عندما بعث الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم موسى إلى فرعون ومَلَئِهِ يدعوهم إلى التوحيد وترك عبادة المخلوق والاتجاه إلى عبادة الخالق أخدت العزة من نفس هذا النبي الكريم ( لأنه كان عليه السلام كليم الله وهو على
اتصال مباشر مع ربه دون وسيط) فتصور أن لا احد يعلم أكثر من علمه في الأرض ثم توجه إلى خالقه العظيم جلت قدرته بالسؤال عن إمكانية وجود من يعلم أكثر من علمه في هذه الأرض فهداه الله العزيز القدير إلى ذلك العبد
الصالح الذي رافقه في رحلة بحريه عظيمة أعطته من الدروس والمواعظ مالم تخطر ببال موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كما حدثتنا به سورة الكهف الكريمة في قراننا المجيد حيث كانت قصة السفينة التي خرقها
وقتله لذلك الصبي الجميل وإقامة جدار اليتيمين التي ما استطاع أن يصبر عليها نبي الله موسى عليه السلام ومن الروايات التي تروى عن ذلك العبد الصالح والذي يقال انه الخضر عليه السلام انه جلس على شاطئ بحر مع
احد الصالحين فشاهدا طيرا يهبط إلى البحر واغطس منقاره الصغير في ماء البحر وحمل قطرة من الماء فمسح بها على جناحيه ثم طار من المشرق إلى المغرب فسأل الرجل الصالح سيدنا الخضر عليه السلام عن ما رأى من
ذلك الطير فأجابه عليه السلام بأن هذه القطرة التي علقت بمنقار الطير هي مقدار العلم الذي وهبه الله عز وجل للبشرية جمعاء من بحر علمه وفي مجالات الحياة كلها لذا فأن العلم موزع على أبناء البشرية ولكن لكل منهم
تخصصه في مجال من مجالات العلم الدينية والدنيوية أي إن الفرد لايمتلك كل تلك العلوم وإنما جزء منها وهكذا غيره من الإفراد وان لا عالم لكل العلوم إلا الله سبحانه وتعالى.
وعليه ونحن نعيش عصر الرياء والتفاخر والادعاء بالعلم بكل شئ نجد عندما ندخل في حوار مع احد المقربين أو المتخصصين في موضوع اختصاصه أو نستفهم منه عن معلومات تهمنا ونحن نعلم أن لهؤلاء المحاورين باع لابأس
به في موضوع النقاش وإذا بأحد الحاضرين الكرام يبرز لك عضلاته الفكرية ليعبر لك عن معرفته الكاملة بموضوع تلك المناقشة دون الطلب منه وبدون استئذان وهو لا يعلم عنها أي شئ ويدخل معك ومع الحاضرين في حوار ليس
له أول ولا آخر لمجرد أن يظهر للناس انه يعلم كل شئ عن أي شئ في الحياة الدنيا وربما الحياة الآخرة فهو يعلم في التاريخ والسياسة والقانون والدين والطب والكيمياء والفيزياء والأحياء والفنون والرياضة والشخصيات والخطط
والبرامج الدولية…الخ وهو ربما لا يعلم شيئا حتى فيما يتعلق بالعمليات الحسابية الأربعة ولكنه لشدة رغبته في الرياء ألمعلوماتي يدس انفه في كل حوار يدور بين شخصين ويتصور انه إذا لم يعرف شيئا عن موضوع الحوار
وان لم يبد رأيا فيه فأنه يعتبر ذلك نقصا في شخصيته أو ربما يحسبه شيئا معيبا له بينما الحقيقة هو أن التدخل في كل مناقشة أو مجادلة من دون علم بتفاصيلها هو العيب نفسه فكلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل
الإنسان متكاملا في علومه الدينية والدنيوية فالكمال لله وحده وإنما جعل لكل فرد من بني البشر تخصص في مجال من مجالات الحياة ليكمل احدهم الآخر وبذلك تسير سفينة الحياة بأمان وتوازن فليس عيبا أن نقول لا نعلم أو لا
نعرف ولكن العيب في أن ندعي المعرفة بكل شئ فقط لأجل الاشتراك وإبراز الذات أمام الناس . والاعتراف بالقصور لا يعد قصورا بل فضيلة يحمد عليها صاحبها كالاعتراف بالخطأ الذي اعتبرته الحكمة العربية فضيلة وليس ذنبا
فالادعاء بكل العلم ناتج عن عدم الفهم.
ربما تكون تلك الحالة مقبولة نوعا ما إذا كانت من جاهل أو أمي لأنه قد يشعر بنقص ما في جزء من شخصيته ويحاول التغطية عليه بهذه الطريقة أو تلك ولكننا نجد الكثير من حملة الشهادات العالية يمارسون نفس السلوك
وبذات الفضولية التي تشمئز منها النفوس مما يضطرك أو الطرف الآخر من الحديث إلى الانسحاب أو إنهاء المناقشة التي يفسدها تدخل مثل هؤلاء الطفيليين ادعياء العلم وهم أجهل الناس به .