أدب وفن

مائدة عزاء ..قصة قصيرة …عقيل العبود

الشبكة مباشر

مائدة عزاء/ قصة قصيرة

عقيل العبود

كانت جالسة في الغرفة المزينة بأثواب عرسها المقبل وبعض الأزهار ، تتطلع صوب فضاءات مجهولة.

هنالك عند نقطة ما من نداءات القلب المسكونة بالخفقان، أحست شهباء أنها غدت بحاجة ماسة إلى جلسة استضافة، دعت أمها، لتناول طعام الإفطار الصباحي، ولكن ليس على طريقة جدولها المدرسي المعتاد.

الساعة كانت تشير إلى الخامسة صباحا بحسب التوقيت المحلي للولاية، ذلك ما أثار استغراب أمها، التي كانت غارقة في تصفح أنفاس نومتها.

فالجامعة  التي تذهب إليها ابنتها، هي الأخرى كانت تلتحف بغطاء سريرها، خاصة بعد انقضاء فترة الامتحانات النهائية، أما سان دييغو فعلى عادتها عابقة بزهو العصافير، وإطلالات ربيع الحدائق.

الصباح كما سجيته، لم يكن نذير شؤم، لذلك أبى أن يصرح بالقادم من الزمن، الطالبة الجامعية هذه المرة بعقلها الباطن قررت ان تستفز سكون الفجر، لتدعو أمها ، لتناول القيمر المحلى بالعسل مع زهوة إبريق من الشاي المنقوع ببعض الاعشاب.
 
لذلك باستغراب وتردد قالت ألأم لابنتها: بنيتي لم يحن موعد الإفطار بعد، ماذا جرى، ما الغاية من دعوة الافطار هذه قبل شروع الصباح؟! بيد ان البنت أحست بألم يقتاد ذراعها اليسار صوب فراش النوم، يقتحم أنفاسها، يثقل رأسها، هنالك لم تكن بعد تقوى لأن تسترق السمع لحفيف ورق الشجر، ولا لأصوات الطيور ، ولا حتى لسيارات الإسعاف القادمة صوب بيتها .

حاولت أن تنهض من سريرها ثانية، رغبة شديدة للصراخ كانت تدفعها لأن تقول شيئا ما، ترى هل هي اللحظات الأخيرة ؟ فكرت الطالبة وبوهن ان تعبر عما اعتراها فجأة من الم مفاجئ راح يشد كتفيها، وارجلها حتى انعقد لسانها ولم تعد تقوى بعد لأن تفعل شيئا، لتقول ما يجول بخاطرها.
هنا وبصوت مذعور، أعلنت الساعة ما تبقى بحوزتها من خفقان.
 ترى هل أن الزمن قرر أن يطوي محطة عمرها الخامس و العشرين، أم أنها فقط قررت أن تودع آخر فصل من فصول دراستها الجامعية، وهل أنها سترحل بصحبة حقيبة أثوابها الجديدة، أم أنها ستعانق حرير الأرض المغموس برائحة الأشجار؟ 

أسئلة لا حدود لها راحت تدب في ذهنها قبل حلول موعد صيحتها ألأخيرة،
 
لذلك لم يبق عليها إلا أن تقدم طبق إعتذار خالص من الورد لدعوة مساءات مفتوحة تُقرعُ فيها طبول زفتها، قبل ان تغادر حدائق ربيعها الذي قرر هو الآخر أن يخفق مودعا أول خيط من خيوط شمس الصباح القادم، ربما ليكون عربون فراق أبدي بين هذا الفضاء الذي يبدو متسعا بقدر قوة المؤثرات المادية للأحاسيس الخمس مضافا اليها قدرة العقل، وبين ذلك العالم الذي لا تدرك مديات انتشاره خاصة لحظة تحول هذا الكائن الى ركام متصلب من جسد تلتف حولة اغطية بيضاء، وصندوق خشبي يتم حمله ليستلقي بجميع اثقاله تحت الارض التي يحلم فيها لأن يصل الى اعلى مرتبة من مراتب العلو.

عقيل العبود ماجستير فلسفة وعلم الاديان جامعة سان دييغو وباحث اجتماعي
———-

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى