في اليوم الخامس من تموز ٢٠٢٢ تكون الستون سنة من العمر قد اكتملت بإذن الله والمثل الشعبي العراقي يقول (عند الستين حضر السجين) آي عندما يبلغ الفرد الستين من عمره عليه أن يتهيأ للوداع فأعمار أمتي مابين الستين
والسبعين كما قال رسول الله الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ونادرا ما نجد من يصل إلى السبعين او يتجاوزها وجاء قانون التقاعد العراقي الجديد رقم (٢٦) لسنة ٢٠١٩ ليؤكد ذلك المثل الشعبي العراقي
حيث خصم من عمر الموظف العراقي الوظيفي ثلاث سنوات دون أي تعويض له عنها ليحيله الى الموت قاعدا قبل ثلاث سنوات مما اعتاد عليه العراقيون واغلب الموظفين في العالم .
ستون مضت دون ان نشعر بطعمها او نعرف معنىً لها فلا ندري كيف بدأت وكيف سارت وكيف مضت .
طفولة لم نكد نذكر منها شيئا ثم اكثر من ثلثها مضى في الدراسة بكل مراحلها الابتدائية والثانوية والجامعية ثم جزء مهم جدا منها وهو بداية فترة الشباب قد أخذته خدمة العلم رغم كل مافيها من أهمية في صقل شخصية الفرد حيث كانت
تصنع الرجال وتعلمهم كل معاني الرجولة على عكس ما نراه اليوم من ميوعة وتقليد بلا وعي لكل ما يرونه عبر التلفاز او النت وتفرعاته في اوساط الشباب اليوم بعد ان أُلغيت خدمة العلم الإلزامية ولولا ذلك الجَلَد والصبر الذي تعلمناه أثناء
خدمتنا العسكرية لما استطعنا تحمل اكثر من خمس تلك الستين في حصار ظالم جائر لم يشهد العالم له مثيلاً ولا تلك الفترة المظلمة التي اعقبت الاحتلال الأجنبي للبلاد والتي شهدت أبشع انواع الفتن عبر التاريخ حيث كان ثقلها يعادل كل
ما مضى من تلك السنين الستين أن لم يتفوق عليه ، ومع شدة الحصار كانت الحياة الزوجية ومسؤولية الاولاد وتأمين مستلزمات معيشتهم ودراستهم قد بدأت ورغم كل الصعوبات الامنية والاقتصادية تمكنا والحمدلله من إيصالهم الى الجامعة
وتخرجوا منها بفضل الله وكرمه.
وكان الثلث الاهم من تلك الستين عاما قد تأخر كثيرا بسبب كل تلك الظروف التي مر ذكرها حيث الوصول إلى الوظيفة التي عشنا اغلبها في زمن الفتن والاحتلال ومشاكل الديمقراطية التي لم نعرف منها سوى التوافق والتحاصص والتغانم
ولكن رغم كل ما عانيناه خلال الثلث الأخير من ستينيتنا إلّا أنها لم تخلُ من الكثير من الفضائل حيث تعرفنا على الكثير من الوجوه الطيبة التي نعتز بها مادمنا احياءً ، فيما صادفنا بعض قليل جدا من تلك الوجوه التي تختبىء خلف أقنعة الصدق
والصداقة والزمالة والحمدلله لم يكن لها إلّا وقع قليل لا يكاد يُذْكَر وسنبقى نفتخر بتلك الوجوه الصادقة فعلا من ذوات الضمائر الحية والقلوب النقية والنفوس الطيبة التي لم تُكَدِّرُها كل تلك الظروف الصعبة التي مرت على البلد فظلت محافظة
على نقائها وإخائها ووطنيتها .
وأخيراً وقد تمت إحالتنا إلى التقاعد او كما يسمى شرف المهنة في بعض الاقطار العربية او المعاش في بعضها الآخر فإننا نفتخر كل الفخر ونعتز كل الاعتزاز بأننا قد أدينا واجبنا الوظيفي بكل صدق وأمانة وحرص وتفاني وبشهادة كل من عرفنا
عن قرب او راقبنا من بعيد والحمدلله . نعم تقاعدنا وظيفيا لكن سيبقى قلمنا الحر الذي رافق الثلث الأخير من الاعوام والسنين الستين بلا تقاعد إن شاءالله