
قبل ما يقارب ثلاثة شهور .. ارسل لي الفنان الكبير ضياء الحجار ( صورة ) للوحة شخصية استوحاها من تاريخي الأعلامي والأكاديمي ، فشكرته كثيراً .
ومنذ ذلك الوقت لم احصل على اللوحة ، كما أنني لم اكتف بالصورة مجردة ،، وكان التواصل مع صديقي الفنان الحجار مستمراً ،، إلى أن اخبرني انه سيكون موجوداً في يوم الجمعة الفائتة في شارع المتنبي وفي المشغل الفني لصديقنا الفنان علي المندلاوي .
للأسف الشديد لم التقيه يوم الجمعة ، فترك لي اللوحة مشكوراً ليوم السبت في مشغل الفنان علي المندلاوي بسوق السراي .
الذي لا يعرف ضياء الحجار جيداً ، اقول .. انه من بين رسامي الكاريكاتير المهمين في العراق ، توثقت علاقتي به يوم عملنا في مجلتي والمزمار ، وكان من ابرز رساميها ،، يكفي ان الحجار ، تخرج مهنياً من مدرسة الرسام الكبير المرحوم غازي ، وعلمياً من كلية الفنون الجميلة ، وبحسه الفني اضاف الكثير لفن الكاريكاتير بأفكاره واجتهاداته .
من لوحة الحجار الباذخة بالجمال المكتنزة بالسيميائيات الى” ملحمة الجدار ” الموغلة بالرمزيات ،، كانت الفرصة ان التقي الأخير في مشغله الصغير في الحجم ، الكبير بالمعنى ، مقدراً عتابه لعدم التوقف عنده منذ زمن طويل ، وهو الذي جعل من مشغله ولا اقول دكانه ، ملتقى معرفياً للاصدقاء من فنانين واعلاميين وشعراء ومعجبين .
مشغل المندلاوي ، مدرسة صغيرة للفنون ، يكفي ان جداريته المدهشة التي اجتمعت فيها الأقلام بأنتظار يوم الكتابة والأحلام ،، نبصرها وقد تكدست على شكل ،، كتل وحزم من أقلام الرصاص متشابكة متراصة ، وكأنها تتنبأ بموعد النشور لاصحاب القلم وما يسطرون ، فتمنح الرائي متعة المشاهدة ، ومتعة الأبحار مع كريات لونية ، تتراقص امامنا بكعوب راقصات الباليه .
ملحمة الجدارية ،، فكرتها بسيطة ، ودلالاتها عميقة ، بتشكيلاتها وبألوانها ، حتى خرجت للجميع راضية مرضية ، كجدارية مدهشة بواقعها التعبيري ، شاخصة متوالية.
معظم الذين يمرون على المندلاوي للتبضع الفني ، او من الأصدقاء المثقفين من الادباء والأكاديميين والفنانين يتساءلون :
من اين جاءت فكرة احتكار هذا العدد الغزير وبكميات هائلة من الأقلام ، لتشكل جداراً مرصوصاً ، في وطن يعاني من الفرقة والانقسام ، في حين صمدت الجدارية كحالة مدهشة من الانسجام والوئام..!!
انها فكرة عفوية وبسيطة ، لكنها مثيرة حقاً لانها تشكل اساساً للمتعة البصرية بموضوعها العفوي والتلقائي .
كان موعدي السبت لاستلام اللوحة الرائعة من صديقنا المشترك الفنان علي المندلاوي ، بعد ان انهيت التزاماتي في حضور أربعينية المرحوم ايقونة المتنبي الحاج محمد الخشالي .
كان وجودي في مشغل المندلاوي بين نخبة من الفنانين والاعلاميين ذي فائدة كبيرة ، والطريف انهم تباروا على التقاط اكثر من صورة لنا ولوحة الحجار بيننا .
خرجت من مشغل المندلاوي ، بعد حديث طويل عن تجربتي ، والوضع القلق جداً الذي نعيشه ، ومستقبل الإعلام في العراق ، وعن سبب ظهوري المتواضع في الفضائيات العراقية والعربية ،، قياساً للبدايات من سنة 2004 إلى وقت قريب ، وما قدمته خلال عشرين سنة من برامج تلفزيونية وإذاعية ، وما اصدرت من صحف ومجلات ، وكتب وبحوث ومئات المقالات .
وكان احد الحضور وهو استاذ جامعي يسألني : عن سر بقائنا قيد الحياة ، وسط هذا الكم الهائل من المخاطر والتحديات ، وفوضى الميلشيات وعن سبب عدم تخوفي شخصياً من المخاطر التي تحدق بالوطن وبنخبه المثقفة .. فقلت له وبهدوء /
الخوف من الموت.. موت .