
عزيز علي فنان الشعب بين الفن والسياسة …
وُجدت العلاقة القوية بين الفنون والسياسة، لا سيما بين مختلف أنواع الفن والسلطة، عبر الحقب التاريخية والثقافات. وفي حين يستجيب الفن للأحداث والسياسات المعاصرة، فإنه يتخذ أبعادًا سياسية واجتماعية على حد سواء، ليصبح في حد ذاته محورًا للجدل بل وقوة للتغيير السياسي والاجتماعي.
والمتتبع لسيرة الفنان العراقي الكبير عزيز علي يلاحظ انعكاس الاوضاع السياسية في العراق واضحا في مونولوجاته وحتى سيرته الذاتية .
ولد عزيز علي في سنة 1911 في بغداد في جانب الكرخ، واسمه الحقيقي عزيز بن علي بن عبد العزيز علي بن حاتم بن هانئ. واكمل فيها الدراسة الابتدائية ودخل الثانوية المركزية وأشتهر بغناء (المونولوج).
ويعد المونولوج الغنائي من القوالب الحديثة لفن الغناء العربي وقدمه لأول مرة سيد درويش عام 1920 ويعود أصل كلمة مونولوج إلى اللاتينية القديمة ومعناها الأداء المنفرد ، وفي مصر قدمه اسماعيل ياسين وثريا حلمي وفي العراق قدمه عزيز علي .
بدأ الفنان عزيز علي في تقديم ( مونولجاته ) مع افتتاح إذاعة القاهرة في بغداد سنة ١٩٣٦ واستمر في تقديم حفلاته الغنائية حتى نشوب الحرب العالمية الثانية .
ومن أبرز مونولوجاته دكتور، وعال العال، وبستان، والراديو، والسفينة، وغيرها
في البداية تميزت مونولجاته باستعراض بعض التقاليد والمعتقدات البالية التي كانت تمارسها النساء الساذجات ثم تطورت منولوجاته لتكشف عن نظرة عميقة للوضع السياسي الذي يمر فيه البلاد ، ليبدأ بعدها مرحلة مواجهة مع السلطة الرجعية.
تعرض عزيز علي للاعتقال اكثر من مرة على يد كل السلطات السياسية تقريبا التي حكمت العراق في القرن العشرين , اتهامات كثيرة وجهت لهذا الفنان العظيم الذي رفض التلون والغناء لأي زعيم سياسي .
قال عنه حسن العلوي في كتابه اللحن الساخر ( إننا لم نعرف فنانا قبل ( عزيز علي) استطاع ان يجمع بين مشاعر الكوخ والقصر على صعيد واحد ، ويجمع العامل والمفكر في رأي واحد ، وإننا لم نجد صوتا كصوته ارتاحت لسماعه العجوز الفانية والفتاة الهيفاء على السواء)
(مدرسة الموسيقى والباليه )
كان الفنان عزيز علي رجل مثقف من الطراز الرفيع فقد كان يجيد ٦ لغات اضافة الى اللغة العربية هي الإنكليزية والفرنسية والروسية والجيكية والألمانية والكردية .
وفي عام ١٩٦٨ أوفد عزيز علي الى روسيا لمدة شهرين عاد بعدها ليؤسس اول مدرسة للموسيقى والباليه في العراق والتي لاتزال قائمة في بغداد وساهمت في تخريج الكثير من المواهب الفنية .
(في رحاب الفن )
كان للفنان عزيز علي برنامج اذاعي ظهر لأول مرة عام ١٩٦٦ وأستمر لمدة عام كامل ، اوضح فيه طبيعة المونولوج وأهدافه ومكانته بين الغناء العراقي ، ثم تناول المقام العراقي فثلبه وقال (انه دخيل واصوله فارسية وتركية ) مماعرضه للنقد واشتدت خصوماته إلى حد المطالبة بإلغاء البرنامج وتم ذلك فعلا في حزيران ١٩٦٧ .
توفي الفنان عزيز علي في عام ١٩٩٨ ومثلما يقول الناقد الموسيقي ( ستار الناصر) (مازالت مونولوجاته المكتوبة قبل 70 عاما، ما زالت تعبر عن أوضاع اليوم، وكأنها كتبت الآن).
و يذكر الاستاذ نجدة فتحي صفوة : ان عزيز علي كان ناقداً اجتماعياً اصبحت منلوجاته وثائق تؤرخ فترة مهمة من تاريخ العراق الحديث ، وكانت له موهبة شعرية وغنائية في وقت واحد بالاضافة الى كونه معلقا سياسيا وداعية للقضايا الوطنية والقومية ، وتاثيره في الرأي العام العراقي كان كبيراً لأنه كان يخاطب الشعب بلغته العامية ويتغلغل في نفوسهم ويصل الى قلوبهم