أدب وفنمقالات

الطنطل..حكايا الأهوار وأساطيرها….. لبنى ياسين

#الشبكة_مباشر_أمستردام

في جنوب العراق، توجد منطقة ساحرة متفردة بجمالها، تكاد تكون فينيسيا الشرق، فهي مغمورة بالمياه، ولا يمكن التنقل فيها إلا بواسطة مركب، وللمنطقة خصوصيتها التي حافظ عليها سكانها، فهي محاطة بالغموض، والقصص الخيالية والأسطورية، كما أنها ملأى بالآثار، حتى أن حصاها هو بقايا أوانٍ فخارية مغرقة في القدم.
تلك هي أهوار العراق، والتي تعد المكان الغامض الذي دارت حوله القصائد والقصص التي عثر عليها مكتوبة على الرقيم، وعلى أرض تلك الأهوار عاش الطنطل.
الطنطل: هو شخصية خرافية معروفة في بلاد الرافدين، وهو كائن اسطوري متحول يتشكل في شكل انسان ، أوحيوان، أو جماد، يخرج في الليل ليرعب من تسول له نفسه المشي ليلاً، وكان العرب قديما يخافون منه والاسم مأخوذ من الأساطير السومرية في العراق والجزيره العربية.
والطنطل يعد رمز الشجاعة والبطولة لدى عرب الأهوار فقد جاء في أهازيجهم”احفيظ الشافك ماتت جنحانه “، وفي الأمثال الشعبية: “جنك طنطل ابو سميج “، وللإنسان الملثم، أوصاحب المنظر المخيف يقال:”جنك طنطل”، أو”قايل أنا طنطل آكل ماصخ “، والكثير من ذلك في موروث الشعبي.
وبعد المد الحضاري وتطور المجتمع الاهواري، انتهت تقريبا معظم هذه الأساطير والخرافات، ولكنها تبقى متعلقة بموروث الشعبي لجنوب العراق مثل:”عبد الشط، السعلوه، الطنطل، عوج ابن عناق”.

أصول وجذور:
يعتقد بعض الباحثين أن جذور هذه الشخصية تعود إلى أسطورة احفيظ، والتي تناقلتها الاجيال في جنوب العراق، حيث تقول: في قديم الزمان كانت هناك مملكتان كبيرتان في جنوب وادي الرافدين هما مملكتا:” العكر، أبو شذر وأخيهما احفيظ “، وقد ازدهرت الحياة فيهما، فبنى أهلها المدن والمعابد المقوسة والمزخرفة وأحاطوها بالأسيجة، “المسنايات “، حفاظاً عليها من الفيضان واهتموا بزراعة بساتين النخيل والفاكهة حتى أصبحت جنة الله على الأرض ، ولكنهم تجبروا، وكفروا وخرجوا عن طاعة “الإله ” فغضب عليهم وقلب مدنهم بالزلزال وأغرقهم بالطوفان، وأصبحت هذه المدن الآن ركاماً أثرياً، وصارت تسمى اليوم”اليشن “، واليشن هو هضبة عالية في الأهوار تدور حولها الأساطير، ثم أرسل الطناطل والجن لتحرسها ومن هذه اليشن “العكر، ابو شذر، احفيظ، الواجف، وغيرها “، وهذه الأسطورة تشبه لحد ما ملحمة كلكامش وقصة الطوفان قبل خمسة آلاف سنة، ويؤيد ذلك الرحالة البريطاني كافن يونغ في كتابه:”العودة الى الاهوار، صفحة 40 “، حيث يقول:

هناك قصص كثيرة تروى عن الطناطل حول نيران المساء ويقال أنها تحرس كنزاً غامضاً عن جزيرة أخفتها الآلهة بالسحر عن عيون البشر.
ويقصد بذلك الكنز الذهبي الذي يحرسه طنطل حفيظ في عمق الاهوار الوسطى، ويقول عن الكنز أهل المنطقة أنه

“خزائن صاحب الزمان”، وتتخذ الطناطل أسماءها من الأهواء واليشن والكواهين مثل طنطل ابو إغريب، طنطل أم العبيد، طنطل أبو سميج، طنطل داور، طنطل صلين، ويشرف احفيظ على عشرات الطناطل في الاهوار وله السيطرة التامة عليها.

وقد تسبب هذه الطناطل بعض العاهات والعوق و الجنون أو بعض التشوهات في الجسم عند اصطدامها مع البشر، ولكن البعض منها تبني صداقات مع رعاة الجاموس”المعدان “،بعد أن يقدموا لها خبزة تمن مشوية”حناية ” بدون ملح، لأن الطناطل لا تحب الملح، ويطلق عليه اسم ثان”ماصخ “، وبالرغم من عظمته وشجاعته ومراوغته، لكنه يخاف من الإبرة والمخيط ، وأية آلة حديدية، فينهزم عندما تشهر بوجهه تلك الأدوات، ويختفي من غابات القصب.
وهناك نظرية أخرى تقول أنه في عهد النبي سليمان تمرد بعض الجن وخرجوا عن أوامر النبي سليمان، فنفاهم إلى الأهوار، وحبسهم في تلك المنطقة.

يشن حفيظ:
وهو أهم المناطق التي تدور حولها الأساطير في الأهوار في جنوب العراق، ويقول علماء الآثار أنه بقايا مدن انقرضت منذ زمن بعيد، إثر تعرضها للفيضانات، أما الحكايات قتروي أنها مدن انقلبت على أهلها بعد ما كفروا ولم يبق الله منهم أحداً.
وهو مسكون بالجن ، ويقال أن الطائرات لا تستطيع الوصول إليه مهما حاولت، وأنه مليء بالذهب والآثار، ويحكي أحد سكان المنطقة أن أحدهم حاول الإحتفاظ بقطعة من الآثار، فباغتته ضربة كضربة البرق، قطعت يده التي تحمل قطعة الآثار التي يحملها.
كما أنه يروى أن من يصل لهناك مرة، إما أن يموت هناك، أو أنه لا يتمكن من ارتياد تلك المنطقة مرة أخرى، فهي تارة إلى الجنوب، وأخرى إلى الشمال.
ويقال أيضاً أن هناك أضواء كثيرة تصدر من هذا اليشن ليلة الجمعة، كما يرى هناك أشباحاً تختلف عن البشر في طولها وعرضها، وما اقترب أحدهم من هناك إلا وجد ميتاً في اليوم التالي.
ومن الملفت للنظر أنه في ذلك اليشن المحاط بالماء، تنعدم مظاهر الحياة، فلا سمك ولا حتى ديدان.
ويقول أحد الأهالي أن الأمريكيين جاؤوا بعدتهم وعددهم للتنقيب في يشن حفيظ، وبقوا هناك لأسابيع دون جدوى، لأن “حفيظ” لا يعطي سره للغرباء، إلا أن يكون تائهاً ضل طريقه.
اليشن تاريخياً:
في كتاب معجم البلدان لمؤلفه ياقوت الحموي، يتحدث الكاتب عن الأهوار معرفاً إياها :” الهور: بحيرة يفيض فيها ماء غياض، وأجام تتسع ويكثر ماؤها، وهو موضع بالبطيحة بين البصرة وواسط، صعب المسلك، وإليه ينسب الهور المتقى سلوكه لعظم الخطر فيه إن هبت أدنى ريح”.

حلم ديموزا والأهوار في الأسطورة:
تحكي قصيدة سومرية يعود تاريخها إلى 1800 قبل الميلاد، قصة حلم ديموزا، ونص القصيدة:
رأى ديموزا نفسه محاطاً بسيقان طويلة من القصب، ولاحظ أن هناك قصبة كانت تقف وحدها تطأطئ الرأس، بينما أغصان القصب زوجاً زوجاً،فإن غصناً واحداً ابتعد عن الغصن، ثم رأى أشجاراً ترتفع بشكل مخيف من حوله، وصقر يحمل حملاً في مخالبه، وقدحاً يسقط من وتد في حظيرة الماشية، فيتهشم على الآرض.
وهناك دعاء سومري يقول: في الأهوار عسى أن تتكاثر الأسماك، وأن تزقزق الطيور، وفي أجمة القصب عسى أن ينمو القصب القديم، والقصب الجديد عالياً.
والملفت بالنظر أن أن الأساطير السومرية والبابلية عن الخليقة، والإله مردوخ، والإله أنكي، كلها كانت في الأهوار.
ومردوخ في الأسطورة البابلية إله وبطل وهو الذي هزم وحش العماء المسمى “تيمات” أو “تنين البحر” أو “أفعى الظلام”، فقتلها وشقها نصفين، فانفتحت كالصدفة ، فأصبح بذلك ملكاً على الآلهة الاسطورية.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى