مقالات

حديث الظل [الجمال]……بقلم بشائر الشراد

الشبكة مباشر ....العراق

حديث الظل [الجمال]
الجمال لفظة تعبيرية للتعبير عن البهجة , الحسن ,الزينة , الاخلاق , الحق , الخير والكثير من المعاني حيث يمتلئ نصفنا الاول به والاخر المظلم كالقبح فهما معنيان متضادان , لنتأمل الشمس وهي تبعث خيوطها الذهبية وتلامس بريقها قطرات الندى فوق اوراق الشجر تغمرها بتلألئ أو حين نرى ابداع الخالق ببخترية الطاووس بألوانه الجذابة , وفي حديث عن ابي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال : قلت للربيع بنت معوذ : صف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالت : يابني لو رأيته رأيت الشمس طالعة , وفي رواية لو رأيته لقلت الشمس طالعة .
فكم يتضمن الجمال الصفات المشتركة بين الاشياء الجميلة التي تولد الشعور بالجمال في الصورة والفعل في لذة الاكتمال , هكذا يصبح الشيء جميل بذاته او قبيحا بذاته , والانسان اجمل المخلوقات , وان الحكم الاخلاقي يسبق الحكم الجمالي لما بعد الجمال , اي ان هناك قبح وهنالك جمال ووحده العقل من يميز , الفاصل بين الوجهين الفن حيث بإمكانه تحويل ماهو قبيح الى جميل وهكذا يصبح هناك جمال القبح , ومن الامثلة لذلك لوحات بيكاسو وهو يرسم القبح في الشفاه المنفوخة او الاعين المفتوحة في فن مارغريت رسامة الاعين الكبيرة لأنها ترى ان العيون نافذه للقلب والرسوم الغير مألوفة وهكذا تتحول الاشياء الشنيعة الى جميلة ويتم استدعاء القبح الى الجمال كما يظهر في قصائد بودلير (ازهار الشر ) او كما يظهر في فن العمارة التكعيبة .

وهنا يبرز دور الانسان كفنان او كمعماري او نحات او كاتب أيا يكن ؛ لطالما امتلك الانسان عقلا فبإمكانه ان يحول القبح الى الجمال كتحويله القصب المثقوب الى ناي , او الحجر المصقول الى نقش ويشبه كثيرا اعادة تدوير الاشياء وبإمكاننا ان نحول الكثير مما هو سيء الى جيد وهذا يذكرني بالمعابد الاثرية والنقوش والمقابر التراثية حيث كنا نرى الانسان يزين جدران المقابر برسوم ليدفع احساس الوحشة بنظره وحين يشعر بدنو الموت واقترابه رغم ان هذا لا يمنع عنه الموت من الاساس لكنه يخفف من وطأة الشعور يستخرج حزنه العميق بطريقة ساخرة , وأنا حقا أرى الجمال في هذه الآية الكريمة (ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) كم جميلة هذه الاية الكريمة وهي تحول نظرنا من البغض الى الاحسان ودفع المساوئ , فهلا تلاحظ ان الجمال موجود في كل الاشياء الصغيرة والعظيمة وربما يكمن في نظرتنا للأشياء فكيف ما كنا جميلين سنرى الاشياء جميلة فإنه نابع من ارواحنا اولا ؛ ولإن الجمال صفة الهية فأين اشحت ببصرك فثمة انجذاب نحو اللون او الصفة والهيئة او الطبيعة كتمعنك تماما وانت تنظر الى وجه السماء ومراقبتك لتلك النجوم اللامعة , حتى في الطبيعة الصامتة هنالك جمال في الاواني والخزفيات المصنوعة من الفضة ( وإذا رأيت إذ رأيت ..) هنا تأكيد للبصر برؤية النعيم وكيف خالق الجمال صورنا بأبهى الصور بتناسق الاعضاء مع الجسد والروح وأكرمنا قولا وعملا , ولأننا من صنع الله الجميل يجب ان تقترن ظواهرنا مع بواطننا , يمكننا ان نكن جميلين ممتلئين بالحب وليس بالخواء والنميمة وتداول الفضائح فنحن نمتلئ بالحب والرحمة والاخلاص والمشاعر الانسانية التي فطرنا الله عليها لِمَ نكن السلاح المصنوع من وتد الشجرة ولا نكن كمانا يصدح شجنا لإحزاننا؟؟ .

اعتصمي بالحكمة يآ الامي
مدي الي يديك ياالامي
وتعالي نذهب بعيدا عن هؤلاء
انظري الى السنوات الهاربة
تنحني على شرفات السماء بأثوابها البالية
والى الندم المبتسم, ينطلق من اعماق المياه
والى الشمس المحتضرة تنام تحت قبة السماء
وتجرجر على الافق اشعتها
كأنها كفن طويل
اسمعي ياعزيزتي زحف الليل الناعم
وفي شكوى ايكاروس
عشاق الغواني متخمون معافون سعداء
وانا تتحطم ذراعاي من معانقة الغمام
وعيناي المتعبتان لا تريان سوى
ذكريات الشموس الساطعة
بفضل النجوم التي لا مثيل لها
المتلألئة في اعماق الفضاء
عبثا احاول ان اجد للفضاء وسطا او نهاية
فلست ادري تحت اي عين من نار
شعرت بجانحي ينصهران
وانا الذي احرقني حب الجمال
لن احصل على الشرف الرفيع
بان اخلع اسمي على الحفرة
التي ستكون لي قبرا…
بودلير/ تأمل , شكوى ايكاروس
ولو سُأل كل منا ماهو مفهوم الجمال من نظرك وماهو قياسه لديك ؟
بالطبع سيكون الجواب مختلفا وجميلا في كل مرة ربما سيصف احدهم السماء ويصور لنا الغيوم المتلبدة بيته والشمس مخدعه وستصف سيدة مهتمة بالجمال ملامح بشرتها الفاتنة السمراء أو البيضاء او يجيب الاخر بكونه رياضيا الشكل الجميل والعضلات القوية وطريقة المشي الجميلة وهي الاخرى ستصف الحنين بضوء القمر في برد الشتاء وتصف لك الاوراق المتساقطة كوجه مسافر … في الحقيقة لكل منا معيار نسبي في رؤية الاشياء تعود لاختلاف الاذواق والحس الفني وبساطتنا وتعقيدنا في تقييم الاشياء ,
فكلما كان الانسان بسيطا تذوق الجمال بصورة اعمق حين تستحي قلوبنا من الله , وثلاثة وصفهم الله بالجمال
( الصبر الجميل والهجر الجميل والصفح الجميل , فنصبر دون شكوى , ونهجر دون عتاب , ونصفح دون اذى ) ووصف كافكا الجمال ( من يحتفظ بالقدرة على مشاهدة الجمال لا يشيخ ابدا ) وكم يمكننا توظيف الجمال في الاشياء بالإحسان نكن الاجمل وبالأفكار السوداوية المزعجة التي ستتفرع داخل رؤوسنا وتحوم حولها غربان الكأبة حتى تقضي على جميع لحظات السعادة بداخلنا لا نك بإمكانك ان تبث الحزن لروحك في الوقت الذي يمكنك ان تجعل روحك حالمة كالفراشات المرفرفة بأجنحتها الجميلة , فإن رأيت الاخرين اشبه بمجرى المياه العفن يؤسفني إنك ستشم تلك الرائحة النتنة كل صباح ومساء
وهذا يذكرني بحادثة النبي عيسى عليه السلام والحواريون حين مروا على جيفة خنزير اجلكم الله فقال الحواريون : ما انتن هذه الرائحة اما هو فرد وما ابيض اسنانها .
وفي اسطورة قديمة توصف الجمال , في يوم مشمس ارسل في الصباح الباكر الى العالم الجمال والبشاعةاو القبح وكانت رحلة طويلة من الجنة الى الارض وقد حطا قرب البحيرة ليستحما ولكن البشاعة قامت بخدعة وصعدت الى ضفة البحيرة وارتدت ملابس الجمال فيما هو يستحم وهربت وبدا الناس يتوافدون فيماالجمال لا يستطيع الخروج وكان عليه ان يرتدي ملابس البشاعة وذهب ليبحث عنها , تقول الاسطورة ان الجمال لا زال يبحث ولكن البشاعة ماكرة ومستمرة بالهرب , في الحياة المزيد من المشقة حتى انك لا تستطيع ان تحتمل ولو لدقيقة اخرى ولكن لو استطعت فقط ان ترى الحقيقة لدقيقة واحدة لعرفت ان وراء القبح جمال كبير مختبئ.
ومن سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلم : ان الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده” ومن الجمال ان تظهر نعمة الله وكرامته عليك لانه يحب ظهور اثر النعمة بالجمال الظاهر والشكر عليها بالجمال الباطن ؛ بقوله تعالى ” يابني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ” الاعراف ٢٦
وقوله في اهل الجنة ” ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ” الانسان ١١-١٢ اذ وصف وجوه اهل الجنة بالنضرة وبواطنهم السرور وابدانهم بالحرير ، فكل جمال يظهر في ملبس او وهيئة وقول او فعل وهكذا هو القبح ، لذا يشترط الجمال والحسن الظاهر بالباطن(ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم وانما ينظر الى قلوبكم واعمالكم ) دون تفاخر ولا اسراف ، فمن الجمال ان نعبد الله بالقول والعمل والاخلاق ، ان نحمل لسانا صادقا وقلبا مخلصا محبا ونتوكل وننيب الى خالقنا ، لذا فان الجمال معرفة وسلوك.
فنحن امام امرين : اما ان نغير طبيعة الشعور اتجاه الاشياء بالإيجاب بطرح تساؤلات لعقولنا وبذلك تعلو قيمنا الايجابية , او نغير طريقة تصرفاتنا ازاء الشيء وهو علاج مخدر لمرض مزمن . ولنقل شكرا ونشعر بالامتنان نحو الاشخاص والاشياء وبالشكر تدوم النعم (واعملوا ال داوود شكرا ) , فشكرا لجامعي القمامة ومهندسي النظافة لانهم جملوا شوارعنا بعملهم الخلوق المتواضع , شكرا قولا وعملا للأم فكلمة تسعدها وفعل يرضيها , شكرا للوسادة والمخدع , شكرا لان الله ربنا تفضل علينا بالإسلام الذي جعلنا نزهر ورعانا كرعاية الزهور المنبعثة من وسط الصخور ولا عناية لنا الا عناية الرب لذا فنحن لا نتكرر ابدا وفي احسن الاحوال.
انت الجمال نفسه وانت القصيدة ذاتها والشعر وجودك الجميل

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى