أدب وفن

قصة و عبرة _ من الأدب العالمي _

#الشبكة_مباشر_مسقط_م أزهار القيسي

كنت أتمشى بجانب الطريق السيّار وإذا بي أرمق جنازة تحت الخُطى .
لحظات قليلة حتى صُرت وسطها فغدوت من المشيّعين ، ثم أحسست بقرع على رأسي فصحت إهدأ نحن في جنازة..!
ردّ عليّ صوتٌ خافت : أعلم .. فأنا الميّت ..!!
إلتفتُّ فإذا بهِ فعلاً يطلّ من تابوته ويسألني : ماذا تفعل في جنازتي أيها الغريب ؟
تلعثمت وأجبته .. سيدي الميت إن طريقنا واحد لغاية المنعطف القادم .
إبتسم وقال لي : وكم بقي لك أنت من عمرك لتموت ؟
أجبته : أتفهّم صدمتُك .. لكني في كامل صحتي ولا زال العمر أمامي أعتقد .
ضحك مني حتى كادت ترجع إليه روحه وقال :
يا أحمق ألا ترى أني أصغر منك سناً ولم يشفع لي ذلك لأعيش .
لحظتها إنتابتني قشعريرة وإلتزمت الصّمت أفكر في صدِق كلماته .
لكنهُ قاطع تفكيري وهمس لي ..!
لا تخف فالأقدار تمشي لما رسمت له ، ثم إن الموت ليس كما يبدو ..!
فسألته : وهل يمكنك أن تُخبرني بماذا شعرت ؟ .. تغيّر شُحوبه وهمس : آاااه الموت يشبه الحياة ..!
شددّت على يدهُ الباردة وقلت له أفصح سيدي .
نظر إليّ في شرود وقال : تنزل الرّوح بالمرأة ثم يقع الحمل ، ثم الوضع .
وكذلك الموت .. تصعد الروح ويقع “الحمل” فوق الأكتاف ثم ” الوضع ” في القبر ..!!
عجيبٌ ما تقوله ولكنه عين العقل .
لكن لما نحب الحياة ونكره الموت ..؟
أجابني : ألم تسمع بأن الناس أعداء ما جهِلوا ..؟
قلت له صدقت وأردفت ، أيمكنك أن تُخبرني كيف أحسست بالموت وهو يقبض روحك ..؟
تبسّم إبتسامة من يدرك كنه الأشياء ، وردّ علييّ ببرودة .
هذا السؤال لا يُفكّر فيه إلا بشريٌ تائه .
قلت له وكيف ذلك ..؟
فأجابني : أغلب الناس يمضون عمرهم في طرح الأسئلة الخاطئة ، يا صديقي من أراد أن يجتاز النفق الضيّق بدون ألم ، فعليه أن يأتيه صائماً من الشهوات والمُتع .
لحظتها علمت أن كل ما تعلمته لم يكن يساوي شيئاً أمام كلمات ميّت حكيم .
كان الجو جنائزياً ، فأردت أن أدخل عليه بعض البهجة وصارحته ، لم أرى قطّ جنازة متأنقة مثل جنازتُك .!
نعشٌ من خشب البلوط ، ولفّات كفنٍ من البياض ، أنا أغبطك يا صاح..!
ضحك الميت حتى ظهر كافور أسنانه وقال :
أجل فالأهل يهتمون بك ميتاً أكثر منك حياً ثم بكى .!
طبطبت على نعشه وقلت له :
لا تبك ، سوف يظنون أنك خائف .!
نظر إليّ وقال :
أقسى ما في الجنازة ، أن ترى أحبائك لآخر مرة وقد أمضيت عمراً تتلهّف رؤيتهم ولا يأتوك .
ثم همس لي ، أتسديني معروفاً ؟ قلت أجل بدون شك . فقال : إزرع شجرة صغيرة على قبري .
أجبته وفيما ستنفعك شجرة وأنت تحت اللّحد .؟
إغرورقت عيناه وصاح في آخر كلمات له بالدنيا .
أريد أن أسمع صوت النسيم على ورقاتها ، وشدو الطير على فروعها ، أريد من يؤنس وحدتي ، أنا خائف ياصديقي ، أنا خائف .
وصلنا المنعطف وتركت موكب الموت يحمل صديقي ألمُسجّى ، ووقفت أتأمل كلماته .
نمضي حياتنا في إنتظار الموت دون أن نعمل على استقباله وحين يأتي نندم على حياة أمضيناها دونما حياة .
“دع الموتى(روحياً) يدفنون موتاهم(جسديا)”

قصة وعبرة _ من الأدب العالمي _
الكاتب والروائي والأديب الكولومبي :

“غابرييل غارثيا ماركيز” .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى