مقالات

مرايا …..بقلم الدكتورة سرى العبيدي

الشبكة مباشر

مرايا !!!!!!!!!
—————————
الدكتورة سرى العبيدي
سفيرة الجمال والطفولة والإبداع العالمي.

ماذا تفعل المرآة ؟
فبالإضافة إلى أنها ترينا مظاهرنا كما هي ودون أي مجاملة أو مداهنة ، فإن لها لسانا ناطقا يقول : هذا جميلُ وهذا غير جميلُ ، وهذا وسخ وهذا نظيف ، وهذا مقبول وهذا غير مقبول ، وهذا رث وهذا جديد ، فشهادة المرآة معتد بها ، لأنها صادقة ولأنها لاتكُن لأحد عداء إذا كشفت عيبهُ ، ولاتكن له مودة إذا أظهرت حسنهُ .
هذا هو حال المرآة السوية الصحيحة السليمة .
أما إذا كانت صدئة ، أو ملوثة ، أو مشوهه ، فإنها لاتريك وجهك كما هو ، لأن الصدأ يحجب ما في الوجه من حسن ، وربما يزيد في قبحهٍ إن كان قبيحا .
من طريف مايذكر هنا أن امرأة معروفة بالسرف على نفسها قالت للحكيم ( ذيوجانس) : ( ياشيخ ما أقبح وجهك ! فقال لها ؛ لولا أنك من المرايا الصدئة لبان حسن صورتي عندك ) وهكذا بعض الناس …
والمرايا كما هو معلوم اشكال وأنواع ، فإذا كانت المرآة مقعرة أو محدبة ، مصغرة أو مكبرة ، فإنها لا تظهر شكل الذي يقف قبالتها ٱلا مشوها ممسوخا وكأنه تعرض إلى حادث مؤسف قلب ملامحه .
وفي المحصلة كيفما تكون المرآة تكون الصورة ، ولهذا جاء الحديث الشريف يشبه المؤمن بأنه مرآة أخيه المؤمن ، وبالطبع فهو يريد المرآة السوية المستوية لا المرآة المشوهه المكبرة المصغرة ، اي أن المؤمن مسؤول عن نقل الصورة كما هي بلا تحريف ولازيادة ولانقصان ، فإن رأى مايسره من أخيه قال ذلك بصدق بعيدا عن التملق والمجاملة ، وإن رأى مايسوؤه منه فلا يتردد أو يسكت أو يكتم ذلك في نفسه .
والمرآة بعد ذلك كتومة إذا رأت منك مايشين فإنها لاتنقل ذلك للقادم الذي يأتي بعدك لتقول له إنها رأت في وجهك هذا العيب أو ذاك ، وهذا ما يجعلك تحب المرآة لأنها لاتحب الوشاية .
والأهم من ذلك أن المرآة بلا ذاكرة ، فهي لاتدون في ذاكرتها الصور القديمة ، وإنما تُظهر لك دائما ماهو آني ومباشر ، فإذا سبق لها أن رأت فيك عيبا ونبهتك إليه في حينها ، فإنها لاتعاود التذكير به ثانية وثالثة لئلا تجرح إحساسك ، فإذا جئتها لاحقا وقد أصلحت من عيبك فإنها تقوم شكلك بعد الإصلاح وتنسى منه ماكان قبله ، وهذا سبب آخر يجعلنا نحب المرآة .
المؤمن إذن كالمرآة .. لايفضحك أمام الآخرين ، ولاينشر مايراه من عيوبك بل يتكتم عليها ، إنه يصارحك بها لكنه يكتمها عن غيرك وكأنها سر من الاسرار التي لايجوز فضحها أو كشفها إلا لمن اطلع عليها .
بقي أن نقول ، إن المرآة لا تكشف فقط محاسن أو قبح المظهر الخارجي من وجه وزينة وشعر ولباس ، وإنما تُظهر جمال وقبح مانقوم به من حركات أيضا ، فإذا وقفت أمامها متزنا فإنها لاتتحيز ضدك وإنما تظهر اتزانك ، ووقارك كما هو ، وإذا وقفت إزاءها ورحت تقوم بحركات بهلوانية ، فإنها لاتبقى على الحياد ، بل تقول إنك أصبحت مثيرا للسخرية .
وهكذا تفعل المرآة الثانية : اخوك الذي يصدقك القول في الدين ، فإذا خطر لك أن تكذب المرآة وتخرج على الناس من غير اصلاح لهندامك فإنك ستقرأ انتقادهم في عيونهم ، وعندها لاتلوم إلا نفسك .
حديثُ المرآة هذا هو حديث النقد والنصيحة والتسديد .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى