مقالات

نظرة إستراتيجية لمستقبل التعليم العالي في العراق..

#الشبكة_مباشر_بغداد_ د.صلاح النعيمي

يوما” ما ، سألني أحد السادة الوزراء .. لماذا سمي التعليم الجامعي ، تعليما” عاليا” ؟

أجبته وأنا استلهم سنوات خبرتي ، في التدريس أستاذا” جامعيا” ، وما توافر عندي من معلومات خلال أشغالي لمناصب عديدة في التعليم التقني و الأكاديمي و ديوان الوزارة  ..

قلت له مبتسما” ، أن الجواب يرتبط بمسألتين مهمتين :

أولهما أن التعليم العالي يأتي بعد مراحل دراسية متعددة في الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية ..

لذلك فهو يشكل حلما” وطموحا” لكل طالب وعائلته .

كما سمي التعليم عاليا” ، وفقا” لفلسفة المنافسة في العلم ، كونه يمثل  التدرج المنطقي للنخبة والمتميزين ، الذين ينبغي أن يتفوقوا ( بجهودهم الذاتية ) على أقرانهم وزملائهم .

لذلك قيل أن التعليم العالي ، يمثل المسار الحقيقي لصناعة جيل مثقف سلاحه العلم والمعرفة في خدمة مؤسسات الدولة والنهوض بمتطلباتها ..  ويعد الأساس في تقدم المجتمعات.

لقد توافرت لنا فرص زيارة جامعات عريقة في عدد من دول العالم المتقدمة .. وجدنا فيها ( أنظمة مرنة) تعالج حالات الطلبة الذين لاترتقي مهاراتهم ومقدراتهم العلمية مع مستوى الكليات التي يدرسون فيها ، فيتم نقلهم الى معاهد أقل مستوى وبنفس التخصص ، في حال فشلهم في اجتياز السنة الدراسية الأولى ..

وعند الفشل في دراسة المعهد ، يتم اشراكهم في مناهج تطوير مهارية لمدة ستة أشهر ، يمنحون بعد اجتيازها ، شهادة تدريبية تؤهلهم للعمل في القطاع العام أو الخاص .

لقد عمل مفكروا الادارة والانتاج  وأصحاب المصانع منذ عقود ، على كيفية فرز المنتجات المعيبة (ذات المواصفات الرديئة) باتجاه التحسين وضمان الجودة ..

حفاظا” على سمعة المصنع وبالتالي سمعة منتجات بلدانهم ..

وبالعودة الى مسارات التعليم ،  ينبغي أن نقف كثيرا” أمام انتاج مخرجات لاتمتلك المواصفات المطلوبة .. حفاظا” على سمعة التعليم والسمعة الوطنية .

المشكلة في بعض الدول العربية ، ومنها العراق ، أن الطالب سيجتاز الكلية التي نسب اليها (بصفة شبه مطلقة) نتيجة التمسك بالأنظمة الجامدة واعتماد القرارات الآنية دون وجود مسارات استراتيجية للتطوير والنمو .

ويوما” بعد يوم ، تسبب ذلك في تدني مستوى الخريج وضعف مهاراته أو محدوديتها ، ولمختلف الاختصاصات ..

كما أن تجاوز أعداد القبول للطاقات الاستيعابية والامكانات المتاحة ، أوجد ضغطا” كبيرا” على ادارة المؤسسات الجامعية والهيئات التدريسية .. سيما في الدراسات العليا ، حيث التوسعات ومنح الدرجات للنجاح ، فأصبح الأستاذ الجامعي رهين ثقافة وقيم جديدة لمصطلحات دخيلة ، أساسها التساهل وضرورة

نجاح الطلبة على اختلاف مستوياتهم .

هذه الأمور بمجملها تعارض فلسفة التعليم العالي ، الذي يعد من أبرز واجباته ، تخريج كوكبة من  المؤهلين بقابليات تسهم في دعم متطلبات سوق العمل .

عموما” ، فإن التعليم العالي في معظم دول العالم ، يشهد تراجعا” في مقدار الثقة الممنوحة للشهادات الجامعية ، بسبب طغيان الفلسفة الرأسمالية ووضع التعليم في خانة المجالات المربحة ،

فشهدنا استسهال منح الشهادات الجامعية ( الأولية والعليا) وظهور العشرات من المجلات(العلمية) الزائفة، التي تمنح قبول النشر لبحوث  لاتتوافر فيها أبسط الاشتراطات  ، ما أوجب تزايد مؤسسات ضمان الجودة ومعايير الجودة التي تسعى الى اعادة الأمور الى نصابها .

ختاما” ، يمكن القول

أن التوسعات وتعدد الأدوار والفرص ، موجودة في بعض جامعات العالم ، لكن الاختلاف .. أنها لاتأتي نتيجة ضغوط( كما يحصل لدينا ) ، وأن الفرص الممنوحة ، يتم حسابها على أساس الطاقة الاستيعابيةوالامكانات العلمية  ( حرصا” على المستوى العلمي)..

والأهم من كل ذلك ، أن تبقى اشتراطات أداء الاختبارات هي الأساس ، بحيث ينجح من يجتاز الأسئلة الموضوعة ، وعلى الطالب أن يجتهد ويقرأ لكي ينال النجاح .

مايحصل في بعض الجامعات العربية ، و لاسيما العراق   ..

أن تعدد الأدوار الامتحانية ، تعني فرصة للنجاح شبه المؤكد ، وأن على الأستاذ الجامعي أن يتساهل في وضع الأسئلة ويتساهل في التصحيح ، ثم يتم منح المتأرجحين درجات بقرارات من أعلى .

تلك المسارات تتعارض بالتأكيد ، مع  تخريج طلبة مؤهلين ( يمتلكون العلم والمعرفة والمهارة ) للنهوض بحاضر ومستقبل البلاد .

وخلاصة وجهة النظر المطروحة ..

أن التعليم العالي ، ينبغي أن يكون مسارا” لتمييز من بإمكانهم أن ينهضوا بالاقتصاد الوطني ويدعموا خطط ومسارات نجاح مؤسسات الدولة والقطاع الخاص .. باتجاه بناء سمعة وطنية ..

إن التوجه نحو تسهيل الحصول على الشهادات الجامعية ، أدى الى تزايد أعداد الخريجين(محدودي القدرة والمهارة ) ، ومضاعفة عددهم مقابل فرص العمل المحدودة .. مايعني مزيدا” من الاضطرابات الجماهيرية للذين تتفاقم أعدادهم سنويا” ، في مقابل حلول جزئية لاتستوعبها امكانات الدولة ومؤسساتها ..

فضلا” عن أن سياسة تغليب( الكم) على( النوع) ، غالبا” ماينتج عنها مخرجات يكون ضررها أكثر من نفعها ، لاسيما في التخصصات الطبية والهندسية وغيرها ، فخريج بلا مهارة وتخصص سيعمل كوارث مجتمعية في مستقبل مجهول .

كما أن الضوابط والاشتراطات والمعايير .. تعد الأساس ، الذي لاينبغي التساهل فيه لبناء منظومة تعليم متماسكة ، تدعم القيم الجامعية وتهيئ لبناء الانسان على الأسس الصحيحة  .

الله والوطن من وراء المقاصد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى