كلمة العددمقالات

سَقَطُ المتاع

#الشبكة_مباشر_سامراء_د. سهام السَّامرائيُّ

يُقالإنَّ قوافل العرب في الجاهليَّة كان إذا سقط من متاعها شيءٌ تأنف عبيدها من التقاطه حتَّى يأمرهم أسيادهم.

والسُّقوط في اللُّغة العربيَّة من الفعل سقط يسقط سقوطًا، أي وقع من أعلى إلى أسفل، والسَّقط (بفتحتين) ما تسقطه فلا تعتدُّ به من الجند والقوم ونحوه، والسَّقط رديء المتاع، وسقط الطَّعام: ما لا خير فيه،والخطأ من القول والفعل. و (المتاع) كلُّ شيء ينتفع به، (والسَّاقطات من الأشياء ما يُتهاون به من الطَّعام والثِّياب ونحوها، وقال بعض اللُّغوين: إنَّ جمع سقط أسقاط ، نحو الإبرة والفأس والقدر ونحوها. وأسقاط النَّاس: أوباشهم.

وسقط المتاع تعني الأشياء الَّتي كان لها قيمة وأهمِّيَّة، ثمَّ فقدت قيمتها ولم يعد لها أي حاجة في حياة الانسان ويمكنه الاستغناء عنها دون أسفو هذا أصل الكلمة والقصد منها.

واستعار الشَّاعر (قَطَرِي بن الفُجَأة) معناها في قصيدته المعروفة والَّتي يُحذر فيها من التَّشبث بالحياة:

أقولُ لها وقد طارت شَعَاعًــا من الأبطالِ ويحَكَ لا تُراعـي
فإنَّكِ لو سألت بقاءَ يــــومٍ على الأَجل الَّذي لكِ، لم تُطاعي
فصبراً في مجالِ الموتِ صبرًافما نيلُ الخلودِ بمستطـــاعِ
ومن لا ُيُعتبَط يسأم وَيَهــرَم وتُسلِمهُ المَنونُ إلى انقطــاعِ
وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ

واستعار الشَّاعر مهيار الدّيلميّ معناها أيضًا في قوله:

فما الحياة وإن طالت بصالحة لمن يعدّ متاعًا بائرًا سقطا

هكذا استعير معنى تركيب (سقط المتاع) فراحت العرب تستعملها مثلاً للتَّحقير عن الشَّخص الدَّنيء الفاسد الجبان الخائن المتسلِّق النَّكرة الإمَّعة الَّذي لا ترجى منه فائدة. ولكلِّ من استقبل الرَّثاثة، وهيء لها بيئة مناسبة ومساحة واسعة من الاهتمام من خلال تقديمهم وتعريفهم لما يعرفن بالفاشنستات ممِّن وظَّفن أجسادهم لأغراض دعائيَّة تجاريَّة دخيلة على ثقافتنا العربيَّة والإسلاميَّة.و بحسب الكاتب (أحمد الشّيبة النَّعيميّ) فإنَّ”جوهر ظاهرة الفاشنستات هو التَّمحور حول المظهر وتمجيد الجسد وإهانته في نفس الوقت بتحويله إلى سلعة دعائيَّة، والرَّكض وراء الرِّبح بأيِّ ثمن كان، واغفال جميع المعايير والقيم الأخلاقيَّة والدِّينيَّة في ممارسة الإغواء الجسديِّ أحيانًا أو الإغواء التُّجاريّ في تسويق ثقافة الموضات والاستهلاك خارج إطار الحاجة الحقيقيَّة للإنسان، وفي تسطيح للوعي وتزييف للواقع و دعوة للتمحور حول التَّوافه والانصراف عن الاهتمامات الجديَّة”.

ويدخل في دائرة (سقط المتاع) المتسلِّقون والَّذين يسعون للوصول بأيِّ ثمن، وكلُّ من أسهم في رفع شأن الوضيع وإكرامه على حساب الشُّرفاء والأكفاء، ولمن يعيشون الوهم مصدِّقين أنفسهم أنَّهم في موقع التَّفوّق والقوَّة،وكلّ من سعى إلى استغلال الطُّفولة وزجِّها عبر وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ لرفع نسبة المشاهدة بغية تحقيق الأرباح. ولإعلامي الصّدفة من النَّفايات البشريَّة الَّتي طفت على السَّطح في ظلِّ الثَّورة الرَّقميَّة ممَّن أسهموا في تسويق التَّفاهة والتَّرويج للأوهام من خلال منصَّات وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وللمرضى النَّفسيين الرَّاكضين خلف الشُّهرة والمتابعة والأموال… الخ

أخيرًا نختم مقالنا بمقولة رجل الأعمال السُّعوديِّ(عبد العزيز العريفيّ): “مع العمر ستدرك بأنَّك محاط بأناس هم سقطُ متاع…! وما أكثر من يسقطون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى