الاتفاقات الدولية: المصالح الخفية والاستعمار الحديث بين القوة الناعمة والسلاح
#الشبكة_مباشر_بغداد_د. كاظم المقدادي

هل يمكن أن تستيقظ الدول الكبرى فجأة لتجد نفسها مغرمة بدولة كانت حتى الأمس القريب عدوًا لدودًا؟ هل يعقل أن تتحول السياسات العدائية إلى اتفاقات تاريخية بين ليلة وضحاها؟ أم أن المشهد أعقد من مجرد تحول في المواقف السياسية؟
الحقيقة أن الاتفاقات الدولية نادرًا ما تكون نتيجة لتغير المشاعر أو القيم الأخلاقية، بل هي انعكاس لمصالح قوى كبرى تدير المشهد من وراء الستار. هذه المصالح ليست فقط سياسية، بل تتشابك مع الأبعاد الاقتصادية، الجيوسياسية، وحتى الأيديولوجية التي ترسم حدود اللعبة الدولية.
عندما تقترب الدول الكبرى من إبرام اتفاق دولي، فإن الخطوة الأولى غالبًا ما تبدأ داخل الغرف المغلقة للمؤسسات العالمية، تلك المؤسسات التي تمتلك نفوذًا يفوق نفوذ الدول نفسها. هنا، لا يُنظر إلى الاتفاق بوصفه تسوية عادلة، بل كأداة تخدم أجندات متعددة، حتى لو بدت ظاهريًا وكأنها اتفاقات لصالح السلام والتنمية.
الإعلام يلعب دورًا جوهريًا في هذه العملية. تُسخر الآلة الإعلامية الضخمة لإقناع الشعوب بأن هذا الاتفاق هو الخيار الأفضل، فتكثر البرامج التحليلية، وتتصاعد النقاشات في “التوك شوز”، وتُضخ الخطابات التي تُحرف الوقائع لصالح الاتفاق المطلوب. هكذا، يتم توجيه الرأي العام بحيث يصبح متقبلًا لما تم التخطيط له مسبقًا، دون أن يدرك أنه جزء من لعبة أكبر.
ما هو أخطر من الاتفاقات ذاتها هو أن الدول الكبرى لا تفكر فقط في الحاضر، بل تعمل على تمهيد الطريق للإدارة التي ستأتي بعدها. بمعنى آخر، فإن بعض القرارات الجذرية، التي قد تبدو غير منطقية أو حتى مجحفة، يتم اتخاذها من قبل إدارة معينة، ليس لأنها تود تحمل مسؤولية هذه القرارات، بل لأنها تقوم بامتصاص الصدمة وتمهيد الطريق لما بعدها.
الإدارة القادمة تظهر وكأنها جاءت لتصحيح الأوضاع، ولكنها في الواقع تتحرك ضمن المسار ذاته، إذ تجد أن كل شيء قد أُعد لها مسبقًا. يتم تقديمها على أنها “الإصلاحية” التي ستحقق التوازن، لكنها في النهاية تكون مجرد جزء من خطة أوسع تتحكم بها نفس القوى الخفية.
إذا كان البعض يعتقد أن الاستعمار الحديث يعتمد فقط على أدوات ناعمة مثل النفوذ الاقتصادي والإعلامي، فإن ما يحدث في منطقتنا يكشف الوجه الآخر لهذه المعادلة. فبالرغم من أن الدول الكبرى تستخدم الخطاب الدبلوماسي والاتفاقات السياسية لإعادة رسم الخريطة العالمية، فإنها لا تزال تلجأ للقوة العسكرية عندما تقتضي الحاجة، حيث تفرض الهيمنة عبر الحروب المباشرة والاحتلال واستخدام الأسلحة المتطورة لخلق واقع جديد على الأرض.
ما نشهده في منطقتنا اليوم ليس مجرد استعمار ناعم، بل استعمار يجمع بين القوتين: الناعمة والصلبة. يتم التحكم بمصير الشعوب عبر أدوات مالية وإعلامية، ولكن في الوقت نفسه، يتم فرض وقائع بالقوة، عبر تدمير المدن، وتهجير السكان، وإعادة رسم الحدود بالقنابل قبل الخرائط.
وهنا تكمن الخدعة الكبرى:
– يتم إقناع الشعوب بأن الحروب هي أحداث عشوائية أو نتيجة صراعات داخلية، بينما هي في الحقيقة جزء من سياسات طويلة المدى تمهد للمستقبل.
– يتم استنزاف الدول عبر الحروب، بحيث تصبح غير قادرة على النهوض مرة أخرى، مما يجعلها سوقًا مفتوحة للنفوذ السياسي والاقتصادي.
– يتم فرض الحكومات والأنظمة وفق معادلات تتناسب مع مصالح القوى الكبرى، لضمان استمرار السيطرة لعقود قادمة.
الخطر الحقيقي في هذا الشكل الجديد من الاستعمار أنه لا يُشعر الشعوب بأنها تحت سيطرة قوة خارجية فقط، بل يجعلها تعيش في حالة من الفوضى الدائمة التي تُستغل لإعادة تشكيل الواقع.
هذا هو الاستعمار الأخبث: استعمار يجمع بين أدوات القوة الصلبة والناعمة، استعمار لا يأتي فقط بالمدافع، بل أيضًا بالاتفاقات السياسية التي تُفرض على شعوب تم إنهاكها بالحروب. استعمار يجعلك تصدق أنك أنت المجرم، بينما العالم الحديث هو الضحية. استعمار يعيد رسم حدودنا ومستقبلنا، بينما نُقنع أنفسنا بأننا من صنعناه.
#خلودوتارقاسم
#الاتفاقات_الدولية #السياسة_العالمية #الاستعمار_الحديث #القوة_الناعمة #القوة_الصلبة #السيطرة_العالمية #لعبة_المصالح #تمهيد_المستقبل #الإعلام_الموجه #الحروب_المفتعلة #التحكم_بالشعوب #النفوذ_الدولي #السياسة_الخبيثة #الاستبداد_المقنع #مصالح_الشركات #الدبلوماسية_المخادعة #خداع_الشعوب #الحقيقة_الخفية #القرارات_الكبرى #التلاعب_بالعقول #الأنظمة_التابعة #السيطرة_السياسية #الهيمنة_العالمية #إعادة_رسم_الحدود #العالم_المخادع #صراع_القوى #لعبة_الكبار