مقالات

الصحافي الإصطناعي

#الشبكة_مباشر_بغداد_د. كاظم المقدادي

نحتفل كل عام بقلوبنا ومشاعرنا بعيد الصحافة الورقية .. لكن عقولنا وعيوننا ، تتوجه كل لحظة نحو الصحافة الرقمية الالكترونية .. حتى امسى الصحافي اصطناعيا بأمتياز ، يملأ عقله بالصور والأخبار والانجاز .

ما يحزن .. اننا افتقدنا لرائحة الحبر ، وبريق الورق ، ولم نعد نكتب على ورقة بيضاء ، ولا نمسك بقلم الحبر او الرصاص بصفاء ونقاء ، فاصابع اليد باتت تتحرك على لوحة معدنية صماء ، بلا حواس ولا مدارك حسية ، ولاأثر لعلاقة روحية في كتابة خبر : عن الموازنة الانفجارية ، او مقال ساخر عن (ضخامة) الرئيس وسلم رواتبه الفلكية ، او كتابة قصص اخبارية عن سر العلاقة بين المولدات ” الانتهازية” والكهرباء الوطنية ، وملاحم عشائر الدگات ، التي فاقت ملحمة گلگامش ومخلمة مجلس الهوامش ، وعن الدولة والخشية من نزع سلاح الميلشيات .. وعن ليالي بغداد الحمراء ، التي تفضح فيها عادة .. اسرار اهل الربط والحل في المنطقة الخضراء .
ادارة تحرير الصحف الورقية ، ومنذ وقت طويل .. سلمت امرها الى النسخة الرقمية الالكترونية .. لكنها ظلت وفية بطبع نسخ محدودة معدودة من الطبعة الورقية ، طمعا بالاعلان ، وبحثا عن توزيع خجول لاقناع اهل المال والسلطان .

الصحف الرقمية يا سادتي .. تبدو لنا خفيفة انيقة نظيفة ، لا توسخ اليد ، تصل بيسر لقاريء الغد ، توزع الكترونيا بالمجان . لا تعتمد على شبكة موزعين ، يلعبون ببورصة الجرايد في كل زمان ومكان .

الصحافة الرقمية .. قلبت كل الموازين المهنية ، وانهت احلامنا الوردية في كتابة خبر على صحيفة بيضاء ، وليس على صفائح معدنية ، لهذا لم تعد عيشة الصحافي ، عيشة حلوة وهنية .

المؤسف ايضا .. ان الصحافة الرقمية .. لا تحتاج الى فريق عمل كبير ومتكامل ، لتعمل مثل خلية النحل .. لقد اختصرت الحلقات ، وقضت على مصففي حروف الرصاص .. والاخطر ان الصحافة الرقمية قلصت الكثير من العناوين الوظيفية ، وطردت الكثير من المصححين ، والمندوبين والمخبرين .. ويكفي هيأة ومطبخ التحرير الجلوس حول الحاسوب ، لتلقي المئات من الاخبار والصور وما هو مطلوب ، وان كنا بحاجة الى خبر عاجل ، فشبكة الأنترنت ومواقع التواصل جاهزة لنقل العاجل والآجل ، وعلينا ان نضيف للنص الجاهز :

” وتلقت الجريدة .. ” ثم نكمل النص بمقدمة يتيمة ، وتصبح عملية الكتابة والتحرير والصياغة ، مجرد ربط وترهيم وتوهيم .
ولهذا تخرج الصحيفة الالكترونية في اليوم التالي ، بلا طعم ولا رائحة ، ولا يجد الصحافي فيها مكانته وذاته .. ومع هذا الحال يصبح مستقبل الصحافة الورقية بعيد المنال ، وخاضع لمزاج فتاح الفال .

نقابتنا المبجلة المعززة المكرمة .. لا تهمها كل هذه التطورات في عالم تكنولوجيا الاتصال ، وجملة المصاعب والظروف القاسية التي تواجه الزملاء من العاملين في الصحافة الورقية ، ومن ظل يكافح ويقاوم مثل الزملاء في جريدة الزمان ، وفي ” البينة الجديدة ” من نقص في المال والرجال والاعلان .
ترى .. هل تعلم نقابة الصحفيين

ان الكثير من اقسام الصحافة في الكليات قد اغلقت ، وان الكثير من الصحف قد كورت ، وان النفوس انكدرت ، وتململت ، وهي تجد نفسها امام تصدع مخيف للسلطة الرابعة ، بسبب دخول الطارئين الى اقدس المهن ، ليكونوا فجأة شهودا واعيانا بلا تعب ولا محن .

في المقابل هناك تجاهل للاحوال .. للكثير من الصحفيين كبارا ، وروادا ، وبين مختلف الاجيال .

الحق يقال .. ان النقابة استطاعت بناء عمارة شامخة موقرة تطل على نهر دجلة ، لكنها اغفلت عن بناء ” الانسان الصحافي الذي يحمل انبل رسالة عظيمة في تاريخ البشرية .

كم من الصحفيين (الدمج) تنمر واستكبر وتبختر ، وصافح يد المحتل وتجبر ، وباع ضميره لتجار السياسة والوطن ، وغير جلدته مرات ، ودنت نفسه بأهم الوظائف والمهمات ، وصار همه ان يكون سياسيا ماكرا كعزة الشابندر ، وديدنه ان يصبح نجما مثل نانسي عجرم ، وملياردير كرئيس مؤسسة الدولار الاخضر .
/ اليس من واجبات النقابة ..ان تراقب هؤلاء وتكشف امرهم ، وتوقف الاعيبهم .

هناك ظواهر صحافية مقلقة .. بأستغلال الصحافي مهنته من اجل المال والشهرة ، ومصادقة المسؤول ، وبمن يعول ، على حساب مصلحة المواطن المعلول ، بل يتبجح الصحافي الدمج ، بفساده ، وهو يتماهى مع السياسي ليكون نسخة منه ، او برغي ” مزنجر ” في ماكنته .. اما اخلاقيات المهنة ، ومواثيق الشرف .. فعليها السلام.
د كاظم المقدادي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى