أدب وفنمقالات

نصفٌ يرتدي نصفاً: قراءة محورية في رواية ( ظِل هيرما فروديتوس) للروائية العمانية بدرية البدري * الرواية الفائزة بجائزة الإبداع الثقافي لعام 2019م في سلطنة عمان

#الشبكة_مباشر_بغداد_الناقد العراقي- مقداد مسعود

(*)
تتمحور قراءتي على الشخصية الرئيسةفي رواية(ظل هيرمافروديتوس)التي لايوجد فيها وفرة شخوص تتنامي وتتقاطع مصائرها،فالشخوص بمنزلة حاشية صغيرة على متن.. والرواية مع العشرة الثانية من صفحاتها: باقتصاد سردي محكم تضعنا بواسطة مهاد سردي أمام جزيء المهيمنة، والجزيء يومض علاماتيا/ عضويا..(كان الأمر طبيعيا جدا حتى أكملت الرابعة عشرة من عمري، ولمّا أبلغ، بدأت أمي تقلق،خاصة بعد أن بلغت أختي التي تصغرني بعامين، وكنت قد بدأت أقلق قبلها، حين بدأت كل رفيقاتي في المدرسة التحدث عن بلوغهن../ 16)..وهكذا نجت من مطب الكتابة الآيروسية، وحسنا فعلت حين لم تأخذ من الجنس إلاّ إشكاليته الجنسانية، وظلال هذه الإشكالية عائليا:(يتعامل أبي مع الأمر كفضيحة قد تطال شرفه، وتتعامل أمي معه كمصيبة حلت على بيتنا لن يمحو آثارها الزمن،… وأنظر إليه ككابوس أدعو الله كل ليلة أن أصحو غداً وأكتشف أنه مجرد حلم خبيث لاتأويل له../21) نحن هنا أمام سهم بثلاث شعب:
الأب : فضيحة.
الأم : مصيبة.
سعاد : كابوس : حلم خبيث.
وحتى تطوّق الرواية موضوعتها سردياً، فهيتكرست على واحدية: الموضوع والشخصيةمن الصفحة الأولى حتى ص109. نلاحظ أن تدني الوعي المجتمعي لدى أبويّ سعاد، له التأثير الرئيس على حالتها النفسية،بشهادتها (لو اقتنعت أمي أن الأمر ممكن الحدوث ولايعني نهاية الحياة، لو آمن أبي أنني لست ضلعا أعوج وضح موضع اعوجاجه،ولن يمكنه أن يخفيه،أو يدسّه في التراب،بل سيضطر لتحمله على هون،لو أنهم ساعدوني على النظر لنفسي كأي امرأة طبيعية يمكنها مواصلة العيش بشكلٍ ما،أو أنهم فكروا بحل خارج الأفكار التقليدية والمتوقعة.لكنهم لم يفعلوا، كل ما فعلوه أنهم غرسوا فيّ الخوف والجري خلف أنوثةٍ لن تأتي../117)
(*)
وجيز مهيمنة الرواية: هو فض إشكالية(سعاد) التي تصوغه سؤالا وجوديا:(كيف أقنع نفسي أنني أنثى كاملة وأنا أفتقد لكل مايمت للأنوثة بصلة؟/ 35).. وبعد خيباتها المعلنة خلال التحليلات المختبرية، تحسم أمرها مع نفسها المعذّبة (انتهى الوقت المستقطع للانتظار،لابد من المضي نحو الحياة بشكل مختلف، بعقل لايشبه عقلي السابق،أن أتوقف عن الانتظاروالحلم والحب،أن أنسى كلمة ماما، وحبيبي، وزوجي../ 54)..
وهنا تكون سعاد قد أنتجت مثنويتها:الحسم ومواجهة المصير بعينين مفتوحتين وقدم راسخة. لكن أنىّ لها الحسم وهي مشطورة بين أنثوية روحها / ذكورية جسدها؟ (إلا أنني كنت أحمل بداخلي روح أنثى ناضجة،أحلم بالحب والزواج،أفرح بنظرات الإعجاب التي يرمقني بها زملائي، أبتسم لحمد الذي كان ألطفهم وأكثرهم رجولة /22).. حين تبتعد وحين تنأى لا تأخذ سعاد معها سوى ألمها الذي ينبضها، والذي يزيدها هشاشة جوانية ويجعلها تدوس نفسها وأحلامها فتستحيل وهي في جامعة فيلانوفا (امرأة من زجاج تتهشم أكثر مع كل خطوة تخطوها../ 96)..والسؤال الأهم بأي ذنب تتشوه مرآة الإنسان الفرد السوي وتتزاحم في كائنيته هذه الجنسانية المتداخلة؟!! لماذا تسلب منه سماته التي يرى فيها نفسه (ليس ذنبي أني ولدت بصفات خلقية لاتؤهلني لإتمام دوري في الحياة كأنثى../70)
ثم تقوم الساردة/ الشخصية الرئيسة/ الذات الضحية/ المصابة/ المصاب : بمرض الترانزسكس وبشهادتها/ شهادته (إصابتي به ليست نفسية وحسب،بل إنها بيولوجية؛ فتركيبتي الجنينية وبنيتي الدماغية الخاصة بالهرمونات ذكورية/ 166)
وسعاد لاتكف عن فاعلية التوازنات، لاتكف عن استعادة إنسانيتها الموجبة، من خلال الاستقواء بالعلم الأكاديمي، فتفضّل إكمال دراستها في أمريكا وبشهادتها(وأتمكن من فرض وجودي في عملي،ما ينقص من جانب يكتمل من جانب آخر/ 97)
(*)
مكابدات سعاد لايمكن تطويقها بالجنساني فقط، فهناك ثغرة هي الأشد مرارة: كيفية وأد سرانية هذا المختلف الجنساني، الفاتك بجسدها وروحها والمتوسلة لنفسها خلاصا إلهيا (ساعدني يارب، افتح لي أبواباً لا يعلمها سواك، منافذَ ألج منها للحياة، طرقاً لايهم أن تكون ممهدة، ولا خالية من الحواجز، ولكن بنهاية أراها، أطمئن إليها،أعلم أنني سأصل يوماً ما، هذا الضعف سيقتلني /59)..هنا المعضلة المنضدّة ضمن الكونفورميا، وهذا النظام بشهادة الدكتور محمد الدروبي ينطوي على عنفوان الديكتاتورية من حيث قدرته على تحتّم وتوجيه سلوك الأفراد الخاضعين له، فهو يمتلك مجموعة من القواعد التي تدخل بعفوية تامة في التركيبة النفسية، العامة والخاصة من خلال التنشئة وهو (يرافق التحولات والتغيرات الطارئة على الإنسان في عملية انسلاخه التدريجي عن الحالة الطبيعية وعن وعيه بضرورة تقييد خياله وسلوكه ضمن إطار أسس معينة يقوم عليها الانتظام الاجتماعي برمته ../ د. محمد الدروبي/ وعي السلوك/ الكونفورميا وأنظمة السلوك/ ط1/ دمشق/ 2004)
(*)
لنتأمل هذا المنولوغ وبلاغته العلاماتية في هذا الزوم المبثوث من عين كاميرا مهارتها عالية الجودة وسعاد في عيادة طبية: (أبقى وحدي في صالة الانتظار،لايبدو الأمر مزعجا كوني وحيدةً في قاعة مليئة بالكراسي الفضية، هذه الوحدة أفضل من سؤال مُباغت يكشف سوءتك للآخرين، سؤالٍ لا تعرف كيف تجيب عليه أو تهرب منه../ 39) وكذلك في قولها وهي وسط زميلاتها(وحدي من يجب عليها حمل همها والاحتفاظ به في ركن لا تصل إليه روح أحد ../59)..من هاتين الوحدتين السرديتين، يبث النص الروائي خليتهُ السردية الموقوتة، التي ستتشظى سردا جماليا موجعا بسعة 198 صفحة.
(*)
أن تكون وحدك ليس سهلا عليك لكن هو تموضعك الأفضل وأنت ليس أنت ولا تريد سواك يعرف سرك الجنساني.. الكراسي ملأى بفراغ لا تشبه كراسي يوجين يونسكو في مسرحيته العبثية الأجمل(يوجين يونسكو/ الكراسي/ ترجمة :د.نعيم عطية/ الهيئة الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر/القاهرة/ 1970)..وهذا المشهد السينمي من إخراج سعاد وتنفيذها وتمثيلها (اخترتُ هذا الوقت بالذات لعلمي بأنه يكاد يخلو من المرضى المراجعين/ 40) وهنا خطوة جديدة في مضمار السرانية
(*)
يتأثل الفضاء الروائي، في (ظل هيرمافروديتوس ) عبر نقلات مكانية: من البيت للتقافز بين البيوت في طفولتها، من المدرسة إلى معهد التمريض، من السكن النسوي الجماعي الى التفرد في شقة خاصة، من المعهد الى الجامعة الكاثوليكية وبشهادتها :(ألوذ بذلك الجدار الملتف حول مبنى جامعة فيلانوفا كسد منيع،أُسرّبُ إليه حاجتي للاختباء بداخله هرباً من ذكرياتي، وما سقط من أحلامي باحثة عن حُلم خرج للتو من شرنقته../88)..
