
كان لقب افندي في العهد العثماني يطلق على اربع فئات من الناس :
صغار الموظفين وغيرهم من افراد الطبقة المتوسطة والمتعلمة تعليما بسيطا او …
ابناءالسلطان وافراد العائلة المالكة من الذكور (وحيد الدين افندي . …
غير المسلمين مهما علت مراتبهم او سمت مراكزهم الرسمية والاجتماعية .
بعد استقلال العراق عام 1932 من الانتداب البريطاني، انبنى نظام ملكي وصارت ثقافة “الأفندي” تظهر بوضوح. الأفندي، كان رمز للأناقة والتمدن، وصارت الأغاني تتغنى بيه وتتفاخر بالملابس الإفرنجية والقبعة، وكأنما صار الأفندي “الموديل” اللي المجتمع يطمح يوصله. حتى الصحافة واكبت هالتوجه، وطلعت جريدة باسم “الأفندي”، تتناول أخبارهم وأخبار العوائل الكبيرة والأرستقراطية واللي تملك أراضي وأملاك. وهذولا كانوا مثل الأيقونة، والناس تقتدي بيهم بكل تفاصيل حياتهم.
بأواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات، دخل الفكر اليساري والشيوعي، وبدت حركة ثقافية وفنية جديدة بالمجتمع، تفتح الآفاق، وصار الناس يقبلون على السينما، والعوائل تبدأ تروح لها بشكل علني، صار لبس النساء بالعوائل المدنية يميل للطابع الغربي، تنورات قصيرة وفساتين مفتوحة، بلا عباءة، وهنا نحجي عن المجتمع المدني مو القروي.
هاذي الثقافة استمرت لين وصلنا للثمانينات، بس من دخل العراق الحرب، تغيرت الأمور، وصارت ثقافة الجيش هي السائدة. الموسيقى صارت حماسية وثورية، وأغاني مثل “يا حوم اتبع لو جرينا” و”عل الساتر هلهل شاجوري” تملي الشوارع والإذاعات. صار الضابط هو القدوة، والكل يحلم يصير ضابط، والبنات بيوم الخطبة يدورن على “الملازم” و”الملازم”، وصارت مودة الملابس العسكرية هي المنتشرة، وألوان الخاكي والزيتوني صاروا الألوان المحببة، حتى المجلات والصحف صارت تحمل أسماء عسكرية، مثل جريدة “القادسية”.
وما ننسى، حتى الأطفال وطلاب المدارس صاروا يلبسون ملابس عسكرية، زين الطلائع باللون الأزرق وزي الفترة باللون البيج، وعليها خارطة الوطن العربي، وكأنما المدرسة صارت ساحة تدريب عسكرية.
بالتسعينات، لما انهك العراق من الحصار وتدهور الوضع الاقتصادي، شاف المجتمع نفسه مجبور يرجع للعشيرة، العشيرة صارت هي الحماية والملاذ، وصار الانتماء للعشيرة هو الأساس، والولاء صار لها مو للوطن مثل قبل. والعادات العشائرية طغت على المجتمع، حتى العلاقات الاجتماعية صارت عشائرية بحتة.
أما بعد الألفين، فالمجتمع تشتت أكثر بتأثير الحروب والتدخلات الخارجية، وسقوط النظام وانهيار مؤسسات الدولة. الانترنيت دخل بقوة، وصار مجتمع مشتت، وأربع أو خمس سنوات بعدها صارت حرب طائفية اللي عمت البلد، لين تشكل النظام الحالي اللي يطغى عليه الطابع الديني والمذهبي. الثقافة اتجهت نحو الحسينيات والمواكب، وصار التأثير الإيراني واضح، حتى بالنوعيات اللي تكتب بالصحف وبأسماء الجامعات، وصار اللبس الإسلامي، خاصة الشيعي، هو السمة السائدة اللي تملأ الإعلام والسياسة.
باختصار، ثقافة المجتمع العراقي كانت تتغير وتتحول بحسب الظروف الزمنية والسياسية، وكأنما كانت كل مرحلة تجيب وياها هوية جديدة للناس.