البنجرجي او ماتعرف به مهنة الضلاعة، وهي مهنة متخصصة بعجلات المركبات من حيث كمية الهواء المطلوبة في الاطارات والعيوب الموجودة فيها وضرورة معالجتها بشكل دقيق وصحيح نظرا لماتقوم به الاطارات من دور في اداء العجلة سواءا بالطرق السريعة او تلك الطرق الوعرة التي تحتاج الى توازن العجلة منعا لحدوث كوارث قد تؤدي الى فقدان حياة الكثيرين ، سواءا من مستخدمي العجلات او ممن يسيرون في الطرق .
وبالرغم من سهولة هذه الوظيفة الا انها تحتاج الى معدات واجهزة دقيقة في قياساتها لضغط الهواء ، وما ادراك ما الهواء واهميته في حياة البشر سواءا كان هواءا طليقا ام انه ينحشر في اطارات العجلات ، بغض النظر عن تكلفة العجلة ومن يقودها.
ومن المهن المهمة الأخرى التي تتعامل مع الهواء هي مهنة المايسترو او قائد الجوق الموسيقي ، انه فعلا قائد ولكن ليس لفرقة عسكرية بل لفرقة موسيقية ، سلاحها الأدوات الموسيقية التي لاتطلق القذائف بل تطلق احلى النغمات الموسيقية واكثرها شجونة بحيث يتعامل معها السامعين بكل طيبة قلب وراحة نفسية. سلاح المايسترو هي العصا التي يحملها بيديه ، وتكفي كل اشارة من تلك العصا وفي ثانية ان تخلق الأنسجام بين اللحن والارتقاء بعملية العزف التي تؤديها الفرقة الموسيقية ، فهناك علاقة مترابطة بين حركة العصا وحركة وانسجام جسم المايسترو وترابطهما مع النغمات ، وحتى ايماءات وجه المايسترو تكون منسجمة ومترابطة مع اللحن سوية.
فتصور مدى الترابط بين حركة العصا وحركة الجسم وانفعالات الوجه، كل ذلك يتم نقله ايضا عبر الهواء الى اعضاء الفرقة الموسيقية الذين يجلسون امام القائد ، وبهذا يختلف دور المايسترو عن غيره من القادة الذين يجلسون فقط في الخلف ويصدرون الأوامر فقط للفرقة التي يقودونها !!!
وجود المايسترو وتفاعله مع الهواء الذي أمامه وتناغمه مع النوتات الموسيقية يؤدي دورا مهما يتمثل في كونه حلقة الوصل بين الملحن الموسيقي وبين الفرقة التي تعزف ، اي حلقة الوصل بين الشعور بصوت الموسيقى واللحن المطلوب ورؤية حركة اللحن لكي يصل الى المستمعين الذواقين ويتلذذوا بهذه الوجبة التي تغني عن سماع المشاكل والأضطرابات. وليس من الغريب ان مهنة المايسترو كانت تسمى في الحضارة اليونانية ” مانح الأيقاع ” وذلك لاعوام تعود الى 700 ق.م عندما كان يصل عدد الموسيقيين الى 800 عازف،،يوم كان المايسترو قائدا مشهودا له بالتصميم والارادة لاشباع حاجات الناس،قبل ان يوجد القادة السياسيين واحزابهم التي حرمت بطون الناس من عافيتها !!
أما السياسي فانه ايضا يستخدم الهواء كالبنجرجي والمايسترو في اداء مهمته ولكن عن طريق الأحاديث الطنانة والرنانة والخطابات والتوجيهات والوعود الكاذبة غالبا واللقاءات والندوات والمؤتمرات ، فالسياسي بحكم عمله يتفاعل مع مستويات متعددة من الفئات البشرية ،فمنهم المتعلم ومنهم الجاهل ومنهم من له مكانة وسلطة وحظوة ومنهم البسيط الذي لايتقن فنون الحياة ويستخدم النمطية والتقليد والتكرار.
ولهذا فأن السياسي الناجح هو السياسي الذي يحسن انتقاء الكلمات واللحن الذي ينسجم مع العقول ، فأن كانت تلك العقول ذات مكانة من الأهمية والاحترام فمن المؤكد بأنه يعزف لهم بكلمات منتقاة بحكمة وذات جودة ، وبعكس ذلك فأن السياسي المدعوم من قبل فئة خبرتها المضاربة بالأموال وكسب المصالح وبيدها توزيع الثروات على جيوبهم، فأن ذلك السياسي ينتقي في اختياره لخطاباته مع الشعب كل المفردات الروحية والوطنية والسيادية والشفافية ولكنها في الحقيقة فارغة من اي محتوى وتعتبر وصلات موسيقية نشاز ويحاول بها استدراج العقول المتخلفة لكي تصدق.
فما اصدق من البنجرجي عندما يستخدم الهواء لزيادة التوازن وسلامة العجلة، واهمية المايسترو عندما يحرك العصا في الهواء ليخلق اروع موسيقى ، وما اسؤا من السياسي المختص في السلبيات والتخلف عندما يحرك لسانه عبر الهواء ليزداد الشعب تخلفا ورجوعا الى الوراء. اللهم كثر لنا عدد البنجرجية والمايستروية لانهم اصدق انباءا من المتسيسية !!!