(*)
ضمن منطق الفكر المعتزلي: (حركات النقلة وليس حركات الاعتماد):هي التي حررتها بعض الشيء، من أنظمة السلوك البيئي (وجودي في العاصمة منحني فرصة لحياة أخرى أكثر تحررا. لا أقصد التحرر الذي أتخلص به من قيمي، إنها الحرية التي أتحرر بها من حزن أمي الدائم، وتمنحني فرصة العيش بأريحية أكثر/ 42) إذ تتشارك مع فتيات في شقة، وهناك خلوة ذات ضرورة قصوى، بعد ارتكاب سعاد جريمتها،فيقطع الأوكسجين عن امرأة ولدت للتو، لتسرق طفلتها..لكن الطفلة بعد أيام تفارق الحياة
(*)
رواية بدرية البدري (ظل هيرمافروديتوس) : تستقبلنا بعتبة نصية غير معنوّنة، في العتبة، ثمة حاشية تحيلنا إلى مرجع ٍ نصي عريق، قام بترجمته الدكتور ثروت عكاشة: (مسخ الكائنات) لمؤلفه أوفيد،لكن المسطور في العتبة لايلتزم حرفيا بالمقبوس الأوفيدي بل يتغذى عليه بنسبة معينة وينحرف عنه بنسبة أخرى، هذا ماتخبرنا به العلامة اللغوية الأخيرة والمكتوبة بحجم أصغر حروفيا ضمن الإحالة : بتصرف .. هذا التصرف، يحتوي شفرة مضمرة في قاع النص الروائي، ستتكشف لنا من خلال حراثة الرواية نقديا.
الوحدة السردية الصغرى، تستوقف قراءتي المنتجة، فهي السطر الأول في العتبة (الورقة التي تسقط لايمكنها العودة للشجرة مرة أخرى) ملاحظة تداولية مألوفة/ مؤتلفة، لكن ضمن السياق الروائي، تشتغل بوظيفة إيمائية وهي علاماتيا: القوس الأول.. أما القوس الثاني فهو السطر الأخير: (وتضحك مقهقهةً لقطرةِ مطرٍ هبطت على ظهرها: أوووه، أنتِ أثقل مما أظن، كنتِ أخف عندما كنتُ مرتبطة بغصني) من هذا المقبوس، أقتطف مقبوسا، يهم حراثتي للنص:
(كنتِ أخف عندما كنتُ مرتبطة بغصني)
ومن هذا المقبوس أقتطف: أخف ——- مرتبطة
هذا وجيز نسق استقواء الفرد/ الفريق، فالورقة لم تكن تكترث لحبات المطر حين كانت ضمن غصن من أغصان الشجرة، يومها كانت قطرات المطر تسيح من الأوراق إلى مابعدها ومنها إلى الأرض. بين السطر الأول/ القوس الأول وبين السطر الأخير/ القوس الثاني من العتبة النصية، مابين القوسين هو الوجيز العلاماتي المكثف لرواية بدرية البدرية (ظل هيرمافروديتوس) والورقة التي سقطت من الشجرة سيتم تفكيكها علاماتية طوعا على يد الساردة العليمة/ المشاركةفي صوغ مسردة الحدث الروائي ولها محورية السيادة على الفضاء الروائي:(همست الورقة لنفسها، واستسلمت لغفوةٍ أخيرة) وبالتجاور العلاماتي ستخبرنا الساردة المشاركة:(وأنا كذلك، حين سقطت من شجرتي فرحت بكوني حرة) وعلى مستوى الرواية هذه الطفلة/ الوليدة للتو تذكرني بشخصية الزين في(عرس الزين) رائعة الطيب صالح، فالزين الوليد الوحيد الذي جاء للدنيا ضاحكا..أما بطلة رواية بدرية البدري، فبشهادتها (أخبرتني أمي أنني لم أبكِ كباقي الأطفال، كنت سعيدة بما يكفي لأرفضَ البكاء)
(*)
هنا نكون مع أهم مافي الرواية، ما نزلَ مِن رحم المرأة الحامل: ذكرٌ؟ أم أنثى؟ أم كلاهما في جسد واحدٌ؟ وهنا تفكيك وظيفة المقبوس من كتاب أوفيد (مسخ الكائنات) حيث التداخل الجنساني بين الذكورة والأنوثة، والسيادة هنا لافتراسية الحورية، التي همت بهيرمافروديتوس، وأحكمت قبضتها وطوقته بجسدها…… إلخ ..في الصفحات الأخيرة من الرواية تعلن سعاد أمام الطبيب (أنا من سيتخذ القرار،لست مضطرة لأن أستمر بالعيش ظلا ممتداً لهيرمافروديتوس، نصف امرأة تتكىء على نصف رجل ونصف رجل يختبىء خلف نصف امرأة/ 171) وهنا محنة وعذابات هذه الإشكالية بشهادة سعاد/ سعيد في بقائها مشطورة بينها وبينها،وكأنها عدو نفسها،بعضها يهاحم بعضها،ليتخلص منه ويتسنى له العيش والتنفس بحرية، نصفٌ يلتصق بها كتوأم لصيق ولكنه غير مرئي،لايراه سواها،ولا يتعثر بظله سواها..!!
(*)
نسق جندرالرجولة* لدى الأولاد يداري خزي هزيمته الكروية،التي سببها القدم اليسرى التي بفضلها كانت سعاد دائما تحرز نصرا للفريق الذي تلعب ضمنه، فكان الفريق المهزوم يستقوي بأنظمة الكونفورميا المنحازة لنسق الرجولة،وبشهادتها(أن الخصم الخائب كان دائما يردد أن فتاة لاتغلبهم وأنهم لا يعترفون بأهدافي،وأن فريقنا ليس سوى فريق فتيات لأنهم يقبلون انضمامي إليهم/ 11) وهنا سيتخلى الفريق عن اللاعبة الهداّفة، تضامنا مع جندر الرجولة الذي يجمعهم بالفريق الخائب، فيحاولون إبعاد سعاد، فتستعمل أظافرها وأسنانها مع وجوه فريقها ..
وجندر الرجولة يتجسد بطريقة خاصة في (فهد) شقيق سعاد حين يرفض أن تذهب أخته لتكمل دراستها في أمريكا، فما تفعله سعاد يجلب العار للعائلة، ويطالبها بالزواج للتخلص منها، فهو من حملة جندر الرجولة بفخرٍ واعتزاز(همّ البنات للممات)!! في الوقت الذي أصبحت سعاد وبشهادتها(رفعت اسم العائلة عاليا،جميع أفراد قريتنا يضربونني مثلا لبناتهم ليحتذين بي ../122)
(*)
سعاد عصية ُ دمعٍ،وليست غليظة قلب وبشهادتها الموجهة لأبيها حين كان يضربها(نعم يا أبي، أنا كنت أتألم، كان الضرب موجعا ومؤذيا، كان يصل إلى دمي، كنت أشعر بلسعة سياطك على جسدي الغض، كانت عصاك تغوص فتصل قلبي وتنغرس فيه ثمة ما يمنعني عن البكاء،كيف أقنعك أنني لا أستطيع، الأمر خارج عن إرادتي، غددي الدمعية سليمة،ولامشكلة صحية لدي، هكذا قال طبيب العيون لأمي../ 12)..وفي هذا العصيان الدمعي فعل استباقي، لايظهر منه على السطح إلاّ القليل، سيوصل إلى تلك العلامة النسائية المشروطة جنسانيا، بشكل دوري لدى النساء والعلامتان، تتشاركان حروفيا ولاتزيد احداهما على الأخرى إلا بحرف: دم / دمع
نلاحظ أن كلام الساردة ليس موجها للأب لحظة الضرب، بل بعد سنواتِوعي وخبرة متراكمتين لدى سعاد، هنا نكون ضمن مثنوي
: الحدث ——– سرد الحدث بعد حين
(*)
لنتأمل عميقا هذه السردية الصغرى،وهي بتوقيت تشافي سعاد أثر تدهورها الصحي :(مرّت تلك الليلة ، كسنين كثيرةٍ مُرة مرّت بعدها،لم يُجبر كسري بعد، ولم تنجح يدٌ في انتشالي من وضعي،الكثير من الضربات التي تأتيني من حيث لا أتوقعها، نجحت في ترك أثرها../103).. تجنّس قراءتي هذا السرد(السرد الوجيز السريع) وهذا تجنيسي الخاص لم أقترضه من أحد واشتغلتُ عليه في دراساتي المنشورة.فالساردة الضمنية، تقوم باختزال مرّكب: للزمن ولمؤثرية الزمن في الذات الإنسانية المكابدة.. وهذا النوع من السرد: يكثّف أكثر مما يوجز، ومن أهم فضائله انقاذ جسد النص من الترهل .
(*)
بعد قليل من منتصف الرواية ص109 ينعطف السرد نحو جهوية مباغتة، لم يمهد لها في أي صفحة من الصفحات السابقة من الرواية التي لم تومض سرديا حول أي مشهد عماني عام أو خاص، فالرواية مبأرة حول إشكالية سعاد فقط، فإذا بفعل القراءة يتباغتبأصوات ليبرالية عمانية تحاول تخليص الاقتصاد الوطني من أحاديته المتمثلة بالجانب الريعي: مدخولات النفط، التي تجعل الاقتصاد في مهب أزمة أو انهيارات من المحتمل أن تترك مؤثريتها على المستوى السياسي للبلد/ 109.هذه الجهوية وجهوية القضية الفلسطينية، ترى قراءتي المنتجة أن الجهتين السرديتين الجديدتين محاولة سردية لكسر التنميط والتمحور على قضية سعاد، لكن قراءتي ترى الجهويتين الجديدتين مقحمتين على الفضاء الروائي .
(*)
ترى قراءتي: في داخل رواية (ظل هيرمافروديتوس) تفقس رواية ثانية/ موضوعة ثانية، هي علاقة الشرق والغرب التي كرّس لها الناقد والمعرفي الكبير جورج طرابيشي كتابه النقدي (شرق غرب/ رجولة أنوثة) أعني بذلك علاقة ناصر وزواجه من أوليفيا ثم النهايةالمأساوية لأوليفيا، تذكرني بالنهاية المأساوية للفرنسية (جانين ميترو) في (الحي اللاتيني) رواية سهيل إدريس.وهذه الرواية فائض معنى لاتمت للرواية الأصل بأية صلة.
(*)
في النهاية بعمليات تجميل: تستأصل سعاد معالم أنوثتها الظاهرة، للتخلص من كائنية المشطورة، وحين تعود إلى ذويها لايتعرفون إليها- عفوا – إليه بنسختهالمصنّعة الجديدة، ستكتشف حنو الأب لأول مرة في حياتها التي تجاوزت ربع قرن من المكابدات الشرسةحين يتعامل معها كغريب جاء ليشتري ماشية..(اكتشفت به شخصية أخرى لا أعرفها،يبدو لطيفا،أنيق الكلمات، محباً للتحدث والثرثرة، كريما إلى الحد الذي أدخل به غريبا لبيته،لم تفارق الابتسامة مُحيّاه../ 194) هذه هي الحسنة الأولى وربما ستكون الوحيدة التي نالتها وهي تلج نسق الرجولة وبشهادتها أيضا (تباً لسعاد التي لم تمنحني فرصة التعرف عليه كما يجب أن يكون)
(*)
خارج النص/ داخل التفكر السردي بمصائر الشخوص الروائية،بتوقيت نهاية أوراق المطبوع الورقي، تبثُ قراءتي المنتجة سؤالات: كانت سعاد رجلا في أنثى، هل هي الآن (أنثى بثياب رجل)؟! وهل ستواصل عملياتها التجميلية، لاستكمال عدتها الرجولية؟ وإلى متى هذا الانتقال من الجحيم الجسداني إلى قلق الجحيم الجديد؟
والسؤال الجوهري: ماهو الذنب الذي اقترفه البشر البسطاء حتى ينمسخوا؟!
*بدرية البدري/ظِل هيرمافروديتوس/ دار عرب للنشر والترجمة/ لندن / 2018
*بخصوص (الجندر الذكري)/ ص123/ الرجولة المتخيلة/ إعداد مي غصوب وإيما سنكليرويب/ دار الساقي/ بيروت /ط1/ 2002
*قراءة محورية: مفهوم نقدي تعود براءة اجتراحه لي شخصيا.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى