
الأنظمة الإدارية المتقدمة تولي أهمية بالغة لوظيفة التخطيط لكونها وظيفة مهمة وحساسة لارتباطها بموضوع الاهداف المستقبلية ، وطالما ان المستقبل يحمل في ثناياه المجهول والمتغيرات البيئية العديدة المرتبط به، فانه من الواجب الحتمي ان تنفق الأموال والجهود لنخبة من اصحاب القدرة والأمكانية والخبرة والدراية والخلفية العلمية المتراكمة ،من أجل الرؤية السليمة للمستقبل ودراسة متغيراته ووضع الأسس الصحيحة لمواجهة المستقبل ودراسة متغيراته وتوجيه الأمكانات اللازمة لتحقيق الأهداف المرتبط به.
والتخطيط لايقف عند مستوى معين او يختص بنشاط دون غيره،فهو رؤية مستقبلية تشمل جميع فعاليات الحياة مهما كانت،فالأفراد لديهم خططهم وبما يتناسب مع امكانياتهم،وقطاعات المجتمع الصناعية والتربوية والصحية والثقافية والتكنولوجية والامنية ايضا لديهم خططهم التي تكون شمولية لانها مرتبطة بتقدم وتطور ونمو وازدهار البلد،
فالبلدان الناجحة والمتطورة والراقية والمتقدمة لم تحصل وتصل الى ماهو عليه بايام قليلة ، بل بسنوات عديدة سابقة خططت ووضعت الأهداف المستقبلية واجتهدت وبذلت الجهود من أجل ان تصل الى ماهو عليه، وعلى العكس فأن المجتمعات المتخلفة والمتدنية في كافة قطاعاتها، لم يأتي تخلفها ايضا من افعال وتصرفات وانحرافات لفترات زمية قريبة ، بل ان جذورها لعشرات السنوات توضح انها خططت من أجل دمار وتخلف وتدني مستويات خططها، ولم تعمل على تجاوز معايير تخلفها ، ولم تضع الحلول المناسبة لخططها بل انها تعيد تلك الأخطاء والانحرافات من اجل مزيد من التخلف .
وبهذا يتفق التطور والتخلف بأن كليهما يمتلكان القدرة والامكانية والرؤية الواضحة للمستقبل والتخطيط له،فهناك من المجتمعات من يخطط للتقدم والتطور ، وهناك غيرها من يعمل بقصارى جهده من اجل بقاء التخلف وزيادته.
ولعل من ابسط المعايير الذي يمكن استخدامه لقياس مستوى الارتقاء باستثمار الجهود التخطيطة الناجحة ، هو مقارنة ماتم الوصول اليه الأن مع ماتم التخطيط له من اهداف خلال السنوات السابقة ،على المستوى المحلي والوطني والدولي،فاذا كانت نسبة الأمية الأن مثلا هي بنفس معدلها قبل سنوات فهذا يؤكد بأن الخطط والاهداف التربوية كانت بعيدة عن الموضوعية وقريبة من العشوائية، وهذا يصح على ماتنتجه الاراضي الزراعية الان من محاصيل ومنتجات زراعية مع ماتم التخطيط له قبل سنوات ،
ويصح ايضا على ماتم التخطيط له من موازنات مالية نوقشت من قبل هيئات ووزارات ولجان عديدة،مع ماتم الحصول عليه من تدني في الايرادات الوطنية وزيادة مرتفعة في نسب الانفاق والمصاريف لانشطة وجهات وقطاعات عقيمة لاجدوى من وجودها.
ولعل ابسط مقارنة لقياس مستوى خطط التنمية الصناعية، هو مقارنة بسيط بين مايتم استيراده من منتجات وبين مايتم انتاجه محليا، وكذلك اجراء مقارنة بسيط بين اعداد المتخرجين والمستوى العلمي لشهاداتهم قبل عقود من الزمان ، مع مايتم تخريجه الأن من اعداد .
واذا كانت للمهمة التخطيطية هذا الدور والمستوى من الأهمية ،فأن وظيفة الرقابة لاتقل عنها شأنا،فتخطيط بدون رقابة لاقيمة له، والرقابة شأنها شأن الحواس الخمسة التي اوجدها سبحانه وتعالى في البشر،للقيام بمهام التحسس ونقل الأشارات الى الدماغ لكي يتخذ القرار المناسب بشأنها .
ان مايتم تخصيصه من اموال لغرض التخطيط والرقابة حتى ولو بلغ نسبا مرتفعة ،فانه يعود على البلد باضعاف من العوائد،وزيادة تلك العوائد تؤكد ان الخطط كانت محكمة ووفقا للمعايير التي تتناسب مع اهداف التنمية ،وايضا تؤكد بأن سياقات واجراءات الرقابة كانت وفقا لتوقيتات ومعايير دقيقة لاتقبل التجاوز او التدخل من قبل اي جهة مهما كانت، والامثلة كثيرة في تطبيقات الحياة .
منظومات التخطيط والرقابة تحتاج الى جلسات تقييم دورية من قبل مختصين ذوي خبرة لاعادة النظر بمسارات عملهم وتثبيت النقاط الايجابية والسلبية ، وخلاف ذلك فانها ستبقى منظومات لاغراض اعلانية وتجارية فقط تراعي مصلحة فئة على حساب مصلحة فئات .