أدب وفنمقالات

رواية الذاكرة 2 // حكاية كتاب_د.كاظم المقدادي

#الشبكة_مباشر_أسطنبول

كلما .. اجد كتابا بين يدي ، او ابدء بتاليف كتاب ، او ازور معرضا للكتب .. اتذكر الكتاب الجائزة الذي منحه لي معلم اللغة العربية الاستاذ موحان ( مدرسة المسعودي الابتدائية) برحمانية الجعيفر في الكرخ .. وكان الكتاب مكرسا للاديب اللبناني جبران خليل جبران ، والصادر عن دار الهلال .

كنت حزينا بعض الشيء .. لان الجائزة الثانية( قلم حبر باركر ) كانت من نصيب زميل ثان .
وكنت اظن حينها ، ان قلم الحبر ، الذي نحمله دائما بجيب القميص او السترة ، يحمل اشارة للتباهي امام الطلاب في المدرسة ، وامام اولاد المحلة ، لأنه كان الاجمل والانفع .
غير اني اكتشفت بعد سنين العمر .. ان كتاب جبران ، هو خير وابقى من قلم الباركر ، لانه شكل لي فيما بعد مشروعا لمكتبة بيتية ، تنامت وكبرت مع تطلعاتي المعرفية .. وهي اليوم قائمة شامخة في بيتي ، وتضم مئات الكتب والمجلدات ، قديمها وجديدها ، لا يصطف في رفوفها كتاب مهوال ، ولا يدخلها فكر ضال .

وعندما بدات بتاسيس ( قسم للاعلام في كلية الفارابي الاهلية) قررنا الغاء ملازم تلامذتنا الشباب ، وطبعنا لهم المواد المنهجية المطلوبة على شكل كتاب .. فالملزمة تختفي بعد الامتحان .. بينما يظل الكتاب في العقل والوجدان ، وهو مشروع مكتبة صغيرة ، تكبر مع العمر ، وتزهو مع المعرفة والفكر .. ثم الم يقل الفيلسوف الانجليزي فرنسيس بيكون ان( المعرفة وعي..وقوة ) .
في المدرسة المتوسطة .. بدات اقرأ لجبران خليل جبران / دمعة وابتسامة .. والاجنحة المتكسرة .. وتعلمت منه .. كتابة الجملة الموسيقية القصيرة .. سلسة ومبسطة ، ثاقبة ومتوهجة .
الكتب .. و في بداياتها التاريخية .. كانت ثورة علمية سهلت انتشار المعرفة ، بفضل اختراع الالماني غونتمبرغ ( المطبعة ) في سنة 1450.. الذي انهى عصر المخطوطات ، وحل محله عصر المطبوعات .. ومن هذا التاريخ العظيم ، انتهت عملية احتكار الكهنة الذين يحتفظون بمخطوطات نادرة ، لكتب دينية مقدسة ، يفسرونها كما يحبون ، وبالجهل المقدس منتشون .
وبفضل اختراع المطبعة ، ولدت حركات الاحتجاج ، دينية ومدنية ، فقيرة وبرجوا ية ، واهمها ( البروتستانية ) ولم تعد المخطوطات الدينية ، التي تهبط من سماء واحدة ، وباراء ضيقة ، وافكار متحجرة ، ذا نفع وفائدة .. لان الفلسفة و المعرفة تحركت بحرية اوسع ، وثقافة انفع ، وعقل لا يركع .
وتحرك مفهوم الكتاب ، مع مفهوم الزمن .. وبدأ العالم في نهاية القرن السابع عشر ، ينقسم الى مناطق معرفية معيارية .. منها النافع ، ومنها الضائع .. وقد استوحى الاديب الفرنسي ( مارسيل بروست ) هذه الظاهرة في اجزاء من كتابه اللاذع ( البحث عن الزمن الضائع ) .
ويعود فضل انتشار ظاهرة القراءة ..الى صناعة القطارات ، وتطور ادب سكك الحديد في اوربا ، وانتشار ظاهرة ( مكتبة سكة الحديد ) وكانت لندن اول المدن التي اهتدت الى مد السكك الحديدية الطويلة ، بفضل المخترع الانجليزي ( جيمس واط ) الذي اكتشف قوة البخار ، وصنع المحرك البخاري .. وساهمت حركة القطارات ، برواج صناعة الكتب وانتشار القراءة ، وولادة حركة الناشرين ، وانتعاش حركة المساهمين ، كبيرهم ، وصغيرهم ، قديمهم ، وجديدهم .

وكان المؤلف ( روتلدج ) من اكثر الناشرين نجاحا في المملكة البريطانية .. اذ قدم سنة 1849 سلسلة كتبه الخيالية بسعر شلن واحد ، حتى اعيدت طباعتها مرارا .. مما شجع الفرنسي ( لوي هاشيت ) باطلاق سلسلته بالاسم ذاته .. و مؤسسة هاشيت الفرنسية ، كانت وما زالت من بين اهم دور النشر في باريس .
ظاهرة طبع ونشر الكتب .. وازدهار ظاهرة القراءة في اوربا باعداد كبيرة .. لم تعكس مستويات القراءة والكتابة ، و لا معرفة توجهاتها .. لكنها اظهرت سحر القصص الخيالية ورواجها .. تماما مثلما فعلت قصص ( الف ليلة وليلة ) في العصر العباسي .. اذ كانت رائجة اكثر من كتب جدل المعتزلة ، ونكبة البرامكة ، وغزوات القرامطة .
طبعت قصص جول فيرن ( خمسة اسابيع في منطاد ) في القرن التاسع عشر ، و ترجمت الى عشرين لغة ، واعتمدت على ادب الرحلات ، وتناولت عوالم معروفة ، واخرى مجهولة ، وظلت تحاكي فنتازيا التكنولوجيات .. الى ان تحولت كتب الخيال العلمي ، الى حقائق علمية .

وفي ( كتاب الاساطير ) اعتبر الفيلسوف الفرنسي رولان بارت .. بقدرة الخيال البرجوازي المتعلق بالعوالم المجهولة ، لجاذبيته الواسعة ، وعوالمه المدهشة ، تماما كما تفعل كلمة ( مجهول ) ذاتها .. وكانت سببا في مستويات التغيير التكنولوجي والاجتماعي في القرن التاسع عشر .

ونعود الى النتاجات العربية / ادبية وعلمية ، سياسية ودينة .. فنجد ان معظمها .. تكرار من دون افكار ، خالية من العلم و الابتكار .. واملنا في صدور روايات تكون سببا في تحولات اجتماعية ، لا ان تتحول الى مقاولات انشائية .

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى