مقالات

النشاز وترسيخه للتخلف د. نمير نجيب نعوم

الشبكة مباشر

النشاز وترسيخه للتخلف



الأنشاز هو جمع نشاز، اي مجموعة افعال وتصرفات لاتحكمها الأصول والقوانين والأعراف والقواعد المعروفة مجتمعيا. وغالبا مايرتبط النشاز بالموسيقى والأيقاع الفني بحيث يتحسس به الفرد ما ان يسمعه،والشواهد على ذلك كثيرة عند خروج احد المطربين او العازفين عن اللحن المتفق عليه ،،حتى تصدح الألسن بالتذمر والمعارضة لان النشاز غير مقبول ويعكس حالة من الفشل.

التمسك بالأداء المتميز سواءا في الموسيقى او غيرها يتطلب اساسا ان يتفق الجميع على اداء واحد ،،فالفعاليات التي يشترك بها مجموعة افراد وحتى في الرياضة هو ان يتفق الجميع على تحقيق هدف واحد ،اما ممارسة النشاز والخروج عن الأداء الجماعي فانه يعتبر غضب واشمئزاز ليس في صالح الفريق.

وبذلك فأن هناك ماهو معروف ومقبول ومرغوب وبين ماهو نشاز،فالمجتمعات عموما تتفق على المساواة والصدق والعدالة ،اضافة الى استبعاد التعامل مع المجرمين والخارجين عن القانون والفاسدين ، ويكون ذلك بغض النظر عن الأطار السياسي الذي يحتمي به المجتمع ،فكل الأنظمة لاتقبل بوجود الناشزين بغض النظر عن مواقعهم ومراكزهم وتحالفاتهم.

فادا كانت الأذن الموسيقية تكتشف النشاز ولاتستسيغه ولاتقبله ،فما بلك بوجود مئات والاف من الناشزين واتباعهم واقرانهم في بعض الأنظمة السياسية المتخلفة ،، يمتهنون النشاز ويمارسون الأبتزاز والكذب والأستهتار والتلاعب في اموال الشعب ،، وعندما يستيقظ عليهم الشعب ويخرج عليهم مطالبا بحقوقه ويفعل مايفعل من احتجاجات ومظاهرات ، ويقول لهم انكم ناشزون ،، فيتلقى من الناشزون والناشزين والانظمة والأحزاب الناشزة الحاكمة ردا اعتباريا لايليق سوى بالأنظمة المتخلفة التي تعيش بانظمة الغابة ،، وهو عبارة عن مجموعة رصاصات نارية تخرج من الذين يحمون سياسات النشاز الى صدور اصحاب الحق والحاجة وتحول صدورهم الى رمادا منثورا.

في بلدنا يعلوا النشاز لأن الشعب المغلوب على أمره ترك حاله الى رب العالمين ليجازي الناشزين مايستحقونه ،،بلد عجيب غريب يضع الدين والعدالة في قمة اعلاناته وطروحاته ،، وفي الواقع ينوء من لهيب التخلف،،صحيح ان النشاز السياسي والطائفي يخلق نوع من التوتر ، الا انه توتر سلبي لايدفع ثمنه سوى الشعب ، فالسيمفونية التي تبناها المتربعين على عرش السلطة تقوم اصلا على لحن ناشز واحد ومقامه واحد ،، وهو وجود وزارات وهيئات وكيانات ولجان، تنتشر فقط للدعاية والأعلان والديكورات ،، وهي اصلا تقوم على العقود الوهمية والتخصيصات الخيالية والأموال المهدورة ووفود وأيفادات سياحية ،، ونحن ونحن ،، وأحنا البير احنا بالك تهوى وتوكع بيه!! وفي الحقيقة المرة ،،ليس هناك مصانع ومعامل صناعية ،،وليس هناك زراعة وتغذية وطنية ،،، ومياهنا تسير نحو حافات الجفاف،، ونفطنا يتم تسويقه عن طريق عصابات من الداخل والخارج،، وحدونا تقررها مكاتب العقارات في دول الجوار،، وشهاداتنا العلمية والتربوية تبتعد عن الرصانة سنين ضوئية ،، وليس هناك برامج استثمارية سوى في زيادة المستشفيات الأهلية وترك الحكومية بدون قطن وضمادات،، وبرامج استثمارية في زيادة عدد المولات والمجمعات التسويقية والتحذير من عودة الأسواق المركزية التي كانت تسد احتياجات جميع العوائل العراقية وباحسن وارقى المنتجات وباسعار مقبولة للجميع،،اهم ستراتيجية لدينا هو استيراد كل شي لكي يسيل لعاب منافذ تحويل العملة وتترسخ المليارات الدولارية في جيوب ،،المبدعين بلحن النشاز !!!

يصف الروائي ف.سكوت فيتزجيرالد هذه الحالة الغير مألوفة بانها “القدرة على وضع فكرتين متعارضتين في الأعتبار في نفس الوقت” ، هكذا نعيش منذ عشرين عاما ،،قوانين للعدالة وصفقات مليارية للفساد،، لدينا وزارات عاطلة ولاتعمل سوى وزارة التجارة ،، صح من قال ” ان جميع الشعب يتحدث بالسياسة الا السياسيين فانهم يتحدثون بالتجارة ”

اننا فعلا بحاجة الى تشكيل فرقة النشاز الموسيقية ،، كما فعل التونسيون منذ أواخر التسعينات ،،لاننا نحتضن النشاز قلبا وقالبا .

 

د. نـمـيـر نـجـيـب نـعـوم

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى