول الباحثين، فأدار فريقاً من الباحثين نجحوا في إعداد ثلاثين جزءً من تلك الفهارس، وطبعت في أربعة مجلدات ضخمة بعنوان: (الجامع لنصوص الاقتصاد الإسلامي).
وللدوري جهوده في لجان مجمع اللغة العربية الأُردني ورفد مجلته. ورفد مجلة (الندوة) التي كان يرأس تحريرها الأُستاذ البخيت.
نال العديد من الجوائز لمكانته العلمية في الأُردن وخارجه منها: جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية سنة 1984م. وجائزة المجمع العلمي العراقي.
ونال وسام التربية الممتاز من الدرجة الأُولى، وهو وسام جلالة الملك حسين. ولقب الأُستاذ المتميز من الجامعة الأُردنية سنة 2008م.
والجائزة التقديرية من مركز الأبحاث للتاريخ والفنون الإسلامية في إستانبول سنة 1988م.
وجائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، للثقافة العربية سنة 2000م.
وحصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة مارتن لوثر الألمانية في مدينة هالي، لما يتمتع به من مكانة علمية رفيعة.
وأقامت مؤسسة عبد الحميد شومان له حفلاً تكريمياً كبيراً تكلم فيه كبار الأساتذة في الأُردن وطلابه، وأطلقت عليه لقب (شيخ المؤرخين العرب). وقد حضرتُـه وكان حفلاً مهيباً.
والشهادات فيه من قبل أكابر الأساتذة وأجلاء المثقفين لا تحصر. وكلها تُجمع على أنه أُستاذ الأجيال، ورائد الدراسات التاريخية، وأحد أبرز رؤوس الفكر العربي الحديث( ).
ومن أجل تلك الجهود الكبيرة:
وُضِـعَ اسمه كعلم بارز في دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة الإنجليزية)، وفي موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين لحميد المطبعي، وفي WHO’S WHO ( ).
أُسرته:
في سنة 1950م تزوج السيدة راجحة بنت محمد أمين بن عبد الغفور الصالحي، وهي ابنة خالته.
وأبوها مؤسس (فوج موسى الكاظم)، وهو الفوج الأول في الجيش العراقي، إبان تشكيله في 6/كانون الثاني/1921م.
وكانت مدرّسة لمادة اللغة العربية في التعليم الثانوي.
وعُـيِّـنَـت مديرة ثانوية الحريري للبنات في الأعظمية، وهي من أعلى المدارس شأناً في بغداد.
والتحقت بزوجها مع أولادها، وأقامت معه في عَـمَّـان.
وأنجبت منه أولادها الأربعة في بغداد وهم:
1- الدكتور زيد. وهو طبيب جراح عظام.
2- الدكتورة هدى. وهي طبيبة – ماجستير فايروسات.
3- الدكتورة بشرى. وهي أُستاذة، دكتوراه بالهندسة الكيمياوية.
4- الدكتور طه. وهو أُستاذ، دكتوراه بالهندسة المعمارية.
وفاته:
توفي الدكتور عبد العزيز الدوري في الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 13 من ذي الحجة 1431هـ (اليوم الرابع من عيد الأضحى) = الموافق 19/11 تشرين الثاني/2010م.
عن عمر بلغ واحداً وتسعين عاماً.
وبقيت ذاكرته على حالها لم تتغير إلى حين وفاته.
وصُـلِّـيَ عليه في اليوم التالي (السبت) بعد صلاة الظهر في مسجد الجامعة الأُردنية.
وشُـيِّـعَ في موكب مهيب حضره جمع كبير من المسؤولين في الدولة، وزملائه من الأساتذة، ومعارفه من أعيان الدولة السابقين، وعدد ليس بالقليل من طلابه.
ودُفِـنَ في مقبرة سَـحَـاب في عَـمَّـان.
وبدأ مجلس العزاء في مساء هذا اليوم السبت في قاعة جمعية خليل الرحمن بالصويفية لمدة ثلاثة أيام.
وهكذا انطوت حياة هذا العالم الجليل شيخ المؤرخين العرب. أسكنه الله تعالى فسيح جناته، إنه سميع مجيب.
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم
كتبه
أ. د. قحطان عبد الرحمن الـدُّوْرِيّ
كلية الشريعة والقانون – جامعة العلوم الإسلامية العالمية
عَـمَّـان – المملكة الأُردنية الهاشمية