تردد كثيرا في هذه الآونة حديث خطير عن نوايا الكيان الاسرائيلي الغاصب وسعيه، بمساندة ودعم الغرب له وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، لتحقيق حلمه بـ “دولة إسرائيل الكبرى”، وقرب إقامته للهيكل الثالث المزعوم، لتكتمل بذلك النبوءة التوراتية، تلك الدولة الكبرى التي تمتد لتشمل كلا من فلسطين (الضفة وغزة)، ولبنان وسوريا والأردن، والمنطقة الغربية من العراق حتى نهر الفرات شرقا، ونزولا جنوبا ليشمل مساحات من أرض بلاد الحرمين الشريفين، تماما كما أوضحتها تلك الخريطة التي كشفتها أحداث طوفان الأقصى المبارك!!
والتساؤل الملح والمنطقي الذي يطرح نفسه بشدة ومن شقين:
هل ستتمكن إسرائيل فعلا من تحقيق حلمها ومشروعها بدولة “إسرائيل الكبرى”، أم لا!!؟
وهل لديها الإمكانيات البشرية الكافية واللازمة للاستحواذ على هذه المساحة من أرض العرب إن تحققت لها الفرصة والظروف، أم ماذا!؟
فأقول وعلى الله التكلان…
لست بقارئ للطالع كالسيدة ليلى عبداللطيف، كما وأنني لا أدعي علم الغيب، فلا يعلم الغيب الا الله سبحانه وتعالى، لكنني وبحكم متابعتي ومثابرتي اليومية ولسنوات طويلة مضت لما ينشر عبر الاعلام المقروء والمرئي والمسموع، وما اختزنته من معرفة، وما أمتلكه من (بعض) بصيرة، فقد تكونت لديّ وجهة نظر مقتنع بها بخصوص إمكانية أو عدم إمكانية تحقق حلم دولة إسرائيل الكبرى، وأحببت أن أدلي بدلوي وأشارككم بها من خلال مقالي المتواضع هذا، مستندا فيما أقوله لحقيقة أنني مسلم بحمد الله وتوفيقه، ومؤمن بكتاب الله الكريم، وموقن بقضائه وقدره، وأن مشيئة الله تعالى هي الغالبة، وهي من تحدد تحقيق ذاك الأمر من عدمه، أو تحقيق جزء منه في مرحلة ما ولظرف محدد ثم ينهار حلمهم ويزول بمشيئة الله تعالى!!.
يقول تعالى في محكم آياته من سورة الإسراء في كتابه الحكيم:
“وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا (8)”.
وحيث أن حالة الافساد الأول لهم كانت قد تحققت وانقضت ولا يهمنا أمرها الآن، فإن ما يهمنا هو حالة الإفساد الثاني التي نعيش أجواءها وقد تحققت الأن ووصلت لذروتها من خلال ما نراه اليوم من إبادة جماعية وسفك للدماء البريئة الطاهرة في قطاع غزة وإصرار من الكيان الاسرائيلي على مواصلة العدوان والتدمير، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن جزءً من مظاهر علو شأنهم قد تحقق بفعل ما نراه من غطرستهم وعدم مبالاتهم بقرارات الأمم المتحدة وعدم امتثالهم لها، وشعورهم بأنهم خارج نطاق المساءلة والمحاسبة، ومن هذا المنطلق، ولهذه المعطيات والمؤشرات فإن هناك احتمالين لا ثالث لهما لتحقيق إسرائيل حلمها بدولة كبرى:
الاحتمال الأول: إما أن يتحقق حلم إسرائيل ذاك، بفضل (حبل من الناس)، وكما يلي:
1- مساندة الغرب لهم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية (البروتستانتية) المؤمنة بعودة مخلصهم ليحكم العالم ألف عام (كما يزعمون!!)، ويجبر اليهود على اعتناق النصرانية!!
2- بمهادنة وانبطاح أنظمة عربية بعينها، مع إيماني ويقيني بأن تلك مرحلة وقتية، وستزول دولة إسرائيل من الوجود من خلال (وعد الآخرة)!!.
الاحتمال الثاني: أن ذلك الحلم لن يتحقق أبدا بإرادة ربانية الاهية عليا، كنشوب حدث عالمي عظيم ستفقد على أثره إسرائيل دعم الغرب لها، وهذا مصداق لما جاء بكتاب الله تعالى من أن (الذلة) ستكون ملازمة لهم لصيقة بهم ما لم يكن هناك دعم بشري لهم (حبل من الناس)، قال تعالى في سورة آل عمران، الآية 112: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ”، وبالتالي سينتهي عمر إسرائيل بإذن الله تعالى وتتلاشى على يد العرب والمسلمين!!.
لن أطرح تساؤلات حول ما جاء بـ (الاحتمال الثاني) أعلاه، فلقد كفت ووفت تلك الآية من سورة آل عمران، ولكن سؤالا كبيرا يطرح نفسه يتعلق بما جاء بـ (الاحتمال الأول) أعلاه وكالتالي:
ندرك تماما ونعي إمكانات إسرائيل البشرية المحدودة، وبالتالي فليس بمستطاع الكيان الغاصب أن يسيطر عسكريا على هذه المساحة الشاسعة من بلاد العرب، فأنى للكيان الغاصب هذه الإمكانيات العسكرية لتسيطر عسكريا على منطقة ممتدة من غرب نهر الفرات في العراق وصولا الى شرق نهر النيل، لتبتلع الأردن ولبنان وسوريا وكل فلسطين!!؟
وجوابا على هذا التساؤل الهام بأن إسرائيل ستستعين لتحقيق هدفها ذاك بما يلي:
1- بقوى من أقليات عرقية محلية كانت قد استحوذت وسيطرت على رقع جغرافية في دول عربية لتكون أداة لها في تنفيذ مخططها الخبيث والشيطاني، ولكم في “جيش لبنان الجنوبي” نموذجا قد يلجأ إليه العدو الإسرائيلي في تنفيذ مخططه هذا، ذلك الجيش العميل الذي تشكل عام 1976 برعاية وتمويل إسرائيلي، وتحت قيادة ضابط في الجيش اللبناني يدعى سعد حداد الذي كان حينها مسؤولا عن منطقة البقاع، وكان أغلب أعضاء هذه الميليشيا من المسيحيين من أبناء القرى الجنوبية، وكان بعضهم أفراد وحدات انشقت عن الجيش اللبناني، حيث أعلن سعد حداد في عام 1979، إنشاء ما سماه “دولة لبنان الحر” على أجزاء خاضعة لسيطرة ميليشياته في الجنوب اللبناني، ولكن تلك “الدولة” فشلت في الحصول على أي اعتراف دولي، ثم تلاشت تماما مع وفاته جراء إصابته بمرض السرطان عام 1984.!!
واليوم، وحسب ظني واعتقادي، فأن العدو الإسرائيلي في سبيل تحقيق حلمه بدولة إسرائيل الكبرى، فإنه سيعيد انتاج هذا السيناريو، ويزمع في قادم الأيام تشكيل جيوش عميلة من ضِعاف النفوس في ثلاث مناطق حدودية عربية تتواجد فيه القوات الأمريكية بشكل قواعد عسكرية تقوم بمهمة حماية هذه القوى حاليا، لتلعب هذه القوى العميلة دورا قذرا في تنفيذ إسرائيل لتحقيق مشروعها!!
2- بالاستعانة بأنظمة عربية انخرطت مع الكيان الصهيوني بعلاقات تطبيع، ظنا منها ووهما بأن ذلك التطبيع سيحمي بلدانهم من التمدد والهيمنة الإسرائيلية، فإن كانوا لا يعلمون بخطر هذا المشروع على أوطانهم ومصير شعوبهم فتلك مصيبة وتؤشر على قصر نظر وقلة وعي منهم بحقيقة العدو الاسرائيلي، أما إن كانوا يعلمون فتلك والله وبالله وتالله لمصيبة كبرى وطامة عظمى، وهي مؤشر لنا بأن لا قيمة لأوطانهم وشعوبهم عندهم، مادام الثمن الحفاظ على عروشهم وكراسي حكمهم!!
وخلاصة الحديث وزبدته:
سواء تحقق حلم إسرائيل الكبرى كمرحلة وقتية وكنتيجة طبيعية لوهن أمتنا وانبطاح أنظمتنا العربية والإسلامية، أو لم يتحقق، فإن (وعد الآخرة) قادم ولاشك بإذن الله تعالى وسيزيل إسرائيل من الوجود ويمحقها، وليس هذا فحسب، بل وسيسبق حلم إزالتها من الوجود سحق ومحق كل انظمة العهر والانبطاح العربي والاسلامي التي وصفها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بـ (أنظمة الحكم الجبري) التي تواجدت ومازالت تتواجد خلال قرن الشيطان هذا بإذن الله تعالى، تلك الأنظمة التي تخاذلت وتقاعست عن التصدي لمشاريع إسرائيل.
وإن غدا لناظره قريب.
قال تعالى: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون”…(آل عمران:112).
وقال تعالى: “كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”…( المائدة: 64).
سماك العبوشي
بغداد – العراق
11 / 11 / 2024