على مدى يومين اقامت الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال ، مؤتمرها التاسع في بيروت ، وكان لخبراء الاتصال ، وقفة علمية جادة لتأشير المناطق الرخوة والخطرة التي تحيط بعوالم الاتصال ومتاهاتها ، واشدها متاهة مواقع التواصل الاجتماعي التي تتوزع على عالمين ،، عالم واقعي نعيشه ، ونستطيع ان نفهمه ونتفهمه .. وعالم افتراضي غامض مترامي الاطراف ، يختفي وراء عالم سيبراني لا حدود ، ولا اصول نظرية له ، لصعوبة في القدرة على رصد متاهاته وتقرحاته.
وعلى الرغم من الوضع الامني الذي يهدد لبنان العربي ، بسبب حرب (الكائن المؤقت ) وهذا مصطلح جميل اطلقته الباحثة ليلى من لبنان ، وكانت بحق جادة بطروحاتها مستنيرة ومتميزة في مداخلتها .
متاهة حرب غزة ومخاطرها واهوالها ومفاجآتها ،، هي ايضا متاهة كانت في صميم انشغالاتنا ،، ولأنها كانت ومازالت الخبر الاول في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي . وهذا ما اثارته الاستاذة الدكتورة مي العبد الله الشخصية الاعلامية اللبنانية المائزة والمؤثرة في الوسط الاعلامي اللبناني والعربي .. التي اصرت على انعقاد المؤتمر السنوي ولو بتأخير لثلاثة شهور ، وكان لها ما ارادت .
كان الحضور الاكاديمي لاساتذة وخبراء الاعلام العرب من بعض الدول مقتضبا ،بسبب خطورة الوضع الامني في بيروت .. لهذا القيت بعض البحوث على مسامعنا عن طريق ( اون لاين) خاصة من قبل اساتذة المغرب العربي .
اما عن مشاركة العراق .. فقد حضر الزميل الاستاذ هاشم حسن، وكاتب السطور ، وغاب الزميل الاستاذ فاضل البدراني لانشغاله في وزارة الثقافة والاعلام وهو اليوم الوكيل البارز فيها .
ارادت الاستاذة الدكتورة مي العبدالله توسيع نظريتها عن المتاهات الاجتماعية في العالم العربي التي اطلقتها بكتابها المهم (متاهة التواصل الاجتماعي في الفضاء العام ) ولأنها تعرف ان هكذا نظريات تتعلق بالاتصال ستظل مفتوحة للنقاش والتوكيد على منطلقاتها وانساقها وكشوفاتها .
عشرات البحوث ألقيت ،، ونوقشت بشكل جدي .. من بداية الجلسة الاولى التي ترأستها د مي العبدالله ،، الى اخر جلسة كنت انا من ترأسها ، اضافة الى رئاستي الجلسة الثانية ،، والتي كان من المفترض ان تكون من حصة الصديق د البدراني .
البحث الاول للدكتور هاشم حسن ،، كان بحق مهما في مقارباته وتطبيقاته ، وحمل عنوانا لافتا ( متاهات الاتصال في تطبيقات المناهج المعرفية ).
في حين كانت د فاتن بن لاغة من تونس قد تناغمت مع د هاشم وهي تتصدى الى اشكاليات النماذج الاتصالية المستخدمة في بحوث الاتصال الرقمي / مقاربة نقدية) .
ومن مصر استعرضت دمي مصطفى اساليب تكيف الجمهور مع العبء المعلوماتي للميديا الجديدة..)
ومن الجزائر وفي بحث ثنائي عن ( الحوكمة الاعلامية في ظل متاهات الاتصال )د بوحنة قويود وًفضيلة تومي . كما قدمت من سلطنة عمان الاستاذة عالية هلال السعدي بحثها المهم والموسوم ( تحولات الذات العربية والفضاء الالكتروني – الذات الصلبة والذات المتدفقة ).
واختتمت الجلسة الاولى في بحث قدمته من الجزائر الدكتورة هجيرة حمادي ( بنية العقل العربي واللاتواصل – دراسة تحليلية انقروبولوجية) .
كانت الجلسة الثانية التي ترأستها انا مهمة هي الاخرى بعنوانينها ومضامينها واشتقاقاتها .. من لبنان د مصطفى متبولي تحدث عن ( …..وهم الاتصال ومستنقع التيه الاعلامي ) ومن لبنان ايضا قدمت الباحثة الدكتورة ايمان رزق بحثا مهما عن( الادمان الالكتروني والمتاهة النفسية لدى الشباب اللبناني ) .
وتأتي من الجزائر د نوال بو مشطة لتقدم بحثها المهم عن ( مظاهر التشيؤ لدى المرأة المؤثرة عبر انستغرام – بين تسليع الجسد وتغييب القيم / دراسة تحليلية) .
وفي اخر بحث للجلسة الثانية تألقت الباحثة اللبنانية الشابة لارا سليمان في قراءة بحث جري تحت عنوان ( المتاهات الدينية والايديولوجية للاتصال ورهاناتها الثقافية – ” المقدس والمدنس ” والتضليل الاعلامي والديني .
استطيع القول ،، ان جميع البحوث التي وصلت للرابطة ، ومن مختلف الاقطار العربية ، وجرى تقديمها بشكل مباشر او عن طريق (اون لاين) وفي جميع جلسات المؤتمر،، كانت مهمة جدا .. على الرغم من ان بعض منها قد تماهى في الطرح والتضمينى .. وكان من الممكن ان توزع العناوين بشكل معلن ، حتى لا يتكرر البحث في مواصفاته وانطلاقاته.
في الواقع .. اقول اني اضطررت الاشارة الى البعض من ما تقدم من بحوث كنماذج ، يستطيع القاريء اللبيب معرفة اهمية وبراعة المؤتمر ، ونجاحه في اثارة نقاشات جدية ومداخلات في غاية الاهمية والمسؤولية .
ولقيمة المؤتمر العلمية وانطلاقاته الجادة ،، كان وزير الاعلام اللبناني الدكتور زياد مكاري اول الحاضرين ،، مع وجود رئيس الجامعة اللبنانية الاستاذ بسام بدران ،، وعميدة كلية الاعلام فيها الاستاذة الدكتورة جوسلين نادر .
وكانت هناك كلمات مهمة للدكتورة مي العبدالله وهيثم قطب نائب رئيس الرابطة وايضا كلمة ضيوف المؤتمر التي القاها الزميل الدكتور هاشم حسن، وتم منح درع التميز في البحث العلمي لسنة ٢٠٢٣ للباحث العماني الدكتور عبدالله الكندي .
في نهاية المؤتمر كانت هناك مقررات و توصيات اهمها ،،، ضرورة ان يعقد المؤتمر مرتين خلال عام واحد وليس مرة واحدة .. كذلك ان يصار اقامة احتفاء لتوقيع الكتب الجديدة لاعضاء الرابطة.
لا ننسى ان ادارة المؤتمر قد بادرت مشكورة وفي اليوم الاخير الى دعوة ضيوفها
للقيام بجولة في المدن القريبة من بيروت ،، وتناول الغذاء في مطعم وسط ربوع جبال لبنان الاشم .