في ذلك النهار تقابلنا متعاكسين على درجات السلم في مستشفى مدينة الطب هو ينزل وأنا أصعد ، توقف قبالتي وقال
(مفاجأة في السرير رقم ١٤ ، أذهبي لتري)
تركت زميلي وتوجهت بالفعل للسرير رقم ١٤ الذي كنت مسؤولة عنه فكانت المفاجأة الفنانة الجميلة آسيا كمال ترقد فيه.
حينها كنا نرى المشاهير من على شاشة التلفاز أو خشبة المسرح ونسميهم (نجوم ).
الآن نتعثر بالنجوم والمشاهير في عز الظهر .
هل تريد أن تصبح مشهورا ،نجما لامعا؟
سهلة ، فقط افتح بثا مباشرا على برنامج التيك توك وقم بقلي بيضة ثم التهمها بفم مفتوح مقرف أمام سكان الكرة الأرضية أجمع أو أغسل أسنانك في الحمام في بث مباشر وتبادل الشتائم مع الناس أنت بصوتك وهم بالتعليقات ثم قم بإفراغ مثانتك ونم في الساعة الخامسة فجرا ، لتصحو ظهرا وأنت من المشاهير .
أما إن اتخذت موقفا إنسانيا مثلا فقمت بشتم (اللي ميتسموش) فقلت بصوت شعبان عبد الرحيم (أييييه أنا بكره ا س را ى ي ل وأيييه)
فسيرفعونك على الأكتاف بطلا قوميا وسيمنحونك الدكتورا الفخرية كأفضل شخصية مؤثرة وبهذا أنت تتفوق على أمين عام الأمم المتحدة فالرجل يشجب ويستنكر طوال الوقت بأعصاب مشدودة لأن التعبير عن استنكاره يتطلب أن يكون منزعجا من دون ساعة استرخاء واحدة بينما أنت بإمكانك الرقص والشتم والغناء والهتاف والبصاق والتبول علينا من على منصتك في التيك توك وأنت في قمة الإسترخاء والشهرة والنجومية إضافة إلى كسبك المال.
ذات يوم انفلت قفل حقيبتي الصغيرة فسقطت أشيائي وتبعثرت على الأرض أمام قاعة المحاضرات في كلية الطب ، ومن بين تلك الأشياء كان قلم أحمر الشفاه اللعين.
لاأدري لما وضعته في حقيبتي مع أنني لاأستعمله خلال يومي الدراسي وأكتفي باللطخة السطحية البليدة على شفتي الشاحبتين صباحا.
نظرت إلى أشيائي وإلى قلم حمرة الشفاه وشعور بالخزي والعار يتلبسني فقمت بجمع كل شيء تاركة ذلك القلم الأحمق أرضا وشعور بأن قنبلة يدوية أو مجلة إباحية هي التي سقطت من حقيبتي وليس قلم أحمر شفاه تافه.
ثم عاقبت نفسي شهرا كاملا فمنعت شفتي من ملامسة أي لون صناعي ، ربما أو بالتأكيد كنت متطرفة في مشاعري حينها لكني بكل حال من الأحوال لم أكن أتخيل أن تمر السنوات وأرى بنات حواء يصبغن وجوههن بخطوات مفصلة على الهواء مباشرة ثم يطلقون على تلك التفاهة اسم (محتوى)
يقول ألان دونو في كتابه نظام التفاهة( أن التافهين حسموا المعركة لصالحهم وقد تغير مفهوم الحق والخير ذلك أن التافهين قد أمسكوا بكل شيء).
فإن لم تكن صاحب (محتوى) فأنت فاشل ومتخلف ولاتفهم شيء بالتكنولوجيا .
المسألة سهلة كن ذكيا وطل علينا من على منصتك في التيك توك ثم قم بعمل أي شيء كأن تبصق علينا مثلا ثم تتجشأ وتخبرنا بثقة أن نجلاء فتحي هي إبنة الملكة فوزية وإن عبد الحليم مات بجرعة دم ملوث وليس من مضاعفات مرض البلهارزيا وإن شيرين قد عادت لحسام للمرة السابعة والتسعين بعد الألف وستحصل على ملايين المشاهدات مع النجومية والشهرة والمال .
يذكر (ه.ج.ويلز) في روايته (بلد العميان ) شيء جميل وهو حين تحسسوا الناس المصابين بالعمى جيلا بعد جيل حيث كل سكان وادي العميان كان فاقدا للبصر، حين تحسسوا وجه بطل الرواية بعد سقوطه في واديهم وجدوا عضوين غريبين في وجهه يسميهما الفتى (عينان) لذا قرروت أزالتهما لأنهما السبب في اختلال عقل الفتى فهو يقول أشياء غير منطقية .
الآن التافهون في كل مكان ، وكوكبنا يتحول إلى بلد العميان ،فالخطأ هو السائد ، والصواب منطق المخبولين ،أقول قبل أن يضموك العميان إلى صفوفهم ويقتلعوا عينيك ، وتلك لحظة آتية لامحالة ،أهرب واخرج لترى جمال نزول الفجر على التلال ، وكم هو رائع أن تحتفظ بعينيك في زمن العميان.
#د_تهاني_محمد