مقالات

دعوات حل الدولتين ملهاة للعرب!!

#الشبكة_مباشر_بغداد_الكاتب سماك العبوشي

في اليوم الـ 112 للعدوان الإسرائيلي الغاشم والمتواصل على غزة، وتحديدا في 26 كانون الثاني/ يناير الماضي، كانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت قرارها التاريخي غير المسبوق بقبول النظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد عدوان إسرائيل على غزة، معلنة بذات القرار فرض “تدابير مؤقتة” على إسرائيل لمنع الإبادة الجماعية، وعدم استهدافها المنشآت المدنية والصحية، وان تتخذ إسرائيل إجراءات فورية من أجل ضمان توفير الحاجات الإنسانية، و(السماح) بوصولها الى قطاع غزة ، هذا كما ونص القرار على قيام إسرائيل بتزويد المحكمة بتقرير تفصيلي بعد شهر من صدور القرار يوضح ما نفذته إسرائيل من التعليمات الوارد ذكرها آنفا، إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي – ورغم مرور أكثر من أسبوع على صدور قرار المحكمة – فإنه يبدو لنا غير آبه بصدوره، وغير مكترث بتطبيقه، وها هو يستمر بارتكاب المجازر المروعة والوحشية والمجنونة، واستهداف المدنيين في مختلف أرجاء القطاع، وكأن قرار وحكم محكمة العدل الدولي لم يكن قد صدر أساسا، أو كأنه قد صدر بحق دولة غير إسرائيل!!

الإبادة الجماعية.. من المغول إلى إسرائيل
سياسة قتل جماعي منظمة، تقوم بها حكومة معينة ضد طائفة من الشعب على أساس ديني، أو عرقي، أو قومي أو سياسي، صنفتها ا…

لقد انتظرنا أسبوعا من بعد تاريخ صدور القرار، وتوقعنا من إسرائيل أن تتهيب ولو قليلا من القرار الصادر بحقها، وتحترمه وتنقاد اليه، فتعمل على تقليل ارتكابها للمجازر في غزة، إلا أننا رأينا عكس ما كنا نشتهى ونتوقع، وأثبتت الأيام أن لا شيء يردع إسرائيل عن تنفيذ مخططها الاجرامي الوحشي بقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، أو ترويعهم من أجل دفعهم للنزوح عن أرض غزة وهجرها، فها هو بن غفير – وهو زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (قوة يهودية) المتطرف – يُظهر الوجه الحقيقي لإسرائيل فيُعلن صراحة وبمنتهى القبح قبل أيام عن رأيه ويطالب بالهجرة (الطوعية!!) لسكان قطاع غزة وقال: “تشجيع سكان غزة على الهجرة الطوعية إلى أماكن حول العالم من خلال الحوافز المالية هو الحل الإنساني الحقيقي”، بل والأغرب من دعوته القبيحة والسمجة تلك، ورغم الانحياز الأمريكي الكامل لإسرائيل في عدوانها، فقد اتهم بن غفير الولايات المتحدة الأمريكية في مقابلة له مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، معتبرا بأنها “تضر بالمجهود الحربي” لبلاده، مضيفا “بدلاً من أن يقدم (بايدن) لنا الدعم الكامل، فهو مشغول بتقديم المساعدات الإنسانية والوقود لغزة التي تذهب إلى حماس، لو كان ترامب في السلطة، لكان سلوك الولايات المتحدة مختلفاً تماماً”.!!

لقد وثّق المرصد الاورومتوسطي لحقوق الإنسان – بعد يومين من إقرار محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة- مواصلة الجيش الإسرائيلي، قتل وتهجير المدنيين قسراً، وتجويعهم، بذات الوتيرة السابقة، كما تلمس المرصد أيضا وشخّص عجز مجلس الأمن الدولي عن منع الاحتلال الإسرائيلي من ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والفظائع الجارية في قطاع غزة وذلك تنفيذا لقرارات المحكمة الدولية، عادا هذا العجز من مجلس الأمن بأنه يرقى ليكون جريمة بحق أبناء غزة!!

الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية، وموقفها الحقيقي إزاء ما يجري من عدوان مستمر لغزة، وحقيقة خلاف بايدن مع النتن ياهو، فهذا لعمري حديث ذو شجون ويتلخص بالنقاط التالية:

1- إن خير من وصف حقيقة موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وأصدق من أوضح حقيقة الخلاف بين النتن ياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، يتمثل بتصريح الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي لـ (BBC) حيث قال وأقتبس نصا: “المشكلة تكمن في مشاركة الولايات المتحدة في العدوان الإسرائيلي، وأن الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل فإنه لا يعدو كونه “خيبة أمل” مصابة بها واشنطن من إسرائيل لأنها فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة ولم تنجح في كسب المقاومة [حركة حماس]، ولا السيطرة على قطاع غزة، ولا في استعادة الأسرى [المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس]”… انتهى الاقتباس.

