
بين الاسود والابيض هناك منطقة رمادية .. رئيس مجلس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني .. يقف اليوم في منطقة وسطى ، لاهي سوداء ولاهي بيضاء ، هي فرصة ستكون معيارا واختبارا .. قضاء لا قدرا .. فأما ان يكون راعيا لمصالح ” الاطار” الذي دعمه وسانده بقوة .. او ان يكون مع الشعب الذي ينتظر منه ان يؤسس لدولة المواطن ، لا دولة المسؤول ، لسلطة الحق ، لا سلطة الفساد والكلام المعسول .
السوداني .. هو الرئيس السابع الذي وصل الى سدة الحكم ، بعد فشل الذين سبقوه ، وكان فشلا ذريعا مرعبا ومدويا ، بعد ان تحول العراق بسبب جهلهم السياسي ، وتبعيتهم للاجنبي .. الى دولة مسدسات .. بدلا من ان تكون دولة مؤسسات .
السوداني محمد شياع .. عليه ان يكون “رجل مرحلة ” ينقل العراق من حال الى حال ، و يحقق للشعب الآمال .. وتكون حكومته حكومة خدمات للحاضر والمستقبل والاجيال .. لينهي مسلسل الفشل المستمر الذي وقعت فيه احزاب الفساد والابتذال .
السوداني .. افضل ما فيه انه / من داخل العراق ، فلم يتسكع على السفارات ، ولم يستقوي بالاجنبي من اجل حفنة من الدولارات .. ولم يكن من ” الخوارج ” الذين انتفضوا ضد مباديء الامامة .. وتحالفوا مع اعداء العراق ، وعسكروا
المجتمع وكفروا بالقيامة.
تدرج السوداني في وظائفه .. من مدير للشؤون الزراعية ، الى محافظ ميسان ، ومن وزير حقوق الانسان ، الى وزير العمل والشؤون الاجتماعية ، الى وزير الصناعة وكالة ، الى رئيس لجنة حقوق الانسان لاحقا .
يوصف بأنه .. السياسي الواثق من نفسه يحسب خطواته بالمكان والزمان ، معتد بشخصه بفطنة وامعان ، لم تظهر ضده ملفات فساد في اداراته ، في طيلة سنين استئزاره .
ينتمي الى عشيرة جنوبية عريقة ، هي عشيرة ” السودان” عرف ابناؤها بالتقوى من دون تعصب ، وفي الزهد من دون تحدب ، وفي السياسة من دون تشدد .
لم يخرج احد من ابنائها “مهوالا” للزعيم الصيرورة ، و لا للقائد الضرورة .
ومن حسنات عشيرته .. ابتعادها عن الطائفية .. و نبذها للحروب العشائرية ، فعاش الجميع معها وبينها ، بود بلا خوف ولا حيف ، ولا نزعة استعلائية .
اذا احسن السوداني .. قيادة الدولة بتوازن سياسي ذكي ، ونفس وطني ، ويكون رئيسا لكل العراقيين ، فهي فرصته التاريخية ليكون “بطلا قوميا ” شرط ان يبتعد عن وصايا وضغوط دهقنة الاطار ، وان لا يستعدي ابناء التيار ، ويحافظ على حقوق التشرينيين ..الشهداء منهم ، والجرحى والمعوقين الابرار .
من ضمن واجباته .. تطبيق قانون “من اين لك هذا” ليعيد اموال العراق المهربة ، الى خزينة الدولة .
الثابت .. ان من اخطر التحديات التي ستواجهه .. القدرة في خروجه من واقع اللادولة ، الى منطق الدولة .. فيعيد هيبة افراد الجيش ورجال الأمن ، وسلطة القانون والدستور ، وينهي رعب وسطوة الميلشيات ، و يقضي على مافيات المخدرات .. وان يجيء بوزراء اقوياء ووطنيين .. من غير احزاب السلطة الفاسدين ولا الراكعين ، وهذا هو المؤشر الاول ان كان السوداني من الصادقين .
اما السلاح المنفلت .. فهو الاخطر ، واعظم التحديات .. وسيكون له اختبارا كبيرا ومستعجلا ، وقياسا لنجاحه كرئيس لسلطة تنفيذية ، وقائد عام للقوات المسلحة .
كل الرؤساء الذين سبقوه.. قطعوا الوعود، تلو الوعود ، لحصر السلاح بيد الدولة .. لكنهم لم يوفوا بوعدهم ، فانفلتوا مثل انفلات السلاح ، وفشلوا مساء صباح ، حتى صاروا وبالا على الشعب والدولة ، وخطرا ماثلا على سلامة البلاد ، وتمنيات العباد .
طرق سمعي .. وبعد دقائق من تكليفه .. ان المكالمات قد انهالت عليه مثل المطر ، وعليه ان لا يصاب بالغرور والبطر ، فرموز وحيتان الفساد ، لهم من الغايات الشريرة والمصالح الكثيرة .. ما تتعارض ومصالح الشعب .. وهنا يبدأ الامتحان .. فأما المجاملة على حساب المباديء ، واما التمسك بقيم المسؤولية والايمان ..
.& انتهى ..
د. كاظم المقدادي
14 أكتوبر 2022