هناك مثل أمريكي قديم يقول: ( أعطني حظًا وارمني في البحر ) هذا المثل ينطبق على مَنْ بات مغمورًا خاملًا خانعًا ضعيفًا لا يلتفت إليه أحد، ويستفيق صباحًا ليجد نفسه وقد أصبح مسؤولًا لدائرة أو مؤسسة أو وزارة ويحيط به جوقة من المطبلين والوصوليين والنفعيين والانتهازيين المنتسبين بالنسب والقرابة وغيرهم من العناصر الأخرى المقربة منه، هذا الشخص عندما يصل إلى هذا الموقع الخطر من المسؤولية؛ فإنه يفقد توازنه ويبدو متعثر الخطى يترنح يمينًا ويسارًا؛ لعدم قناعته بنفسه، ولخوفه ممَّنْ يمتلكون الكفاءة والمقدرة الإدارية في تحمّل المسؤولية لتولي هذا المنصب، ممَّنْ هم أكفأ منه خبرةً وممارسةً وعلمًا وثقافةً ودرايةً في إدارة المؤسسة.
والوصول لمنصب قيادي يتيح للمسؤول صلاحيات واسعة، إذ يستغل بعض المسؤولين من أصحاب النفوس الضعيفة نفوذه الوظيفي بصورة غير قانونية وفقًا لما مُنِح له من صلاحيات أكسبته نفوذًا بغير ما أراده المشرّع. وربما بعيدة عن رقابة الدولة، فيستغلها لأغراض شخصية أو نفعية أو لميول عشائرية وأحيانًا لإيذاء الآخرين وكلّ ما يدخل تحت نمط المحسوبية وما يخلّ بعدالة العمل الحكومي الإداري. متجاوزين أخلاقيات المهنة وشرف الأمانة الوظيفية والقيم التي تعهدوا باحترامها والعمل على تطبيقها.
والقرآن الكريم يلفت أنظارنا إلى خطورة إتباع الهوى ممّنْ هم في موقع المسؤولية واتخاذ القرار، قال تعالى:
(( يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إنَّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب)).
وإساءة استعمال السلطة يعرّفها فقهاء القانون بأنّها (( قيام مَنْ تولى أمرًا من أمور الأمة، أو عهد إليه به، بالاستفادة، أو الانتفاع من عمله، أو ولايته، لمصلحته الشخصية، أو لمصلحة قريب أو صديق، أو استعمال قدرته وقوته الممنوحة له بقصد الانتقام والتشفي)).
وإساءة استعمال السلطة واستغلال النفوذ الوظيفي والإخلال بشرف الوظيفة وإخضاع المصلحة العامة للمصالح الشخصية، ليست أمرًا جديدًا؛ بل إنَّها ظاهرة قديمة قِدمَ المجتمعات الإنسانية، موجودة في كلّ زمان ومكان، إذ إنَّ هذه الجريمة مرتبطة مع وجود السلطة نفسها، وإذا كانت السلطة لها حدود ثابتة فإنَّ تجاوز هذه الحدود يعني إساءة استعمالها، وبالتالي انحرافها عن المعايير الأخلاقية في العمل الوظيفي، ومن ثم يعدّ سلوكًا مخالفًا للقانون وللقيم الأخلاقية؛ لذا أوجبت التشريعات السماوية والأنظمة الوضعية ضرورة الالتزام بالحدود الواجبة والمقرّرة لكلّ سلطة.
والسبب الرئيس لاستشراء هذه الظاهرة هو غياب الوازع الديني والأخلاقي، وغياب الرقابة الإدارية الصارمة.
وفي الشريعة الإسلامية نجد الإسلام جرم هذا الفعل قبل أيّ نظامٍ آخر، ووضع أُسُسًا وقواعد متينة لتولي وتقلد المناصب، وتعامل مع الوظيفة من منطلق كونها أمانة وعد استغلالها أو إساءة استعمالها خيانة لهذه الأمانة، فالمنصب تكليف، لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس الشريفة التي تدرك أنَّ المنصب وإنْ طال توليه فهو زائل لا محالة، وأنَّ المنصب هو الذي يسعى إلى الشخص ولا يسعى الشخص إليه.
ومن علامات المسؤول الفاسد بحسب ما ذكره الكاتب السعودي الدكتور عبدالله سافر الغامدي:
المسؤول الفاسد: صاحب نظرة دونية، ومطامع دنيوية، يملك نفسًا دنيئة، وعقلية خبيثة، وشخصية وضيعة.
المسؤول الفاسد: يسري في كيانه أكل الحرام، ويربض على تفكيره الغنيمة من المنصب، واحتلال المكان.
المسؤول الفاسد: نواياه غير صادقة، وأعماله غير جادة، وكلماته خادعة، وخططه كاذبة.
المسؤول الفاسد: يعتمد على التنظير، ويسعى للبريق، ويهتم برفع الشعارات، ويتظاهر بالمثالية، وهو منها بعيد.
المسؤول الفاسد: يعمل على محاربة الكفاءات، وخنق القدرات، وحبس الطاقات، ومنع الإبداعات.
المسؤول الفاسد: حكيم في الغرف، رائع في الهدر، محتال في القنص، محنّك في التجاوزات.
المسؤول الفاسد: يهمل الخطط، ويتلاعب بالأنظمة، ويفعل ما يشاء، وينفذ ما يرى ويقوم بما يريد.
المسؤول الفاسد: يشتغل بالسيطرة على المرؤوسين، وتكميم الأفواه، وتوجيه تحركاتهم لمصالحه الشخصية.
المسؤول الفاسد: يعطيك مرادك ، ويحقق لك مبتغاك ؛ إذا كنت تسبح بحمده ، وترضخ لقوله ، وتسير في منهجه ، وتنقاد لمطامعه
المسؤول الفاسد : هو المتسبب في تلوث الأجواء ، وخلخلة الاستقرار ، وضعف الانتماء ، وموت الإبداع ، وانحسار النشاط ، وتواضع الأداء.
المسؤول الفاسد : يبغضه الأفراد ، ويرفضه الناس ، وتنبذه كل المجتمعات ، وتحاربه التشريعات جميعًا.
المسؤول الفاسد : لن يهدأ له بال ، ولن يرتاح له حال ، حتى يملأ بطنه بالمال الحرام .
المسؤول الفاسد : ضيع الدين ، ونحر الأمانة ، وقفز على النظام ، وخان الوطن ، وخدع المواطنين .
المسؤول الفاسد : وراء الانحدار ، وخلف الانحطاط ، وسبب للبؤس والتخلف والضياع .
المسؤول الفاسد: إما أنْ يهرب ويختفي ، أو يحاكم على كلّ صغيرة وكبيرة ، ويحاسب على كلّ شاردة و واردة .
فيا أيها المسؤول الفاسد : غدًا ستُسأل عمّا اقترفته نفسك ، وغرفته يداك.
قال تعالى : (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مصلحون، ألا إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) .