تراثنا الثقافي والفني يحتضن في موسوعته كما هائلا من الكلمات والمصطلحات سواءا مايتم تداوله في اللهجات العامية او غيرها من النصوص،،فالكل يتعلمون مثلا منذ صغرهم ان يقولوا ” الله بالخير”عندما يجلسون ضمن تجمع وخاصة في الفواتح والمراسيم الدينية وبعدها تبدأ الاحاديث والقصص والروايات التي تبدأ غالبا بعبارة ” شكو ماكو ” وهو مصطلح علمي !!! يستخدم على وجه العموم ملايين المرات يوميا ولا احد يعلم مصدره ،، وعندما يكثر الحديث الذي تتم اعادته مرات عديدة يخرج الينا مصطلح ” نفس المقام ” و : يعيد ويصقل ” و “نفس الرنة ” و ” شبعنا من هذا الموال ” و “القيل والقال”.
مايهمنا ان نتساءل ، لماذا لايتم تحديث تلك المصطلحات العامة ،فكل مايدور حولنا قد وصله التطور والتحديث والنمو بفعل تفاعل الثقافات واندماجها مع بعضها ، فما اكثر المصطلحات المتعلقة بالموسيقى مثلا يعيشها الفرد يوميا ولايوليها اهتماما ملحوظا ، فمصطلح ” نفس النوتة ” جاء من النوتة التي يتم تكرارها وهي الدرجة الموسيقية التي تمثل مقطعا صوتيا محددا تبنى عليه السلالم الموسيقية والمسافات بين المقاطع ، فالمدرج الموسيقي هو نقطة البداية لتعلم النوتة ، والنوتة تعطينا معلومات وبيانات لتنفيذ العزف حسب الالات الموسيقية ، فلكل الة دورها في تثبيت النوتة وعلى جميع عازفي الألات ان يلتزموا بها لكي يخرج اللحن سليما معافى مقبولا لدى السامعين وعشاق الفن .
ولعل ارقى انواع النوتات هي التي تستخدم في السيمفونيات التي تمثل شكل طويل من التأليف الموسيقي،حيث وجدث السيمفونيات منذ القرن الثامن عشر في الموسيقى الاوربية ، وتشكل السيمفونية مقطوعة موسيقية معقدة تحمل ألحانا رائعة وتتضمن خيالات وتأملات واسعة وعديدة ، صحيح ان مجتمعنا قد اعتاد على تداول ” الدبكة ” “ورقصة الجوبي ” لانها تلائم شعبيته وتعكس جزءا من الفولكلور الذي اعتاد عليه ، ولكنه نسي ان يؤلف سيمفونية تحاكي سيمفونيات بيتهوفن التي تجاوزت الثلاثين على مدى حياته، بالرغم من ان شعبنا ودون ان يدري فانه يعيش في سيمفونية لم تتجدد منذ اكثر من عشرين عاما وهي سيمفونية التخلف والفساد.
قادة البلد ومنذ بداية هذا القرن اثبتوا قدرتهم على عزف هذه السيمفونية باستخدام الات واجهزة فساد متطورة قل نظيرها في اصقاع العالم ، وحتى انهم اجادوا اختيار ” المايسترو ” من اجهزة مكافحة الفساد ولجان تدقيق وتمحيص ورقابة ،،وهذا المايسترو يراقب وبشدة تناغم الحان السيمفونية حتى ان الشعب اعتاد وقبل رغم انفه ، فاذا كانت السيمفونيات العالمية تتكون من اربع حركات ، فان منظري سيمفونية الفساد لدينا جعلوها اربعمائة حركة ، فليس هناك قطاع في المجتمع لم يشترك في عزف سيمفونية التخلف والفساد، وذاع صيتها في كل دول العالم وتجاوزت بابداعها سيمفونية ” عزرائيل” التي كتبت رثاءا لوفاة الموسيقي الجيكي انوتوني دفورجاك في بداية القرن العشرين ، وسبحان الله في بداية القرن الواحد والعشرين اي بعد مائة عام من ظهور عزرائيل في سيمفونيته ظهرت لدينا سيمفونية الفساد والتخلف بعد سلسلة من المقبلات التي قدمت للشعب مثل الديمقراطية والقتل العشوائي والطائفية مما عجل من قبول الشعب المغلوب على أمره لتلك السيمفونية وزادته طربا ، لابل انه نسي كل انواع الفن والموسيقى مادامت سيمفونية الفساد والتخلف تحلق عاليا وترن بدلا من ان تعزف ” هلا باليلعب جوبي ،، وهلا برجال الجوبي ” . عذرا عزيزنا الغالي ” بيتهوفن ” ، يبدو ان اروع سيمفونياتك وهي ” ضربات القدر ” كنا نحن المقصودين بها !!!!
د. نـمـيـر نـجـيـب نـعـوم