مقالات

الرئيس المخمور

#الشبكة_مباشر_بغداد_د كاظم المقدادي

تأخرت كثيرا … دون الحديث عن الخمرة واهوالها ، واستمرار الضجة التي تدور حولها ، وجدوى منعها واجتنابها .. وكيف ان اقليم كردستان سيرعاها ويرحب بها ، ويتاجر بها ، وسيكون المركز الذي ينعش وينتعش مغذيا السوق السوداء .. في الوسط والجنوب والجهات الاربع ، بلا خجل ولا استحياء .

للعلم فقط .. ان العراقيين اول من صنع الخمر في العصر البابلي ، وتوجد في المتحف البريطاني “جدارية شيقة” لبابليين يركبون قاربا وفي ايديهم آنية خمر وعناقيد عنب ، ويبدو انهم في حالة احتفالية وانتعاش وغناء وحيوية .

وللعلم ايضا .. انه ومنذ أكثر من 6 ألاف عام، كان العراقيون القدماء في بلاد مابين النهرين ، قد اكتشفوا البيرة وشربوها ، وسكروا واسكروها .. وهناك مئات من الألواح الطينية والقطع الاثرية التي سَجلت طرق صناعة البيرة وشربها.، كما وُجدت أكواب وآنية لشرب الخمرة وتصنيعها .

وكانت “مسلة حمورابي ” قد أولت اهتماما خاصا بالخمرة ، فأوردت قوانين تفصيلية لتنظيم صناعتها وتوزيعها وطرق شربها، وقواعد لساقيات الخمر وبيوتهن، وعقوبات قاسية بحق من يغشها أو يخالف ويتلاعب بقوانينها .. ولعل اخر ما وصلنا من اكتشاف ، العثور على “حانة ” لشرب الخمور ، في مدينة اور .

وفي العراق قديمه وجديده .. استمر احتساء الخمرةً على ممر العصور ، الى ان جاء الاسلام ، بآياته الصريحة ، التي تدعو لأجتناب الخمر بالتقسيط المريح ، مع الاعتراف والتأكيد ما للخمرة من منافع للناس ، في صنعها وبيعها والاتجار بها .

يذكر ايضا .. ان رجالات العهد الملكي في العراق .. كان اغلبهم يحتسي الخمرة وعلى رأسهم الباشا نوري سعيد .. الذي ترأس الحكومات العراقية المتعاقبة ب 14 وزارة ، وهو يعاقر الخمرة ، دون ان يخطأ بصياغة قرار حكومي واحد كان قد اتخذه .

ويحكى عنه ايضا .. تفضيله العرگ الوطني على الاجنبي ، شرط ان تأتيه الزجاجة ، صافية زكية ، وعلى درجة مرضية من التقطير بطريقة بهية .. وكان اغلب وزراء الداخلية في العهد الملكي يأمرون الشرطة بوضع ” الكلبچة” بيد كل سكران يزعج الراعي والرعية ، ولم تكن الكلبچة عقوبة على ادمانه ، بل لوقفه من الامعان في شتم الحكومة السعيدية .. ومن يومها اطلق على مشروب العرگ صفة ( ابو الكلبچة) .

بعد هذا التاريخ “المبجل” للخمرة وتاريخها ومناقبها في العراق .. نجح بعض النواب السادة ، من تمرير قانون استيراد وتصنيع وبيع الخمور القادمة من تركيا ، لصالح المخدرات القادمة من ايران .. ولا اظن ان الشاعر ابو نؤاس سيتنازل بيسر عن الكأس .. لصالح مخدرات الوسواس الخناس .

ختم الكلام… الاتراك يحاولون قطع المياه الطبيعية عن العراقيين لاسباب سياسية ولمسح حضارة “بلاد ما بين النهرين” من الوجود .. والاحزاب المتنفذة تحاول منع المشروبات الروحية عن شعب فيه اقليات وحريات وعادات ، وثقافات شعبية ، ضاربة في عمق الحضارات العراقية .

واظن / وليس كل الظن أثم ..ان هذا القرار “السائل ” المنشور في “الوقائع العراقية ” بعد سبع سنين من هدنة خجولة ملتوية ، وبطريقة اقرب الى السرية ، خشية من تمرد الرعية من السكارى في الشوارع الخلفية .. اقول ان مثل هكذا قرار يمس ارزاق بعض الناس ، سيخضع للتأويل والتعديل ، وصعوبة في التنفيذ والمتابعة والتطبيق ، عند الشارب والمشروب ، والطالب والمطلوب .. وان تم تطبيقه كرها ، فالسوق السوداء ستنتعش بسهولة ومرونة وسيولة .. وسينتعش معها ، كل من يسترزق من القانون انتفاعا واندفاعا ، وستنشغل البلاد والعباد .. بالف بلية وبلية ..
& د.كاظم المقدادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى