مقالات

المعاملات والأفعال قبل العبادات والأقوال

#الشبكة_مباشر_د. علاء جراد

كان الدين وسيظل مكوناً أساسياً لوجدان البشر على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم، وما يمر به العالم من تغيرات لم يكن لها مثيل يؤكد على أهمية العودة للدين والعودة للروح والضمير، ببساطة العودة الى الله عزوجل خالق هذه الأكوان ومدبرها، وربما الظروف التي يمر بها العالم الآن فرصة ذهبية لكل ذي قلب يعي أن يتفكر ويعيد حساباته، فجميعنا نعرف أننا الى زوال وأن الحياة فانية ومع ذلك لازال البشر يؤذي بعضهم البعض، ولازال هناك من يتاجر بآلام الناس في هذه الظروف القاسية، فهناك من يبيع اسطوانة الأوكسجين لمصابي كورونا بأضعاف سعرها، وهناك من يخزن حليب الأطفال حتى يرتفع سعره ويحاول التحكم في السوق،وهناك من يهدر كميات من بنوك الدم ويعدمها حتى يظل قلة من المستوردين قابضين أيديهم على الدم المستورد ومشتقاته، بل هناك من يعرقل الصناعات الوطنية حتى تظل مافيا الاستيراد قائمة. وفي خضم كل ذلك لازال أئمة المساجد ورجال الدين يتحدثون عن الأمور الصغيرة في العبادات كطريقة المسح على الرأس عند الوضوء، ثم يظهر بين الحين والآخر النداء بتجديد الخطاب الديني، وجهة نظري اننا بحاجة لنوع جديد تماما من الخطاب الديني عملي يتم فيه تطبيق مبدأ “الأفعال لا الأقوال”.

لم يعد الكلام المكرر والمستهلك يجدي، لم يعد “بزنس الدين” يجدي،ولا الدعاة “المودرن” الذين يفعلون كل ما ينهون عنه ويفتعلون الأحداث من أجل زيادة عدد متابعيهم على شبكات التواصل، وبكل أسف أصبح أثر ذلك مدمراً وأفقد الناس ثقتهم في كل شيء، بعد أن فسد الملح ولم يعد يوجد ما يصلحه، وبعيداً عن جلد الذات وبصورة إيجابية أعتقد أنه آن الأوان بل تأخرنا كثيراً في وضع مناهج دراسية عملية، وأكرر عملية، يمكن تطبيقها وأن يتوقف تقييم تلك المناهجعلى مدى تطبيقها على الأرض، هذه المناهج تترجم عملياً تعاليم الدين، تعلم الأجيال الناشئة الالتزام بالوقت واحترام الكلمة، وعدم السكوت عن الخطأ والظلم، وعدم التنمر وعدم السكوت عنه، وتغرس فيهم حب العمل العام وتفضيل الصالح العام على المصلحة الشخصية الضيقة، نريد جيلاً يبلغ عن المخالفات التي يراها ولا يقبل تجاوز القوانين، جيل لا يقبل أن تتجزأ المبادئ ولا يقبل أن يقتنص فرص ليست من حقه.

تشبعنا ممن يأخذون مناصب ووظائف ليست من حقهم سوى لأنهم لديهم من يسندهم، تشبعنا من المسؤولين الذين يتقاضون رشاوى ثم يذهبون الى المسجد للصلاة، لدرجة أن أحد المسؤولينتقاضى جزء من الرشوة في صورة رحلة حج له ولأسرته. تشبعنا من الأطباء والمهندسين والمحاسبين والصيادلة وفئة المهنيين الذين نجحوا بالغش والتدليس، نريد تحولاً جذرياً يأخذنا مرة أخرى الى الدين والى المولى عزوجل.

إن عدد آيات القرآن التي تحض على العمل والمعاملات الحسنة والعلم والتعلم والبحث والتدير والتأمل هي أضعاف عدد الأيات التي تتناول العبادات، فماذا نركز فقط على ايات العبادات ولا نطبق أيات العمل والتعلم والتدبر وحسن المعاملة. فهل هناك أمل أن يحدث تغير نراه في حياتنا، ولو حتى يراه أبنائنا!

الكاتب أستاذ جامعي مقيم في بريطانيا ومتخصص في إدارة الجودة والتعلم المؤسسي. و
زميل الجمعية الملكية للفنون والصناعة والتجارة، و
سفير في شبكة سفراء الجودة والتميز.
@Alaa_Garad | Garad@alaagarad.com

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى