#الوطن_للجميع
د. محمد الراوي
بينما كنت اقود سيارتي وقعت عيني على اللوحة الخاصة بعيادة الدكتور ( فرنسيس ) ، والدكتور فرنسيس طبيب عيون مسيحي من أروع الأطباء في مدينتي ليس في مهارته وكفاءته فقط وانما في أخلاقه وتعامله مع الآخرين ، تعرفت عليه عام ١٩٩٩ عندما ذهبت لفحص النظر لأول مرة في حياتي فقام بالفحص ثم وصف لي نظارات طبية لا زلت احتفظ بها لحد الآن …
قال لي الدكتور فرنسيس وجهك ليس غريب عني ربما التقينا سابقاً ، قلت له علك زرتني في مكتب الحاسوب الخاص بي ، قال لا أظن ثم سألني عن عنوان مكتبي وأصبح زبوناً لي فيما بعد …
ثم تطورت علاقتنا أكثر وأصبحنا أصدقاء ، ذات يوم دعاني لتناول وجبة الغداء ، لبيت الدعوة وذهبت معه إلى منزله ، عندما دخلت المنزل ، ذُهلت للوهلة الأولى فلأول مرة في حياتي أشاهد ( صليباً ) حقيقياً معلق على الجدار ولأول مرة أشاهد تمثال يجسد شخصية السيد المسيح وأمه العذراء ، كنت قد شاهدتها على التلفاز سابقاً ولكن الامر اختلف في الحقيقة ، لا اعرف حينها انتابني شعور غريب ، حتى إنه لاحظ ذلك ، ثم قام بعد ذلك بتعريفي على عائلته وجلسنا جميعاً على مائدة الغداء على غير عادة اهل مدينتي ، فنحن لدينا تقاليدنا في كل شيء حتى في تناول الطعام الرجال يتناولون الطعام بمعزل عن النساء وهذا الأمر دارج في اغلب مناطقنا ، وهذا ما زاد من ارتباكي وإحراجي ، انتبه الرجل مرة ثانية ثم قال لي ، لا داعي للإحراج فما دمت قد دخلت منزلنا فأنت واحد منا فنحن لا يدخل منزلنا إلا من نثق به ، تصرف على طبيعتك وبدون إحراج رجاءً …
اليوم تذكرت هذا الرجل الطيب الذي لم يبق له في مدينته التي نشأ و عاش وترعرع فيها سوى هذه اللوحة الخشبية التي خلدت اسمه ، يا ترى اين هو الآن في اي دولة وفي اي بقعة من بقاع الأرض ….
ثم تسائلت مرة أخرى ما ذنب هذا الرجل الطيب وما ذنب الآخرين من امثاله وقد ارتحلوا عنوة من ديارهم لأنهم أقلية أليس الوطن للجميع كما كنا نقرأ في كتبنا ؟
ما ذنبهم وهم يغادرون وطنهم وبيوتهم وذكرياتهم ومحل عملهم واصدقائهم وحياة قد اسسوها و قاموا ببناء اعمدتها وعمروها ثم تركوها …
يا ترى هل نخطر على بالهم نحن وبيوتهم وشوارع المدينة وازقتها وما هو شعورهم وهم يشاهدون مدينتهم على شاشات التلفاز ، ما الذي تغير الشوارع هي ذاتها والبيوت هي ذاتها وحتى الاشجار لا تزال راسخة متمسكة بجذورها في هذه الأرض الطيبة ، الذي تغير فقط هم البشر و قانون البشر وطباع البشر …
بعد كل هذه الأفكار التي تضاربت بها الذاكرة ، ايقنت الآن أن الدين لم يعد لله و الوطن لم يعد للجميع …
اتمنى ان يقرأ الدكتور فرنسيس كلماتي و يطمنني على حاله وحال عائلته الطيبة …
د.محمد الراوي