أدب وفن

دينامية حضور ثيمة الموت في المجموعة القصصية ( موت الاسم ) للقاص هيثم محسن الجاسم قراءة:- عبد الكريم عيسى

الشبكة مباشر


دينامية حضور ثيمة الموت في المجموعة القصصية ( موت الاسم )
للقاص هيثم محسن الجاسم
قراءة:- عبد الكريم عيسى

على وجه العموم , لابد من الاشارة الى ان القاص (هيثم الجاسم) قد استقى موضوعات مجموعته القصصية ( موت الاسم ) من وقائع الحياة العراقية لفترة الثمانينيات و التسعينيات للقرن العشرين والسنوات الثلاثة الاولى من القرن الواحد والعشرين التي سبقت عام التغير 2003 , وما فيها من تراجيديا الحروب ومأساة اعوام الحصار , وما رافقها من ظروف ظلامية وقمعية وقسرية جائرة , فضلا عن التصدع المرعب للمنظومات القيمية المجتمعية .
وفي (موت الاسم ) يلفت نظرنا بمهارة قصصية و سردية باذخة, بمساحة من الايماءات لتشظي دلالي واسع الى موت سياسات ومبادئ واوطان وقيم واحلام وامنيات انسانية . فياخذنا العنوان الرئيس ( موت الاسم) كنص موازٍ الى مديات من البحث والاستكشاف داخل نصوص المجموعة . اذ ياتي كمفتاح رئيس لكل نصوص هذه المجموعة. اضافة الى ذلك , يغذي هذا المنحى قوة الترابط والتماسك والتجانس للمتواليات السردية اللسانية بمستوياتها الصوتية والمفرداتية – وبناها الجملية وحضورها الفاعل في السياقات العامة للبنى النصية.
وينجح الكاتب ( الجاسم ) بتضفير المشهدية الواقعية في موحياتها البصرية والحسية وظلالها الاجتما _ نفسية والاجتما – ثقافية :
” بالكاد, اسمع شخير البحر , علا نفخ الريح في الاحراش المترامية على الشاطئ , وكنست كومة ملابسي بعيدا عني , بركت على ركبتي اتنفس زفير البحر . بينما اخذ اشعت الشمس تسلل بين جذوع النخل تنشب سهامها النارية ببقايا الليل , قصة رأفة البحر , ص 16 ”
كما يستوحي تشكيلات قصصه من عالم الواقع لرسم عوالم الموت . فالموت هنا واحد من الثيمات الرئيسة لقصص المجموعة , يبث من خلاله الاوجاع والمعانات من مواقف الحياة و تحولاتها وما فيها من تدافع للصيرورات الانسانية . فيحيلنا موت الاسم الى القهر والاستلاب و الاغتراب :
” كان الظلام يتسلل من المناطق الى مناطق الضوء ملتهما الاشياء , تدفعه ريح عاصفة مزمجرة حتى استولى على كل شيء كالأخطبوط , رأى المستنقعات , قصة الراكض الى حتفه , ص 34 ”
فنلاحظ تناسلا في متوالية المسرودات الى (موت الاسم) بأشكال وتمظهرات شتى.
ومن بين تقنيات التأليف لدى السارد ( هيثم الجاسم) هي الاستفزاز لشتى مديات المعطيات الثقافية بفوارقها الفردية لا عطاء تنوع من التصورات تساعد في افق التأويل وتعددية القراءة دون الوقوع في ورطة القراءة الواحدة وقمع انفتاح النص.
وتتسم قصص هذه المجموعة بإيجازها البلاغي وتكثيف المعاني واسلبة الواقع واستشراف المستقبل والتحاور التناصي المنتج من استضافة وامتصاص نصوص محايثة بشتى مستوياتها الشعبية والتأريخية والحكواتية واسطرة الحكي . وبكثافة سردية, يختزل الاحداث المفصلة والوقائع بكل ظلالها النفسية والاقتصادية والاجتماعية وبموائمة فنية عالية مع طبيعة الصراع و ما ينجم من واقع الذات والمجتمع فتعمل مسروداته لتسويق الرؤى الادبية _ الفنية ووضع المعطيات الخارجية في خاناتها المناسبة بدأً من الافراد وأهوائهم وصولا الى المؤسسات والمجتمعات ينذر بالموت والاحتراق في موقد حطبه احلام وامال صفر حائلة اللون كأوراق الخريف الساقطة لتسحقها اقدام العابرين , قصة العيادة الطبية ,ص56 ”
