خارطة طريق جريئة لإنهاء الفقر: من صدمة الجائحة إلى نيران الحروب
#الشبكة_مباشر_بيروت_بقلم: خلود وتار قاسم

في عام 2015، دُعيت إلى العاصمة الأميركية واشنطن لحضور المؤتمر البرلماني العالمي الذي نُظم في مقر البنك الدولي. مثّلتُ حينها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصفتي منسّقة منتدى النساء في البرلمان (WIP)، حيث اجتمع نواب من مختلف أنحاء العالم لمناقشة قضايا التنمية وسبل إنهاء الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية.
في تلك القمة، أعلن الدكتور جيم يونغ كيم، رئيس البنك الدولي آنذاك، هدفًا طموحًا وهو أن يتم القضاء على الفقر عالميًا بحلول عام 2030. وبمشاركة المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي حينها، كريستين لاغارد، عُرضت استراتيجية من ثلاث ركائز أساسية لخوض هذا التحدي:
النمو: تسريع النمو الاقتصادي العالمي بشكل شامل ومستدام
الاستثمار: في التعليم والصحة كركيزتين أساسيتين لبناء رأس المال البشري
التحصين: ضمان جاهزية الدول لمواجهة الأزمات، من كوارث طبيعية إلى أوبئة صحية
رغم أن الرؤية بدت واعدة، شعرت أن خارطة الطريق تفتقر إلى الجرأة في مواجهة الأسباب الحقيقية للفقر. فكتبت حينها رسالة إلى الدكتور شنتانيان ديفاراجان، كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في البنك الدولي، عبّرت فيها عن وجهة نظري بكل صدق وشفافية.
قلت له: إن الفقر ليس فقط نتيجة للخلل الاقتصادي، بل هو أداة ضرورية تُستخدم في الحفاظ على توازنات قوى غير عادلة. فصناعة السلاح، التي تجني منها الدول الكبرى أرباحًا هائلة، لا يمكن أن تزدهر دون وجود حروب. ولكي تستمر هذه الحروب، لا بد من وجود مجتمعات فقيرة تُقنعها قيادات دكتاتورية بأنها تخوض معركة “الحق”. وغالبًا ما يتم تسكين الألم بالجهل والمخدرات والعاطفة المتأججة، لتُنتج مجتمعات مضلَّلة تضحّي بحياتها من أجل طغاتها.
وقد اقترحت في رسالتي ما اعتبرته شروطًا شجاعة لإنهاء الفقر:
1. الحدّ من تجارة السلاح عالميًا
2. تفكيك شبكات تجارة المخدرات وتجفيف منابعها
3. ضمان التعليم النوعي والمجاني للجميع
لكنني، للأسف، لم أتلقَ أي رد.
ثم جاءت جائحة كورونا، وشعر العالم للحظة أنه أمام فرصة حقيقية لإعادة ترتيب أولوياته. أُجبرت الدول على التوقف، وتوقفت معها المصالح المتضاربة والضجيج السياسي، وظهرت هشاشة بعض الأنظمة القوية أمام تحديات صحية غير متوقعة. في المقابل، أثبتت دول صغيرة ومُنهكة، مثل لبنان، قدرتها على احتواء الأزمة بإمكانات محدودة وبإنسانية عالية.
لكن الأمل بالتغيير لم يدم طويلاً.
فبعد انحسار الوباء، عادت الحروب بأشكال أكثر شراسة، واشتعلت مناطق جديدة بالنار والدمار. وانتعشت تجارة السلاح من جديد، لتتضاعف أرباح الدول الكبرى على حساب دماء الأبرياء. الفقر لم يُقضَ عليه، بل أُعيد توظيفه كسلاح.
نحن اليوم لا نرى نهاية الفقر، بل نشهد استثماره وتوظيفه في منظومة عالمية ظالمة.
ورغم ذلك، ما زلت أؤمن أن التغيير ممكن. أن نصل إلى عام 2030 وقد حققنا أهداف التنمية المستدامة ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب إرادة سياسية وأخلاقية جريئة، وخطابًا عالميًا يُعلي قيمة الإنسان فوق المصلحة والسلاح.
ربما يتمكّن أولادنا من العيش في عالم مُنتج، آمن، وصحي.
عالم يُقدِّر السلام… ويصونه.
#خلودوتارقاسم
#البنك_الدولي #لبنان #إنهاء_الفقر #السلام #أوقفوا_الحروب #التنمية_المستدامة #المرأة_في_القيادة #السياسات_العادلة