
لسنا بصدد ترويج مفهوم التخدير لغرض انتشاره و توسيع رقعة استخداماته المتعددة ايا كانت في مجالات الحياة ، ولكن لابد من وضع فواصل وحواجز دقيقة لغرض التفريق بين انواع المواد والجرعات التخديرية ومن يروج لها ومن يتعاطاها والاسباب لكل حالة مستقلة عن غيرها،،المهم المهم هو تحديد مفهوم التخدير ومكوناته قبل كل شيء.
ولعل اهم جرعات التخدير هي التي تعطى للمرضى من قبل الاطباء وخاصة قبل اجراء العمليات الجراحية ، فهي من الضرورات القصوى لانها محسوبة بدقة علمية وعناية تأخذ بنظر الاعتبار العمر وطبيعة الجراحة ومدى العملية وقدرات تحمل المريض حسب حالته الصحية ، بحيث يكون المريض في غيبوبة عن مجريات الحياة باكملها، بينما يأخذ الجراح المعالج راحته بالكامل في اجراء مايريد من معالجات لعلمه ان المريض فاقد للوعي تماما ، ولهذا نرى ان وجود حالة فقدان الوعي هي التي تمنح الطبيب المعالج حق التصرف وبما يريد لكي يشعر المريض بالراحة النفسية بعد الافاقة والعودة الى مجريات الحياة الطبيعية.
العملية باكملها مباركة ،المادة التخديرية معلومة ومعروفة بجرعاتها، والجهة التي اوصلتها للطبيب المعني ايضا معروفة للجميع كما ان النتائج المتوقعة ايضا محسوبة علميا.
ولكن هناك نوع اخر من التخدير والذي يستخدم من قبل قادة ومسؤولي الدول المتخلفة سواءا كانت ديمقراطية او ديكتاتورية او ديكتاتوقراطية، حيث ينشر هؤلاء القادة المواد المخدرة مجانا عن طريق الكلام بالاحتفالات والمناسبات والبيانات واللقاءات ، حيث ينشرون كلماتهم علانية ليتلقاها الشعب المريض الذي يعاني اصلا من الجهل لكثرة قصص الدجل والشعوذة التي مارسها قادة تلك الدول من خلال وعود بتوفير المشروعات وارساء قيم الحضارة وترفيه الشعب والحفاظ على سيادته واعلاء برامج التربية والتعليم والتكنولوجيا ورفع مستويات الدخل وتقليل الفساد في ايا من مجالات الحياة.
الفرق بين جرعات تخدير السياسيين والقادة وبين جرعات التخدير الطبية هي ان الثانية محسوبة علميا من حيث وقت الافاقة الى حين اكتمال العلاج، اما الاولى فانه يتطلب دائما توفير الجرعات للشعب لكي لايستفيق لان حالة الانتعاش والصحو الضميري والادراك المثالي تدل على حالة غير مرغوبة قد تؤدي الى فتح ملفات الفساد وزعزعة كراسي المتنفذين مما يتطلب من القادة حسابها بدقة واستمرار ( زق ) الشعب بما لذ وطاب من قصص الانجازات الطائفية والسياسية التي تنسجم مع حالة الخيال وتشريد الاذهان، ولابد من الاشارة الى ان جرعات التخدير الطبية هي ذات كلفة وتسعيرة لابد من دفعها ،ولكن جرعات وجبات التخدير السياسية فهي مجانية مع المقبلات !!!! وهناك خدمة توصيل مجانية ايضا!!! .
وهناك نوع ثالث من التخدير وهو الذي يتم فيه إدخال مواد مخدرة عبر الحدود ،وهذه المواد يتم ترويجها من قبل فئة متمكنة يطلق عليها تسمية ( الحشاشة ) حيث يقتنون هذه المواد بمليء إرادتهم وبشكل سري ويتجرعونها برغبتهم لكي يتخلصوا من واقع أليم وحالات نفسية يعانون منها،اي انها ايضا علاجات يراد منها الهروب من الواقع الذي يغطيه البؤس واليأس والانحلال ،
وهذا النوع من التخدير يقرر جرعته مجموعة من الأشخاص وفقا لتجاربهم وخبراتهم التحشيشية الطويلة ومعرفتهم بالنتائج الايجابية التي سيجنونها.
وهذا النوع الثالث يتميز عن غيره بميزات مذهلة من المعايير المحلية التي يضعها قادة المجتمعات المتخلفة ،فهؤلاء القادة لايستطيعون منع دخول واخراج المواد المخدرة عبر الحدود ولكن ما ان يتم استلامها من قبل الذين يتجرعونها حتى تبدأ الملاحقات عليهم لمنعهم من التداول ،لابل ان هناك هيئات ولجان رسمية تضع البرامج التوجيهية والإرشادية من اجل منع تداولها والحد من استخدامها ، والمضحك هنا ان تلك المواد تدخل عبر الحدود ولا احد يحاسبها لان الحدود تخضع للمحاصصة من قبل المتنفذين ، ولكن يتم محاسبة من يقتنيها ويتجرعها ، حالة غريبة ومستعصية في مجتمع من الصعوبة ان تميز فيه بين القانون ومن هم فوق القانون ومن هم تحته،،