وتأخذ شخصياته القصصية ادوارا متغايرة ايجابا وسلبا بتنوع احداثها وتشكلاتها الثقافية وتصعيد فاعليتها في سيروراتها كركائز لتطور المجتمع . ومن خلال المضمرات اللغوية لمسروداتها وأن تفاوتت في الامتلاء وتين والثبات الكامن , وتعمل كعناصر حاملة لأيديولوجيا وفقا لسير نمو الاحداث. ويأتي ذلك من خلال التسلكات الذاتية المتحفزة نحو قصدية التلميح والتوجهات, حينا او ممتزجة بتدخلات السارد العليم حينا اخر. وغالبا ما يلجأ الكاتب (هيثم الجاسم) الى توسيع مساحة حرية تعددية الاصوات في افعال شخصياته دون ان يفرض سطوته على تعدد وجهات نظرها وما يفيض منها من معاني وانثيالات لعواطف واحاسيس, فيحضر معها ويشاركها خصائصها ومشتركاتها وكينوناتها ومصائرها مندمجا في الاتفاق حينا والاختلاف حينا اخر . فيتجسد في هذا المنحى المستوى الديناميكي الحركي , تحديدا في اشارته الى حركة الرموز ودلالاتها ومدلولاتها من منطلق ستاتيكي ثابت ومنطلق متحرك براغماتي ديناميكي:
“ارجو ان تفهمي شيئا واحدا : لن ادع حياتي ينهشها الروتين الممل .. سأبقى احلم الى اخر العمر. لن اشيخ ابدا . حتى لو تهدم جسدي. الحياة منذ الازل تتجدد باستمرار .عمادها الحب , هذا هو السر العظيم الذي نثره الله فوق مخلوقاته لما باركها بعد الخلق , حب وحرب,ص48 ”
وتتسم نصوص (الجاسم) القصصية القصيرة باحكام البناء ووحدته العضوية ويأتي وصفه مرتكزا على ملاحظاته الدقيقة في حراك نماذجه الانسانية المنتمية غالبا الى الطبقات المسحوقة , متتبعا احداث قصصه المفضية الى الايهام بالواقع. بذلك يميز بين الحقيقة الواقعية والجمالية الفنية, فيموضع شخصياته داخل المكان مبرزا سماتها على الخريطة الاجتماعية وملامحها النفسية والاخلاقية مغذيا ذلك بتسويق الاحداث. وينجح في توظيف الجزئيات الهامشية بطريقة فاعلة بمنحاها الدرامي ملفتا الانظار اليها بقوة . وبتقانة العزل والتحديد يختار احداثه ويبدا من لحظة توتر الشخصية ليمضي بها الى التفجر . وتتمركز قصصه حول رؤية جوهرية . لذا تجري بخط سردي متماسك ومترابط كما تتجسد في قصص ( الجاسم ) الخصائص الاساسية في وحدة الاثر والخطة اللازمة واتساق التصميم . فتخلو نصوصه من التراخي والتبذير اللغوي كتعدد المسارات والتكرار الممل . وعلى الاعم , تميل كفة السرد القصصي لديه الى التركيز على تعاقب المفارقات وجدل النقائض وتراكم الايحاءات . مما يجعله موفقا في تقديم لغة حافلة بالتكثيف والمكاشفة واستبطان تفاصيل الواقع , سيما , واقع مأساوي يرزح تحت سطوة الحرب والحصار , مستعينا بالقراءة الجمالية للاشياء وقراءة الذات وانعكاساتها على الواقع فتمتزج في لغة نصوصه الوقائع بتشابك سردي يتمثل عبره صراعا دراميا تتجوهر فيه الشخصيات وتتعدد الامكنة وتكمن خلاله العقد والحلول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى