مقالات

النفس هبة الخالق وجوهر الإنسان وموضوع “علم النفس”

#الشبكة_مباشر_مالمو _د. سناء صاحب الخزرجي

الآية الكريمة: “يا أيُّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكُم من نفسٍ واحدة وخلقَ منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء” (سورة النساء:1). تعني “النفس” Self في هذا السياق الإنسان ولها أيضاً دلالات أخرى بحث فيها أهل اللغة والتفسير وغيرهم، ولكن تبقى الدلالة مختلفة وكذلك المعنى أو قل تتنوع بتنوِّع الإختصاصات.
وفيما يتعلق بالتفسير النفسي يعطي علماء النفس أهمية كبيرة لمفهوم النفس، لأنها بالتأكيد جوهر علم النفس Psychology وموضوعه. إذ تتأثر تلك النفس التي خصّها الله تعالى بكرامة الخلود في الدار الآخرة أما سعيدة أو شقيّة، وهي إن مات الانسان وخرج من هذه الحياة المؤقتة لا تموت بل ذائقة الموت فقط.
والنفس تتأثر بكل ما يلازمها وبكل ما يحيطها، فالذي يلازمها ثلاثة:
أولها: الجسد Body هذا الكيان الملموس الذي يتعامل معه الإنسان منذ لحظة الولادة حتى الموت. وتجري عليه تغييرات كثيرة ومختلفة باختلاف مراحل حياة الانسان، والعلاقة أساسية بين النفس والجسد فهي حبيسته بصرف النظر عن نوع الشخصية Personality، بمعنى انه يشعر بمحدوديته في هذا الجسد الذي يشدَّه إلى الأرض ببينما روحانيته المبنيّة على الفطرة تنشد التسامي.
تتأثر النفس بجميع الحالات بين الصحة والمرض، فعندما يمرض الجسد تقلق النفس وتصاب بالإحباط إن طالت مدّة مرضها. كما ان الجسد يصاب بعلّة أو أكثر من علَّة عندما تتعرض النفس الى الأزمات، أو عندما تصاب بالاضطرابات كنتيجة طبيعية للظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة. فيصاب بالامراض المختلفة ومنها ضغط الدم، السكري، الصداع المزمن، القولون العصبي وأمراض المعدة وغيرها كثير مما تحفل فيه كتب الطب قديما وحديثا. وقد اصطلح العلماء على تسمية هذه الظاهرة بالأمراض السايكوسوماتية Psychosomatic Disorders، وتعني الأمراض الجسدية لأسباب نفسية والأمراض النفسية لأسباب جسدية.
ثانيها: العقل Mind وكل ما يتعلق به من تفكير، خيال وتذكر وغير ذلك من العمليات العقلية. والنفس تتأثر بالعقل أيضا الذي يعد بمثابة المدير الذي يدير ويدبّر كل شؤون مؤسسته. وهذا بالتاكيد له علاقة بسمات المدير (الشخصية) من ثقافة، كفاءة، ذكاء قيادي وحضور فعّال، فإن كان قادرا على إدارة كل أقسام مؤسسته إدارة سويَّة وصحيحة فسوف تنجح في مهامها، وان كان العكس فالنتيجة ستكون الفشل بالتأكيد.
والعقل يحاور النفس دائما والنفس تخادعه أحيانا كثيرة لأن هدفها إشباع الرغبات والحاجات، بينما العقل يضع الأمور في نصابها فيفكّر في المقدمات والأسباب ويحاكي النتائج. ولهذا السبب يحدث الصراع النفسي أو الداخلي Inner Conflict عند جميع الناس ولكن بنسب متفاوتة، وهذا بدوره يتوقف على مستوى الفروق الفردية بينهم وعلى عوامل أخرى كثيرة تتعلق بالبيئة إذ تشترك جميعا في تشكيل البنية المعرفية لديهم كما تؤثر في سلوكاتهم.
اما البعد الثالث: فهو الروح، والروح يتشعّب الكلام فيها. فقد أخذ الانسان المعاصر على القدماء قصورهم في رفد هذا المصطلح المهم بمفاهيم وتفسيرات ترضي فضول واهتمام الانسان بموضوع الروح، والتي تعد من أكثر المصطلحات جدلا وغموضا. في الوقت الذي سجّلت فيه المعرفة والثقافة اجتهادات العديد من المعاصرين من علماء وباحثين ممّن تعمّقوا في موضوع الروح لغة ومعنى. والروحSoul بداية: تلك النفخة الالهية التي اختص بها الخالق جلَّ وعلا الإنسان فهي أمانة تعود إلى بارئها بعد موته. ولن استفيض هنا في دلالات الروح وفق سياقها في آيات القران الكريم لأنها إطالة قد تبتعد بنا عن الدلالات النفسية للموضوع، وهي متوفرة المصادر لمن يريد الاطلاع.
ولأن موضوعنا محدّد في سياق “علم النفس” إذ يتجسّد في ما تعنيه “الروح Spirit” من سمات أصيلة تختلط مع النفس الانسانية، لتسمو بها من المفهوم البشري القاصر إلى المفهوم العميق للأنسانية. كما تتجسّد الروحانية Spiritualization في حب الخير وتذوق الجمال في كل ما تقع عليه بصيرة الانسان، في كل ما يجعله إنسان صالح يحقق مراد الله من خلقه في هذه الحياة المؤقتة.
كما ان أهمية مفهوم “النفس” تتجسد بوصفها موضوعا أساسيا ارتبط به اسم العلم “علم النفس” الذي يفسّر لنا الذات الانسانية، فهي –أي النفس- جوهر الانسان الذي يصغي لخبايا ذكرياته الماضية ورغباته الحاضرة ومنها ما هو مكبوت. وفي ذات الوقت تعلم -تلك الذات- جيدا حدود العقل في إشباع تلك الرغبات لتتجنب الصراع مع القيم الأخلاقية Moral Values(الضمير). ويبقى صراع النفس حاضراً ان ابتعدت عن قيمها الروحانية، فتصاب بالإضطراب الذي يظهر في سلوك الانسان وتجعله ملولا محبطا لا ينعم بالراحة أو السويّة حتى يعود إلى فطرته الأولى.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى