
كان البدو فيما مضى يعتبرون رواق البيت ” بابا ” لانه في تقديرهم جزء مهم يتم استخدامه كمدخل للمنزل ، وبهذا لابد وان يكون مدخلا مفرحا ومنظما لانه يعكس مدى رونق محتويات البيت ، فأن كان رواق البيت ، راقيا ، فشيمة اهل البيت هو العلو والترتيب . ويحتل الباب مكانة الصدارة في انواع التصاميم المعمارية والهندسية ، فهو المدخل والمخرج لاي مبنى ، اي انه يعتبر كيانا مهما يسمح بوجود التواصل بين كافة اجزاء المبنى ، ولولاه لانعدمت الفضاءات المفتوحة وبقيت كافة الكائنات الحية محصورة بين جدران تمنع اي حوار وتواصل وانسجام بينها ،،وبينها وبين البيئة الخارجية.
ونظرا لاهمية الباب في هذا المجال ،فانه لابد عند وضع التصاميم الهندسية ،ان يأخذ بنظر الاعتبار مساحة الباب ارتفاعا وعرضا لكي ينسجم مع حجم المدخلات والمخرجات التي تستخدمه ، وبهذا فان مساحة البيت الاعتيادي حتما تكون اصغر من ابواب المجمعات السكنية والصناعية وغيرها.
وقد تعدد استخدام الباب في كثير من مجالات الحياة ، فباب الوطن هو اخر مايودعه من يعتزم السفر ، ومن يقرر الهجرة ، وكثيرا مايذرف الدموع عند غلقه لذلك الباب حيث لايعلم بانه سيعود الى فتحه ثانية ، او سيتم كسره واقتحامه من قبل اللصوص والفاسدين. وهناك ايضا باب الرزق الذي يدر على صاحبه بمكسب يعيش منه ، وهذا الباب من المؤكد يكون واسعا جدا عندما يمتلكه مسؤول او متنفذ ومتلاعب بالاموال العامة ، لابل ان هذا الباب يكون معروضا بالمزايدات العلنية عند بيع المناصب ،
فلايستغني عنه المسؤول الا اذا تم تأمين ان يكون له بابا اوسع في وزارة او هيئة او كتلة تمتهن بناء الابواب الرصينة العملاقة التي تمنع دخول من يحاسبها عن ماتفعل من سيئات.
وهناك باب الحب والقلب الذي يتبادل التغني والتداول به من قبل العشاق الذين يرتبطون معا بانسجام ومحبة ،، وهناك باب السعد والخير في انتظار المفاجئات المفرحة ، وهناك باب الشر الذي ما ان يقتحمه بعض الناس حتى تندلع عليهم قذائف الشيطان وتكبدهم المأسي واللعنات.
وما اكثر الشعراء الذين استخدموا الباب في قصائدهم ، وحتى العثمانيين فقد استخدموا تسمية الباب العالي لمقر الحكومة العثمانية والسلاطين ،، وحتى في الاحلام وتفسيرها فأن وجود الباب يحمل في طياته معاني ودلالات ، فان ورد في الحلم ان يكون الباب مفتوحا فهو يدل على التخلص من المشاكل والمعوقات ودرجة من الثقة بالنفس ، وهو عكس الباب المغلق لانه يعكس اليأس والفشل.
وبغض النظر عن مساحة الباب ورونقه وهندسته ومفهومه ودلالاته ومايحمله من نقوش وتصاميم ، الا ان مهمته التي وجد من اجلها هي واحدة ، وهي ان يحدث التواصل بين الاجزاء المتفرقة ، وبهذا فهو منفذ اما ان ينقل الفرد من حالة سوء الى حالة افضل ،،او ينقله الى البؤس والشقاء وبدون شفاء ، ولهذا فأن المناصب في السلطة هي ايضا عبارة عن ابواب مصممة بطريقة جهنمية ومفبركة ،،فمن يتبوأ منصبا عليه ان يعلم بأنه منفذ لإيصال عناء وتعب الشعب الى مايطمحون اليه من خير وسعادة وراحة ،لا ان يكون بابا موصدا امام حاجات الناس ،،ومفتوحا على مصراعيه للمزايدات والعملات والصفقات الدولارية وتحقيق الطموحات الشخصية والحزبية والكتلوية ،،فابواب الفساد لدينا قد تم تصميمها بحيث لايمكن فتحها الا باستخدام مفاتيح ذات رموز الكترونية لايعلم بها الا من اقتناها وامتلكها، حالها حال مفاتيح السيارات والخزائن والحسابات المالية ، حتى ان اجهزة مكافحة الفساد والرقابة لاتتمكن من فتحها خشية من انفجارها واندلاعها لأن الدخول اليها ينطوي على كوارث من قبل مصمميها والمتنفذين عليها ،،ابواب قابلة للانفجار ولابد من اخذ موافقة مالكيها قبل فتحها.
عاش الباب الشرقي وباب المعظم وباب المندب لانها ابواب لم تعرف الفساد ولا الارهاب ،بل استخدمها البشر طيلة مئات من السنين وهم يحملون الحب والمودة بينهم ولم تغلق بينهم ولم يكن فيها مفاتيح سرية ،،بل مفتوحة امام الجميع ،،عكس ابواب الفساد المغلقة التي تختبأ وراءها قوافل المفسدين والمتلاعبين بالمال العام ،، ورحم الله شاعرنا العراقي الاصيل كاظم اسماعيل كاطع حيث قال :
وين اهلي علي ما دكو الباب ترة صحتي عليلة وكلبي موزين
كأنه يستنجد ويطلب دكك الباب لأن صحة الشعب عليلة وتحتاج الى عناية مركزة