2- أما الحديث عن حل الدولتين الذي بدأ ترديده في وسائل الاعلام العالمي مؤخرا من قبل إدارة بايدن، فهو في حقيقته ليس الا ملهاة لإقناع دول عربية للتطبيع مع إسرائيل، وذلك خدمة لمصالح إسرائيل الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، هذا من جانب، ومن جانب آخر لإعطاء مؤشرات وتطمينات للرأي العام الأمريكي المعارض لسياسة دعم إسرائيل وبالتالي تهدئته، إلا أن الدعم الأمريكي السياسي والعسكري لإسرائيل مازال مستمرا منذ اليوم الأول للحرب، فلو كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادة وصادقة في لعب دور نزيه في إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، لكان أجدر بها الانصياع للضغط الشعبي الأمريكي المتمثل بالمظاهرات المستمرة في ولايات أمريكية مختلفة والتي تدعو وتطالب بوقف إطلاق النار، فتمارس ضغطا حقيقيا لإصدار قرار بوقف القتال من جانب، وإيقاف تزويد اسرائيل بالسلاح من جانب آخر!!

3- لقد تفاوتت آراء المحللين السياسيين بخصوص الخلاف بين النتن ياهو وجو بايدن، فمنهم من يرى بأن الخلاف بينهما جوهري قائم على إعاقة النتن ياهو لحل تطرحه الحكومة الأمريكية بقيادة الديمقراطيين والمتمثل بإقامة دولة فلسطينية – وإن كانت منزوعة السلاح-!!، بينما يرى آخرون أن هذا الخلاف قد لا يعني شيئاً أمام الدعم الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل، ويرقى لتحويل أمريكا من وسيط (نزيه عادل) في القضية إلى (شريك أساس ودائم) في العدوان ضد الفلسطينيين!!.

لقد بات واضحا للقاصي والداني، بأن إسرائيل غير جادة لقرار محكمة العدل الدولي، وغير مكترثة لعواقب عدم تطبيقها فقرات القرار، من منطلق شعور إسرائيل بأنها مُصانة ومدعومة وفوق القانون الدولي، كما ولا يهمها دعوات إقامة دولة فلسطينية كما يروج الآن عبر الإعلام، ففي التاسع من يناير/ كانون الثاني أورد البيت الأبيض في تصريح عبر موقعه الرسمي أن بايدن ناقش مع نتنياهو في مكالمة هاتفية “رؤيته لسلام وأمن أكثر استدامة لإسرائيل، يجعلها مندمجة كلياً في المنطقة، من خلال حل الدولتين مع ضمان أمن إسرائيل”، وتنقل وكالة رويترز عن البيت الأبيض أن “مكالمة بايدن مع نتنياهو كانت الأولى منذ شهر، وعندما طلب من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي توضيح ما إذا كان نتنياهو يعارض قيام دولة فلسطينية مهما كان نوعها، لم يرد مكتبه على الفور”، في وقت صرح النتن ياهو بحسب ما نقلت رويترز عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: “بعد تدمير حماس يجب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة لضمان أنها لن تشكل تهديداً، وهو مطلب يتعارض مع مطلب السيادة الفلسطينية”.!!

وإزاء تطورات هذه الأحداث، وعدم جدية واكتراث إسرائيل للانصياع لقرارات محكمة العدل الدولي، وعدم تحرك مجلس الامن الدولي لمناقشة وإصدار أمر تنفيذي يدعم قرار مجلس العدل الدولي، فلقد بات لزاما وأمرا ضروريا على الأنظمة العربية والإسلامية تحمل مسؤولياتها القومية والشرعية في مساندة شعب فلسطين في مقارعته للهجمة والغطرسة الصهيونية باتخاذ موقف صارم وعاجل من أجل تنفيذ قرار محكمة العدل الدولي الذي دعا لإيقاف القتال وإدخال المساعدات الإنسانية لشعب غزة، وذلك من خلال:

1- تحركها الجاد والفوري للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية ودعوتها الصريحة والفورية لها بإيقاف تزويد إسرائيل بالمعدات والأسلحة التي تستخدمها في إراقة دماء أبناء غزة.

2- مطالبة منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية بدعوة جادة للأنظمة المطبعة مع إسرائيل بسحب سفرائها وإيقاف أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي والدبلوماسي.

والأمر الأكثر جدية وإلزاما – في ظل ما يجري الان – يتعلق بالجانب الفلسطيني تحديدا، ويتمثل بقيام منظمة التحرير الفلسطينية بالدعوة الفورية والصادقة لعقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية الفلسطينية، لتوحيد ورص الصف الوطني، وإنهاء الانقسامات التي لا تصب إلا لصالح إسرائيل، والاتفاق على نهج وبرنامج وطني فلسطيني شعاره مقاومة المحتل وإجهاض مشاريعه الهادفة لتصفية قضية فلسطين، ودعوة قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية بإيقاف التنسيق الأمني الذي يخدم الكيان الصهيوني ويكبل طاقات شباب فلسطين الساعية لمقاومة الاحتلال داخل الضفة.

ختاما … رسالة موجهة لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة:

وحذار … ثم حذار … ثم حذار من الوقوع في المحذور من خلال الاستجابة والخضوع لطلبات إسرائيل بإطلاق سراح أسراهم دون إيقاف تام للعدوان، فإسرائيل بما تدعو اليه، فهي كأنها تقول: ” امنحونا الأسرى لنقتلكم جميعا”.

4 / 2 / 2024

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى