اختفت اليوم مساحات مائية واسعة جدا من هور الحويزة الواقع على الحدود مع الجارة الشرقية إيران، و“هور الجبايش“ الذي يعد مقصدا سياحيا إلى الجنوب، وتحولت هذه المستنقعات أرضا جافة متشققة خرجت بينها شجيرات صفراء.
والسبب هو الجفاف وغياب شبه تام للأمطار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لكن كذلك انخفاض مستوى المياه المتدفقة من الأنهار التي تنبع من دولتي الجوار إيران وتركيا، ما أرغم بغداد على تقنين استخدام احتياطاتها.
في هذه المنطقة، لم يبق من ”هور أم النعاج“ سوى برك مياه موحلة هنا وهناك، وخطوط جافة لجداول مياه كانت تنحدر عبر مستنقعات الأهوار التي كانت خصبة ذات يوم، وادرجت على لائحة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ”يونسكو“ في 2016.
وشهدت الأهوار سنوات سابقة من الجفاف القوي قبل أن ترويها من جديد مواسم الأمطار الغزيرة.
وبين عامي 2020 و2022، انخفض مستوى المياه والرطوبة في 41% من مساحة الأهوار في جنوب العراق، من بينها ”الحويزة والجبايش“، فيما جفت مسطحات مائية في 46% من مساحة الأهوار، بحسب مسح قامت به منظمة ”باكس“ الهولندية غير الحكومية معتمدةً على صور من الأقمار الاصطناعية.
وفي ظل الانخفاض الحاد في مياه الأهوار، دقت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) ناقوس الخطر، محذرة في تقرير نشر منتصف تموز/يوليو من أن الأهوار ”واحدة من أفقر المناطق في العراق وإحدى أكثر المناطق تضررا من تغير المناخ ونقص المياه“.
وأشارت إلى ”آثار كارثية على سبل عيش أكثر من ستة آلاف أسرة ريفية، إذ إنها فقدت جواميسها التي تعد مصدر رزقها الوحيد“.
ويقول الناشط البيئي أحمد صالح نعمة (40 عاما)، الذي يقطن في مدينة العمارة المجاورة، إن ”الجفاف قضى على التنوع البيولوجي بشكل كامل.. لا وجود لأسماك ولا حيوانات مثل كلب الماء وخنازير برية أو طيور“.
على موقعها على الإنترنت، ذكرت اليونسكو أن الأهوار موطن ”أنواع متعددة من الحيوانات المهددة بالانقراض“، وتمثل كذلك ”أحد أكبر مواقع التوقف الشتوي للبط وموقع توقف رئيسيا لنحو مئتي نوع من الطيور المهاجرة“.
ويتغذى ”هور الحويزة“، بحسب الناشط أحمد صالح، بشكل أساسي من رافدين لنهر دجلة الذي ينبع من تركيا.. لكن السلطات قنّنت تدفقهما في إطار خطة حكومية لترشيد استخدام المياه تلبية لكافة احتياجات البلاد منها.
ويقول صالح إن ”الحكومة تريد المحافظة على أكبر قدر ممكن من المياه لحماية احتياطياتها الاستراتيجية“.. لكنه ينتقد في الوقت نفسه ”الإدارة الخاطئة لملف المياه“ و“التقسيم غير العادل للمياه“.
وتحت ضغط التظاهرات، فتحت السلطات جزئيا تدفق المياه قبل أن توقفها من جديد، وفق الناشط.
”بحثا عن مياه“
من الجانب الإيراني، تعاني هذه الأهوار التي تسمى بـ“هور العظيم“، كذلك من تراجع المياه، فقد جف نصف الجزء الإيراني منها، كما أفادت مؤخرا وكالة الأنباء الايرانية الرسمية ”إرنا“.
ويحمّل مدير ”المركز الوطني لإدارة الموارد المائية“ حاتم حميد، الجارة إيران مسؤولية الأزمة. ويقول إن ”التغذية الرئيسية لهور الحويزة هي من الجانب الإيراني، لكن النهر مقطوع تماما منذ أكثر من عام“.
وأضاف أن الاحتياجات المائية للأنشطة الزراعية والأهوار مغطاة جزئيا فقط في ظل التقنين في المياه من الجانب العراقي أيضا، بينما هناك بين الأولويات ضرورة تأمين مياه الشرب.
ويوضح المسؤول أن ”قطاعي الزراعة والأهوار هما الأكثر تأثرا بشح المياه لأنهما أكبر قطاعين مستهلكين للمياه“.
ومع درجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية، يشير أيضًا إلى ”التبخر العالي الذي يحدث في الأهوار“ ولا يمكن تعويضه بالمياه المتاحة.
ويضيف ”لا نستطيع تأمين المياه للزراعة 100% ولا للأهوار 100%“.
من جهته، يقول المدير العام لمركز إنعاش الأهوار حسين الكيلاني، إن ”هناك برنامجا هذا العام لتوسيع وتعميق وإعادة تأهيل المجاري المائية والانهار التي تروي الأهوار“، موضحا أن ”ذلك ساعد في الحد من هجرة مربي الجاموس وتمركزهم على ضفاف الأنهار المغذية للأهوار“.
وتمتد الأهوار بين نهري دجلة والفرات في جنوب بلاد ما بين النهرين، ويصفها البعض بـ“جنات عدن على الأرض“.
44 مليون دولار مساعدة أممية إلى اليمن لمواجهة كارثة الفيضانات
جائحة كورونا تغير من سلوكيات الطيور وأماكن انتشارها
لكن هذه الأرض الغنية بالحياة، تعرضت لجفاف متكرر ومعاناة خلال فترة حكم النظام السابق.. فمن أجل قمع معارضين اتخذوها ملجأ، جفف صدام حسين الأهوار في تسعينيات القرن الماضي.. ومنذ ذلك الحين انخفضت مساحاتها الرطبة إلى النصف تقريبا.
وفي ”أهوار الجبايش“، يلخص علي جواد (20 عاما)، الظروف الحالية بالقول ”سابقا، عندما كنا ندخل الهور، كنا نرى مساحات خضراء ومياها وسلاما داخليا.. الآن صحراء“.
عشرات العائلات هجرت المكان، كما يقول ”بحثا عن أماكن فيها ماء“.