مقالات

التبرع الا إرادي

#الشبكة_مباشر_بغداد_د. نـمـيــر نـجـيب نـعـوم

الانسانية على مسيرتها عبر ألاف السنين قدمت خلال تطورها العديد من المعطيات والمفاهيم والتفاعلات تقوم أساسا على علاقة الإنسان بالإنسان وضرورة ديمومة تلك العلاقة بما يطورها نحو الأفضل.
تلك المعطيات والتفاعلات لم تأتي بناءا على نظريات او دراسات وابحاث بل انها سلوكيات فطرية تقوم على التودد والتقارب بين افراد المجتمع رغم وجود الكراهية والانفعلات السلبية ،وهكذا ساد الانسجام والمحبة والعطاء والتسامح والانفتاح الانساني على عموم المجتمعات .

ولعل سمة او صفة التبرع واحدة من المعطيات الانسانية الراقية في اذهان كل المجتمعات بغض النظر عن الهياكل السياسية التي تقودها،فالتبرع يقوم على المساعدة ، من يملك شيئا يتبرع لمن لايملك ،فالتبرع اولا واخرا قرار يمتلكه من يتبرع وبارادته ولايتم الضغط عليه بالقوة او العنف او باستخدام قصص وهمية وخيالية ،، فهو قرار انساني بحت يعتمد على السلوك والصفة الانسانية التي يحتفظ بها المتبرع .والتبرعات قد تكون نقدية او على شكل خدمات او مستلزمات حياتية مثل الاطعمة والملابس والادوية او غيرها.

ان هذه التبرعات لاتتطلب قوانين او اجراءات فهي افعال انسانية سواءا كانت شخصية او عن طريق منظمات ،فكثيرا من التبرعات يتم توزيعها على مجتمعات قد تصادفها كوارث طبيعية او اوبئة وأمراض تسيء الى الصحة وقد تنتشر وتصيب مجتمعات اخرى.

ولعل عمليات التبرع بالدم او احد الكليتين واحد من الإبداعات الإنسانية وان كان قسم منها يتم مقابل ثمن ، ولكن يبقى الموضوع على قمة الانسانية مادام سيؤدي الى انقاذ نفس بشرية وهي من ارقى الكائنات ، اي تحويل شخص من كيان معدم يواجه المصاعب الى شخص قادر على تأدية واجباته ولو بمستويات بسيطة.وبهذا اثبتت عملية التبرع انها فعلا انسانيا قائما على اساس الثقافة والمشاعر والتواصل من اجل مرتبة عليا تسمو اليها البشرية .

ولكن يبدو ان الافعال الانسانية المجردة من المصالح الشخصية والحزبية والتكتلات والعداءات والكراهيات ما ان تدخل اليها السياسة بكافة صنوفها ومصالحها فانها تتحول الى صفقات تجارية لخدمة مصالح وغايات ليس لها علاقة بجهة المتبرع، بل المهم هو تحقيق رغبات وطموحات وغايات المتبرع له، كما كان يفعل العراقيون مجبرين قبل حلول فصول الديمقراطية ،، حيث كان شعبنا المغلوب على أمره عليه ان يتبرع ” وغصبا على خشمك ” ،فعندما يصدر أمر التبرع تجد العراقيين البؤساء يقفون طوابير أمام الصناديق التي لاتمتليء ، وتتباهى الصحف في حينها بشتى الاحاديث والتحقيقات التي تؤكد على رغبة هؤلاء البؤساء في التبرع للمعارك ،، وبموجب وصولات قبض يثبت فيها مبلغ التبرع،،،للأمانة !!!!

ولكن ما ان وصلت جحافل الديمقراطية للبلد وتنوعت مصادر الدخل وزادت المولات والتحويلات الدولارية المليارية وصفقات القرن وانحطاط الزراعة والصناعة والتعليم وارتفاع نسب البطالة والفقر والعشوائيات والشهادات الجامعية المزورة !!!،،ما ان حققنا ديمقراطيا كل هذه الانجازات ،، حتى هبطت على فئة الدخل المحدود مكرمة استقطاع نسبة من الراتب وبالأجبار والاكراه والتحدي والاصرار ، اي يتم التبرع وفقا لطريقة التبرع الديكتاتورية ، باستخدام المنهج القديم ” وغصبا على خشمك ” ،والغريب ان العملية تتم ايضا بدون وصل قبض من قبل المتبرع له !!!اي الغاء دور المتبرع نهائيا بالموافقة او الرفض ،، والاهتمام فقط بالمتبرع له ، هذا اذا كان هناك فعلا متبرع له ، فما اروع الديكتاتورية في عمليات الاستقطاع ،،اما في مجال منح الزيادات وتعزيز مستويات الدخل،،فتبدأ سلسلة الصلاحيات واللجان الهزيلة والقال والقيل !!!

ولكن الحقيقة تقال ، ان التبرع في زمن النظام الديكتاتوري المظلم والزائل كان عشوائيا اي تدفع ما تريد ،، ولكن الاستقطاع الحالي فانه يعتمد على الأنظمة الرقمية والبرامج التقنية ،،فقد تم تحديد النسبة بـــ 1% ،، وبدون وصل قبض !!!!

د. نـمـيـر نـجـيـب نـعـوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى