مقالات

بين الجد و الهزل ،،ثقافة يقرها المجتمع

#الشبكة_مباشر_بغداد_د. نـمـير نـجـيب نـعـوم

كثيرا مانخلط في حياتنا اليومية بين الجد والهزل بالرغم من أن للجدية مكانتها ومرتبتها، واللهو والهزل والمرح له اوقاته والبيئة المحيطة به، ومايفرض وجود الجد والثبات في المواقف هو حقيقتها وواقعها التطبيقي الملموس الذي يشهد به الجميع ، وبذلك لايكون هناك اي فسحة او مجال لدخول واقتحام الهزل والفكاهة والتصغير والتشويه. وبهذا يكون كلا من الجد والهزل في صراع دائم ،كلا منهم يحاول اقتحام مكانة الأخر لينال منه ويقلل من شأنه ،اي ان كليهما يمثلان ثقافة يتم تداولها بين المجتمع ، ومكانة المجتمع هي التي تقرر ايا منهما هو الذي يسود ويعم.

هناك حاجة لوجود الجد والهزل ولكل موقف،فهناك من يمارس الجد والثبات والتزمت ولكنه يحتاج الى لحظات من المرح والهزل لغرض الابتعاد عن التشنج بالاسترخاء، وهناك من يأخذ الهزل مساحة كبيرة من تصرفاته ومواقفه اليومية ولكنه يعود الى الجدية وضرورة ممارستها لاستمرار صحته وحياته ومكاسبه،،ولكن الطامة الكبرى تكمن عند الاشخاص الذين يمارسون ويدعون ويتظاهرون بالمواقف والاقاويل الجدية ، ولكنهم يضمرون من الداخل ممارسة الهزل لمن يسمعونهم ويتابعونهم ،فماذا ستكون النتيجة غير انها سلبية من قبل فئة السامعين والتابعين ،فما أن يسمعوا المسؤولين عندما يصرحون بجديتهم المزيفة حتى ينهالوا عليهم بالسخرية من خلال ممارسة الهزل في اوسع ابوابه،وبهذا تسود ثقافة الهزل وتعم في المجتمع عندما تكون مواقف المسؤولين هي التي تمهد وتسهل الطريق لذلك.

وهناك مثلا من ترك جديته وثباته في اجراء زيارة عائلية او تقديم بحث علمي أو مراجعة طبيب ، من أجل فسحة من الهزل والمتعة النفسية ، وعلى النقيض من ترك مجالا للشعور بالراحة وانصاع الى اعمال جدية يقدمها لنفسه أو عائلته أو من يحيط به، كما وهناك من يترك جانب الجدية في استخدام تقنيات الأتصالات وقواعد المعلومات الحديثة في الشبكات العالمية والبرمجيات وينصاع الى تداول منشورات الهزل والفكاهة والألعاب المسلية لانها تدخل المسرة الى نفسه، وكل هذا فأن مايقرره هم افراد المجتمع وثقافتهم ، فبدلا من أن يقدم الأب هدية الى ابنه الناجح عبارة عن قلم يتباهى به في الكتابة أمام زملائه او كتابا يفتخر بمضمونه ومايحتويه من مفاهيم تنمي شخصيته وترفع من مستوى ثقافته ، فأنه يقدم له موبايل حديث لايبحث فيه عن الكتب والدراسات والبحوث بقدر شغفه بالتواصل مع احدث المواقع التي تختص بنشر فقرات الهزل التي تنال من مواقف الاشخاص نتيجة لعدم جديتهم في مايقولون أو يصرحون به،

وكم من الاشخاص تناول ممارسة الهزل بين اقربائه واصدقائه وتجاوز حدوده الى أن وصلت الحالة الى الجدية وفي مواقف الشرطة لأخذ تعهد بعدم تكرارها، وهكذا فأن للجد والهزل حدود وضوابط لايجوز اختراقها ولايجوز المزج بينها ،

ولكن مابالك اذا كانت قيادة مجتمعنا تقوم على اساس الجد من اجل الهزل ، فنجد مثلا الجد والاصرار على الألتزام بأوقات الدوام الرسمية الصارمة التي لاتقبل الأجتهاد ،وبعد المباشرة تبدأ مرحلة الهزل والتسامر والتكاسل عند قضاء مطالب واحتياجات الناس عند مراجعتهم للدوائر ،،ونجد الجدية المنضبطة عند قيام العوائل بتربية الجيل الجديد وتوجيههم بضرورة الاهتمام بتوقيتات الدروس ومتابعتها ، وتبدأ مرحلة الهزل عند وصول هذا الجيل الى المدارس والكليات ولايجدون القاعات الدراسية الملائمة ولاوجود للمختبرات ووسائل الايضاح والكهرباء ،،

لابل وبعد التخرج بواجهون مرحلة احتضانهم للأرصفة والمشاركة في المظاهرات من أجل التعين والحصول على لقمة العيش في الهيئات والمؤسسات التي يمارس المسؤولين فيها انفسهم مهمة الأدعاء بنشر ثقافة الجد والثبات من اجل تطور البلد !!!وعندما يسعى المسؤولين لتسهيل استيراد السيارات بانواعها وبجدية صارمة ومفعمة ،ولايهمهم سلسلة المهازل التي يواجهها سائقي المركبات في الطرق التي أكل الدهر عليها وشرب منذ عشرين عاما.

مما تقدم وغيره كثير من الوقائع والأحداث ، فهل يتبنى مجتمعنا ثقافة الجد أم الهزل، واذا مااستمرت ثقافة الهزل فهل نصل الى الحديث الذي اجراه حبزبوز عندما طلب من صباغ الأحذية صبغ حذائه ،فقال له الصباغ ليس لديه هذا الصبغ ، رد عليه حبزبوز، إذا اصبغ لي الشفقة التي البسها على رأسي، أجابه الصباغ ايضا ليس لدي هذا الصبغ ، قال له حبزبوز ،اذا اصبغ لي المبادئ، فأجابه الصباغ ” هذه سهلة لأني صبغت مبادئ كثيرة ” فرد عليه حبزبوز ” ماكنت اعلم أن صبغ المبدأ أسهل من صبغ الحذاء “. فمن كان منهم يمارس الجد والهزل،،حبزبوز أم الصباغ ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى