مقالات

القادمون من الآخرة !!

الشبكة مباشر ..د. كاظم المقدادي

القادمون من الآخرة !!

يجري الحديث وبدهشة مستغربة ، عن التطورات السريعة والخطيرة عن كشوفات الذكاء الاصطناعي ، كشكل جديد وخطير من عمليات الاتصال ،، انه اتصال جديد بين كائن بشري ، وكائن اصطناعي ، والخطورة ان يتفوق هذا النوع من الذكاء االمبرج رياضيا وخوارزميا على الذكاء الفطري والبايولوجي .
موضوع ” الروبوت ” المصنع عديم المشاعر ،، يذكرنا بالاصنام الآلهة ، ومزارات الأضرحة ، وكيف نخاطبها ونتوسل اليها ، ونحن نعرف انها لا ترد علينا ولا تحوارنا .. فكيف بهذا الصنم الجديد المتحرك المعرفي ( الكائن الاصطناعي ) يعيش معنا ، ويتحدث معنا ، ويذكرنا بأدق التفاصيل ،، ناطقا وخادما ومطيعا متفانيا ، وحتى محاورا ومجادلا ومنسجما ، وغير منسجم مع افكارنا ورغباتنا اليومية ، التي تحولت الى حاجات فعلية .
الواقع ،، ان هذا الروبوت الذكي والمذهل ، هو صنم عضوي فعال ، يحمل طاقة وخزين من “شبكة عصبية ” تتحرك وتتوهج بعلم الرياضيات والخوارزميات ،، تقترب الى عمل المخ البشري ، ويمكن للروبوت ، ان يحاور الانسان بجدارة ، وكأنه انسان يعرفك اكثر مما تعرفه ،، وهو معك بلحمه وشحمه ، لا تنقصه سوى حضور الروح ،، حتى ان البعض يعتقد انها ستكون اخر الفتوح .
هذا النوع من الاتصال الغريب ، قد يكون ايجابيا كما فعلت “شركة ميكروسوفت” مع مؤسسة جغرافيك ناشونال في تقديم برامج جدية ، عن طريق الذكاء الاصطناعي لمعالجة قضايا البيئة .. من تصحر ، ونقص في المياه وحدوث السيول والفيضانات .
وقد يكون طبيبا جراحا ماهر ، ينقذنا من اورام خبيثة عجز الذكاء البشري من علاجاتها .
خطورة الذكاء الاصطناعي ،، تكمن بأنذارات صدرت ممن ساهموا في برمجة هذا الذكاء ، ومعظمهم من مؤسسي غوغول ، مثل العالم البريطاني الكندي “جيفري هنتون ” ابو الذكاء الاصطناعي ، الذي استقال مؤخرا من شركة غوغول الراعية لبرامج الذكاء الاصطناعي ، محذرا من التمادي في التعلم العميق الذي يحاكي الالياف والاجهزة العصبية ، وقد وصل صدى استقالة جيفري هنتون الى ادارة البيت الابيض ، التي حذرت ، من مغبة التمادي كثيرا في متاهات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي .
الخطورة تكمن ايضا ،، أنه سيكون سببا بفقدان ملايين الوظائف في العالم ، والاخطر يتمثل بقدرة الذكاء الاصطناعي على استعياب برامج مكثفة ، على شكل طاقة توليدية ،، بعلوم الرياضيات والخوارزميات ، قد تعجز عنها السيطرة البشرية ، وتؤدي بالنهاية الى تشابك خطير ، مما يدمر التراتبية العلمية الممنهجة لخزن المعلومات .
نعرف ان ،، تاريخ اتصال الانسان بالطبيعة في العصور الغابرة ، بدأ من الاتصال الذاتي على شكلٍ اشارات وهمهمات وتمتمات / مرورا بالاتصال الثنائي ، وبعده الجمعي في العصر الزراعي ، ثم الاتصال الجماهيري الذي احدثته الثورة الصناعية ،، وانتهاء بعصر الاتصال التفاعلي الذي نحن فيه .
وفي مرحلة قادمة .. سيكون فيه الاتصال ( تأمليا باطنيا وذهنيا عميقا ) وربما ينتهي خلال عام بزرع رقائق الكترونية في المخ .. وهذه الرقائق عبارة عن بنوك للمعلومات مستحدثة ومكثفة .
وقد اعلن صاحب موقع تويتر الشهير الون ماسك ، جاهزية هذه التكنولوجيا لتكون بديلا عن المعلومات المؤرشفة في غوغول وغيرها من بنوك المعلومات ، تماما مثلما تؤدي شركة غوغول عملها اليوم .
ان جوهر الاتصال وتطوره ، وبما وصل اليه ، في عصرنا الحالي .. قائم على توسع كشوفات علم الفيزياء وديناميتات الاجهزة الالكترونية ، وحاجة البشر الى بنوك المعلومات ، والتكوين المعرفي ،، لهذا فأن الذكاء الاصطناعي يشهد اليوم تسارعا مريبا ، مثيرا وخطيرا، متخذا اشكالا فوضوية في بعض من جوانبه ، تفرض فيه قوى رأس المال ، استثماراتها وهيمنتها على الانسانية ، وهناك من الشركات والحكومات من تطمح ان يكون الذكاء الاصطناعي سلاحا جديدا بيدها .. ورصيدا ماديا يتجاوز 15 مليار سنويا .
لذلك فموضوع ( الأنسنة ) وضرورة توفر العامل الانساني ، لابد وان يكون حاضرا في كشوفات الاتصال بشكل عام ، والذكاء الاصطناعي بشكل خاص .
في هذه الايام ،، تتسارع الكشوفات والمبتكرات في صناعة الانسان الآلي ،، او (الانسان الإله ) الذي عبر عنه يوفال نوح هراري في احد كتبه الاخيرة .
ان اخطر ما يجري يكمن في محاولة استحضار الموتى ،، موت من كان عزيزا عليك ،، زوجة حميمة ، وشقيقا حبيبا ، و والدين لم تنهرهما ولم تقل لهما افا . هنا ربما تجتاحك رغبة عارمة ، لكي تعيش معهم من جديد ، تستعيد ذكرياتك ، وتحاول تصحيح الاخطاء التي وقعت ،، وتأمل ان يعيشوا معك في البيت من جديد ، بملابسهم وذكرياتهم وبصمات اصواتهم !! .
انها لتجربة غريبة و مثيرة ، لكنها ممكنة ، وسيكون الحديث يؤجج الكثير من الالام ، و سوف تعيش معهم بروحك ، وهم بلا روح ،، وستكون العلاقة مجسدة ، لكنها ستساهم في ترسيخ علاقة وهمية ،، سينتج عنها تحولات نفسية مريرة وقاتلة ،،لانها علاقات الحلم والحقيقة ،، وهنا نكون قد وصلنا الى ابعد نقطة من عصر ما بعد ،، بعد الحداثة ،، و علينا ان نذكر بالفيلسوف الانجليزي باومان ،، الذي كتب عن الأزمنة السائلة ، والحداثة السائلة ، التي من شأنها ان تذيب التقاليد والعادات ، وكل المحضورات ، وتدمر الثوابت ، وتأتينا بالمعجزات .
وهنا يطرح بقوة السؤال الخطير ،، هل يأتي اليوم الذي تبث الروح في الكائنات المصنعة ( الروبوتات) ؟؟
سؤال علمي ، يبنى على مبدأ ، ان العلم حلقات ،، ولابد ان يصل الى نهايته ، وان حصل شيء من هذا ،، فأن مفاهيم الطبيعة و الحياة والموت والانسان ومصير البشرية ستتغير تماما ، وبشكل لايصدقه احد ، ولا يستوعبه احد ، وان الانسان سينقلب على عقبيه ، وسيحدث تغير خطير في معتقداته وسلوكه ونظرته الى المستقبل .
قبل هذا الانفجار الكوني ،، فأن الكائن الاصطناعي سيعمل بطاقة بديلة مثل الطاقة التي تستخدم في محرك السيارات (زيت وماء ) وادوات احتياطية.
ثم ان الذكاء الاصطناعي سيدخل روح الانسان وعقله ، ويستخدم كوعاء للكائن المصنع ،، وتصح هذه الفكرة على من يعانوون من دخول الجن في اجسادهم ، ويذهبون الى اولياء الله للتخلص وطرد الجن التي استوطنتهم .
او ان الذكاء الاصطناعي ممكن تطبيقه وادخال برامجه على اجساد يعانون من لازمة ” التوحد” هنا سيتمثل امامك انسان كامل ،، يأكل ويشرب ، ويتغوط ، وينام ، ويمرض ويتألم ،، لكنه يعمل بإيحاء من الذكاء الاصطناعي .
اخطر ما في هذا الذكاء الاصطناعي ،، انه يمتلك افكارا توليدية ، تحركه شركات ومؤسسات واستثمارات بالمليارات .
اغلب الظن ،، ان الذكاء الاصطناعي لا يمكن حصره في مقالة او كتاب ،، ولأنه لا يشبه كل العلوم ، وكل المخترعات التي قدمتها الانسانية على ممر الاجيال .،، فهو ليس كمثله شيء .
ستظل ،، النهايات سائبة ومخيفة ، طالما ان الجانب الانساني ظل ضعيفا. ،، كما حصل ويحصل في قضايا البيئةً من تدمير ،، وكأنهم فرغوا من تدمير البيئة ، وجاء دورهم في تدمير الانسان ، فأسسوا للمثلية ، وسخروا مختبراتهم لحروب جرثومية ، وقتلوا روح المواطنة ، وروح الجماعة لحساب النزعة الفردانية ، ،،وتسييد انماط استهلاكية جديدة ،، تجعل من المجتمعات القادمة ،، مجتمعات روبوتات ، ولا بأس بصناعة المليارات من هذا الكائن الاصطناعي ، لتغيير شكل الحياة ونوع المجتمعات ،، هذه هي الحداثة السائلة او المجتمعات السائلة التي كتب عنها الفيلسوف باومان ،، يذاب فيها الزمان والمكان ،، واصالة الانسان .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى